اطبع هذه الصفحة


صدق أو لا تصدق: بروتوكولات حكماء صهيون صناعة إسلامية!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
إذا فهذه البروتوكولات وبشهادة أول رئيس للكيان الصهيوني، صناعة يهودية، لا تمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، ولو كان هناك ولو ذرة من الشك في ذلك، لما أغفل (ويزمن) الإشارة إليها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لماذا استمات في نفي هذه التهمة عن أستاذه، في حين أثبتها على قومه

لا ليس من عادتي إطلاق الطرف المضحكة... بل من المؤكد أني لا أجيد هذا الفن من الكلام، ولكني كما أظن - والله أعلم- خرجت عن هذه القاعدة أخيراً، ها أنا اليوم أسطر لكم طرفة مضحكة بكل تأكيد وجديدة في نوعها، طرفة اخترت أن أتباهى بها على غير عادتي ... فبروزتها كعنوان لهذه السطور( بروتوكولات حكماء صهيون صناعة إسلامية!) أضحكتكم أليس كذلك؟!
ولكني واعترافاً بالحق لا بد أن أعترف أن هذا العنوان المضحك، ليس من نتاج قريحتي، فقد استنبطته من تقرير أعده مركز ادعى أصحابه أنه وثائقي ومعلوماتي، فأطلقوا عليه اسم (مركز الوثائق والمعلومات الإسرائيلي) ومن خلال هذه التسمية تتضح الصورة بكل أبعادها، فهو مركز إسرائيلي التوجه، صهيوني النزعة، عنصري الفكرة والحركة.
من خصائص هذا المركز الإسرائيلي حرصه دورياً ومنذ إنشائه عام 1983م، على إرسال تقاريره السنوية، لكافة وزراء خارجية وداخلية وعدل دول الاتحاد الأوروبي، وكافة الحكومات الموالية لتوجهاته، ولا شك في أن الولايات المتحدة على رأس تلك القائمة ... تقارير من المستلزمات الأساسية لإعداد أي منها توجيه التهم للإسلام والعرب وبشكل عام.
أما عن مضامين تقريره لهذا العام والذي أشارت إليه صحيفة الوطن على صفحاتها الثقافية يوم الاثنين الموافق 13جمادى الآخرة1424هـ، ففيه العجب العجاب، فقد تضمن الآتي: ( إن بروتوكولات حكماء صهيون التي تنتشر في العالم العربي، ليست إلا معتقدات إسلامية فقط .‍‍.. تعود لعصور القياصرة، وإن المسلمين هم الذين أشاعوا سعي اليهود للسيطرة على العالم، واستخدموا هذه البروتوكولات التي هي صناعة إسلامية لحشد العداء في العالم ضد اليهود وإرهاب العالم من هيمنة اليهود)!

إن حديثي إليكم اليوم لن يتطرق لتوافق محتويات تلك البروتوكولات مع الأحداث العالمية من عدمه، فالقضية التي هي مدار اهتمامي الآن، والتي آمل أن تحوز منكم نفس القدر من الاهتمام، منحصرة في الرد على مزاعم ذلك المركز الإسرائيلي من كون ( بروتوكولات حكماء صهيون) صناعة إسلامية! لذا سيكون التركيز منصباً على عرض نصوص تاريخية تؤكد فساد تلك المزاعم، فلنترك التاريخ يتحدث بنصوصه التي يعلن أهله أنها لا تحتمل التأويل.
فعن أول ظهور ترجمة عربية لهذه البروتوكولات في العالم العربي يذكر التاريخ عام (1921م)، وذلك بعد صدور(وعد بلفور)، قام بها بعض مسيحيين عرب، وعليه فهذا السبق من شأنهم دون غيرهم من العرب، بعدها تلت ترجمات أخرى لتلك البروتوكولات في فلسطين وسوريا خلال عامي (1925-1926م)، أما أول ترجمة عربية كاملة لـ(بروتوكولات حكماء صهيون) في العالم العربي، فقد ظهرت على الساحة المصرية، وقام بها الأستاذ (محمد خليفة التونسي) عام 1951.
هذا هو تاريخ وجود هذه البروتوكولات بيننا نحن العرب والمسلمين، أما العالم الغربي بما فيه روسيا، فقد كانت مدار نقاشهم واتهاماتهم قبل ذلك بكثير، وإليكم معلومات تاريخية تؤكد ذلك الوجود واستحكامه، معلومات تنفي بدورها ذاك الاتهام المضحك الذي نص على أنها صناعة إسلامية، لقد ظهرت أول طبعة لهذه البروتوكولات قبل وجودها في العالم العربي بحوالي عقدين من الزمان، حدث ذلك عام (1902م) في( بتر سبورج) بروسيا، وأعيدت طباعتها ثانية في نفس العام، وبعد خمسة أعوام أي في عام (1907م) بالذات، أعيدت طباعتها للمرة الثالثة في المدينة نفسها، وهذه الطبعة بالذات نشرت على نطاق واسع في روسيا.
أما(سير نيلوس) فقد عمد إلى نشر النسخة الثانية لهذه البروتوكولات ،تم ذلك عام ( 1911م)، وهذه النسخة بالذات انتشرت على نطاق واسع في العالم الغربي، وهكذا وصلت لدور النشر الأوروبية، ليعاد نشرها بالمال الأوروبي في برلين وفي بريطانيا عام (1919م).

لقد نالت هذه البروتوكولات اهتمام الإعلام الغربي آنذاك، فعلى سبيل المثال تحدثت صحيفة (المورننج بوست) البريطانية عن تاريخ هذه البروتوكولات في عام 1919م نفسه، وأشارت من خلال حديثها ذاك إلى وجود نسخة معتمدة منها في المتحف البريطاني، الأمر الذي أكده الكاتب ( مفيد عرنوق)، الذي أشار بدوره إلى وجود ملف مكتوب باللغة الروسية تحت رقم (3926و70) أودع بتاريخ ( 1906م) ويقع في ( 417) صفحة، يتضمن (بروتوكولات حكماء صهيون) مرقمة من ( 305 إلى 417)، أي في (112) صفحة ...حدث كل ذلك قبل أن نسمع نحن العرب بوجودها.

بل إن الولايات المتحدة الأمريكية أولت هذه البروتوكولات كثيراً من الاهتمام، إذ ظهر فيها عدد من كتب تتحدث عن هذه البروتوكولات، كان منها مؤلف كتبه (هنري فورد) عام ( 1922م)، تحت عنوان (اليهودي العالمي)... حدث ذلك أيضاً قبل أن نسمع نحن العرب بوجودها.
أما ( جون بتى) عضو المخابرات المركزية الأمريكية، فهو صاحب كتاب (الستار الحديدي حول أمريكا) تمت طباعته عام ( 1953م)، تحدث فيه عن وجود سياسة يهودية عالمية تستهدف سيادة العالم، كما أشار إلى أن هذه السياسة تستمد كيانها من التوراة والتلمود، وأكد أن هذه البروتوكولات تفسر تلك السياسة.
أما في سويسرا، فقد نشر ( تيورد فيشر) في جنيف، كتاباً يحتوي على بروتوكولات حكماء صهيون، فتوجه اليهود إلى القضاء لوقف بيع كتابه، وكان الحكم الابتدائي لصالحهم، إلا أن ( فيشر) استأنف الحكم، وقدم الأدلة من بينها وثيقة رسمية استخرجت من المتحف البريطاني تؤكد أن البروتوكولات قد أودعت فيه عام ( 1906م)، كما أثبت للمحكمة أن اليهود استعانوا بشهود، تحقق كذبهم وتزويرهم، فكان من حيثيات المحكمة العليا السويسرية التي برأت فيشر، ( إن بروتوكولات حكماء صهيون حقيقة يهودية لحماً ودماً)..

بل إن التاريخ يؤكد أن بروتوكولات حكماء صهيون لم تنل اهتمام الصحافة البريطانية كـ ( المورننج بوست) فقط، بل نالت اهتمام بعض رموزها السياسيين كرئيس وزراء بريطانيا لمرتين ( ونستون تشرشل) فكتب عنها مقالاً نشر في مجلة ( اللستراتيد صنداي هيرالد) البريطانية في 8/2/1920م، استفظع فيه المؤامرة اليهودية الملاحدة -كما وصفهم - لنسف الحضارة الأوروبية، كما أشار إلى أن الحركة العالمية، رهيبة، لكنه بعد هذا المقال سكت ودون مقدمات عن الحديث عن ماهية هذه البروتوكولات .. حدث ذلك أيضاً قبل أن نسمع نحن العرب بوجودها ..

قد تكون كل تلك الحقائق التاريخية، مدار أخذ ورد من قبل المعارضين لها، ولكني أتساءل عن موقفهم من اعتراف أول رئيس للكيان الصهيوني ( حاييم ويزمن) في كون بروتوكولات حكماء صهيون مؤامرة يهودية شريرة للتسلط على العالم، هذا ما نصت عليه مذكرات ( ويزمن) التي فرغ من كتابتها عام 1948م، فقد دافع من خلال تلك المذكرات عن أستاذه الروحي ( أشر جنزبرج) الذي أجمع عدد لا يستهان به من كتاب الغرب على أنه هو كاتب هذه البروتوكولات ،هذا ما أشارت إليه مذكرات الرئيس الأول لحكومة الكيان الصهيوني، وإليكم ما جاء فيها :( لا أعلم لماذا اختار دعاة السامية هذا الشخص والمفكر ... ليرموه بزعامة تلك المؤامرة الغامضة التي عرفت باسم حكماء صهيون، فكأن دعاة السامية كلما أرادوا لصق التهمة بأحد ما، اختاروا وأشاروا إلى ( أشر جنربرج)، وكأنه هو وراء هذه المؤامرة اليهودية الشريرة للتسلط على العالم)..!!

إذا فهذه البروتوكولات وبشهادة أول رئيس للكيان الصهيوني، صناعة يهودية، لا تمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، ولو كان هناك ولو ذرة من الشك في ذلك، لما أغفل (ويزمن) الإشارة إليها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لماذا استمات في نفي هذه التهمة عن أستاذه، في حين أثبتها على قومه، بل أشار إلى أنها ( المؤامرة اليهودية الشريرة للتسلط على العالم )، أسئلة كان بودي لو كان (ويزمن) معنا ليجيب عنها!

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط