اطبع هذه الصفحة


استغلال القطاع الخاص للدعم الحكومي

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


عندما ترفع الحكومة راتب المواطن سواء بدعم مباشر أو غير مباشر تعمد إلى رفع مستوى معيشته وإلى رفاهيته، وهي وإن كانت تدعم القطاع العام إلا أنها لن تقبل باستنزاف متوسطي الدخل من المواطنين.

مهما حاولت الحكومة رفع مستوى دخل الفرد وزيادة ورفاهية المواطنين، سنجد أن القطاع الخاص يقف بكافة أدواره بالمرصاد، ولن تكون هناك حلول جذرية دون تدخل حكومي مباشر لوقف هذا الاستنزاف. أذكر أننا ومنذ سنوات وبعد أن أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله برفع رواتب القطاع العام، وبعد تحذيرات متعددة أصدرها وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف رحمه الله، لكل من يعمد إلى رفع الأسعار استغلالا للقرار الملكي برفع الرواتب، وجدت عددا من المحلات التجارية تتلاعب بمهارة في موضوع الأسعار، فقد ارتفع مؤشر الأسعار بشكل أو بآخر إلى أعلى، وعللت ذلك بتغير السياسة المالية للمنشئة، أو بالارتفاع العالمي للأسعار، وأنها إن لم تفعل سيتوقف نشاطها.. وهكذا احتالت لتنفيذ ما تريد، بل إن بعض المحال لم تكلف نفسها حتى ببيان الأسباب ولم تتوقف عند الإشارة إلى أن تصرفها هذا مخالف للنظام.

خلال الأيام الماضية صرح مدير عام صندوق الموارد البشرية إبراهيم المعيقل، عن البدء بدعم رواتب معلمي ومعلمات المدارس الأهلية بحيث يبدأ بـ5 آلاف ريال مضاف إليه 600 ريال بدل نقل، ويدعم الصندوق (50%) من الراتب.. أي إن الصندوق سيتكفل بنصف راتب المعلم والمعلمة العاملين في المدارس الأهلية.. وعليه لا أستبعد أن الأسعار سترتفع تبعا لهذا الدعم.

أما فيما يتعلق بالشركات التي توجهت لتوفير العمالة المنزلية - أو تأجيرها - فهي تسعى لتحقيق أرباح وبشكل غير مسبوق على حساب الأسر متوسطة الدخل، ففي حين يفترض منها توفر العمالة المنزلية الآمنة وبتكلفة معقولة، نجد أن الموظف متوسط الدخل إذا أراد الحصول على عاملة منزلية أو سائق دفع دخله لعدة أشهر لهذه الغاية، فقد بينت إحدى هذه الشركات (أن القيمة الإجمالية تشمل أتعاب الشركة "7500 ريال" ورسوم الاستقدام "2000 ريال"، وإقامة لمدة عامين "1200 ريال" بالإضافة لقيمة التذكرة، كذلك تأمين لمدة عامين في حالة رفض العمل أو الهروب بقيمة 700 ريال، بالإضافة إلى قيمة تأمين صحي يشمل إصابة العمل أو الوفاة لا سمح الله 800 ريال إضافة إلى راتب يصل إلى 1500 ريال يودع شهريا في حساب الشركة، والغريب أن هذه الشركات ستشترط على المستفيد ألا يقل راتبه عن 5000 ريال، وبعملية حسابية بسيطة يتضح أن الموظف متوسط الدخل سيخصص حوالي ثلث راتبه للعاملة والثلث الآخر للسائق، ولا أعرف كم سيبقى لدفع إيجار المنزل ورسوم الكهرباء والماء، وبماذا سيطعم أسرته! وماذا سيرتدون وهم حتى في موسم التنزيلات يجدون ثيابا بالية أكل الدهر عليها وشرب وبأسعار لا تمت للتنزيلات بصلة.. وإذا قيل لا حاجة لوجود الخادمة والسائق؛ أقول لقد عاشت الكثير من الأسر السعودية قرابة العامين دون عمالة، وهي قادرة على تلقين هذه الشركات التي تحاول جس نبض المواطن بإرسال رسائل إعلامية أقل ما يقال عنها إنها مبطنة، عن التكاليف التي تطمح في حصدها وجنيها من المواطنين.

ولكل هؤلاء أقول إن الحكومة عندما ترفع راتب المواطن سواء بدعم مباشر أو غير مباشر تعمد إلى رفع مستوى معيشته وإلى رفاهيته، وهي وإن كانت تدعم القطاع العام إلا أنها لن تقبل باستنزاف متوسطي الدخل من المواطنين.

وكمواطنين علينا أن نقف وقفة شجاعة أمام كل من تسول له نفسه استغلال حاجتنا، فبدون الاتحاد لن نحقق الغرض المطلوب.. أولا: علينا فرض شروطنا ورفض أي شروط تعسفية توضع من قبل هذه الشركات، فعلى سبيل المثال هناك شركة استحدثت نظاما أطلقت عليه "ضمان" وقررت أن المستفيد سواء كان مواطنا أو مقيما عليه أن يدفع 6500 ريال ضمانا، واعتباره تأمينا مستردا لمستحقات العاملة المنزلية في حالة التأخر عن استلامها رواتبها، وبحسبة بسيطة يتضح أن الضمان قد سيستقطب - أيضا - المستفيد متوسط الدخل ما يزيد عن راتب شهر كامل، بمعنى آخر تتوقف حياة أسرته لشهر كامل.. وأكرر مجددا استفهامي الإنكاري: من أين سيتكفل المواطن بمصاريف الحياة من طعام وكساء ودواء بل وإيجار سكن وكهرباء وماء ومواصلات؟
هناك قاعدة اقتصادية معروفة مفادها أنه كلما زاد الطلب زاد السعر، وكلما قل الطلب زاد العرض وقل السعر، وبالتالي لنترك هذه الشركات مع عمالتها تتكفل بتوفير السكن والطعام والعلاج لهم لأشهر عدة، عندها ستتفهم حاجتنا وستخفض الأسعار وتخفف من شروطها، وستسعى لاسترضاء وتقدير ظروف المواطن صاحب الدخل المحدود.

والحقيقة أن الكثير من الأسر التي افتقدت وجود العاملة المنزلية خلال هذه الفترة استطاعت أن تكيف أوضاعها وتقسم الأدوار بين أفرادها، وإن كنت أعترف أن الأمر لم يكن سهلا؛ إلا أنه مفيد من الناحية النفسية والصحية، وهذا ما ستشهد به الأسر التي مرت بهذه الحالة، ومع هذا لا أنكر أننا نحتاج لعمالة منزلية ولسائقين، غير أن استغلال حاجتنا بحيث تستقطب معظم موارد متوسطي الدخل أمر غير مقبول، وعلينا كمواطنين التحرك وبحزم تجاه أي استغلال من شركات تهدف للربح أولا وأخيرا.

ثم إن هذه الشركات لم تلتفت إلى الجهد المبذول في تعليم العاملة لعادات الأسرة، فهي قادرة ودون إبداء الأسباب على التوقف عن العمل، وطلب تغيير الأسرة، وكأنني أرى أن الأسر البسيطة تبذل جهدا ملحوظا في تعليم عاملة، ثم يأتيها اتصال من الشركة ذاتها تطلب منها رفض العمل مع تقديم إغراءات مالية، لتتحول إلى أسرة اشترطت عاملة مدربة في المملكة تجيد كافة الأعمال المنزلية وبمهارة، ولتجد الأسرة نفسها أمام عاملة مستجدة لا تفقه من الأمر شيئا، وهكذا دواليك.


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط