اطبع هذه الصفحة


نحن والآخر.. تغيير الصورة النمطية عن المسلمين

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


إذا أردنا - كعرب ومسلمين - أن نحقق تطلعاتنا في تنمية شعوبنا فلا بد لنا أولا أن نغير من أنفسنا وأن نحاسبها قبل أن نعمد لمحاسبة الآخرين والعمل على تغيير أفكارهم


من منا لا يحمل همّا ورثناه ولم يكن لنا يد فيه، هما أخشى أن نورثه بدورنا لأبنائنا وأحفادنا، هم فلسطين، هم الأمة العربية، بل هم أمتنا الإسلامية، هما يبدأ ولا يتوقف عند حدود فلسطين المحتلة بل يتجاوزه ليصل إلى كل بقعة في هذا العالم، حيث أصبح المسلم معرضا للاضطهاد وللتعامل بعنصرية، حالة مزرية وصلنا إليها، حالة قد تكون لنا يد فيها وقد لا تكون، إلا أننا بحاجة إلى العمل الجاد لتغير الفكر النمطي عن العرب والمسلمين، فالعربي والمسلم والإرهابي ثلاثة في واحد، كيف؟ لا أفهم! ولكنهم هكذا يؤمنون، بل ينفقون أموالهم لترسيخ هذه الصورة في أذهان العالم، ففي حين نجد منا من لا يأبه بما يقولون، نجد منا من يساعد على ترسيخ هذا الفكر من خلال عرض طرح هذا الفكر النمطي عبر الوسائل الإعلامية على اختلافها، فأصبح الشهيد قتيلا.. وهكذا.
وإذا أردنا أن نحقق تطلعاتنا في تنمية شعوبنا لا بد أن نغير من أنفسنا ونحاسبها قبل أن نعمد لمحاسبة الآخرين والعمل على تغيير فكرهم، ففي طريقنا لتغيير الفكر النمطي عنا كمسلمين وعرب، من الواجب أن نتوقف عند موقع أقدامنا أولا وأخيرا، علينا أن ننظر ونتفكر هل أسهمنا بالقليل القليل في ترسيخ هذا الفكر النمطي؟ ولا أعني هنا المهادنة الدائمة للآخر ولا تقبيل الأيادي كحل لتلك المعضلة، فهما حل لمن باع نفسه واستخسر حريته واستهان بكرامته، علينا أن نظهر مواقفنا بشجاعة وبشكل يليق بخاتم الأديان ومهبط الحرمين الشريفين، وبأكثر من مليار مسلم يتحركون على البسيطة، فإذا تصرفنا برقي ينظر إلينا الناس، وإذا تحدثنا بصوت الواثق يسمع العالم صوتنا، لنعمل على اتحادنا كشعوب قولا وفعلا ولنرفع من سقف تطلعاتنا الوحدوية ولو في بعض المجالات، فبالاتحاد نقوى وننتصر بإذن الله.
وإن تهاونا في ذلك.. سنحصد عدم احترام الأبناء والأحفاد الذين سيقلصون تاريخنا المجيد ببضع صفحات سطر عليها أمجاد لم نعايشها ولم نتابع فصولها، وستكون فترة حياتنا كالحلقة الضائعة لا مكانة لها من الإعراب، أو قد نرسخ هذا الفكر النمطي بطريقة أو بأخرى في أذهان أبنائنا وندعمه في أذهانهم كحقيقة واقعة، من خلال ممارسات نعدها حقا لنا، والنتيجة إما وقوفهم تحت ظل ذاك الفكر النمطي وممارستهم لجلد الذات، أو اعتباره جزءا لا يتجزأ من الموروث الثقافي الإسلامي والعربي، وعلامة فارقة للانتماء.
ومن هنا أعتب على المؤسسات التعليمية التي أقفلت أبوابها في وجه الشباب، فكل ما يمكن لهم طرحه محظور، وأي محاولة لتداوله ومناقشته ستعرض صاحبه للعقاب، ومن هنا أتفهم تحول شبابنا للشبكة العنكبوتية للبحث عن إجابات لأسئلة ملحة لم يجدوا لها جوابا في مدارسهم وجامعاتهم وحتى داخل أسرهم، كما أتفهم ضياع فكر بعضهم.. فهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فقد نجد من بينهم من هو ناقد لمجتمعه السعودي وأمته العربية والإسلامية رافضا طرحها الذي يعتقد أنه انهزامي، وتارة رافضا له من باب اعتقاده أنه رجعي متخلف لا يواكب الفكر الغربي التقدمي، وتارة نجده ساكنا مستكينا يتحرك كيفما وجهناه لا يضر ولا ينفع.
وبعد هذه الكلمات التي لا أشك أنها أزعجتكم علي أن أسطر أحد المواقف المشرفة لمبتعثات ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، لعلها تسهم في رفع معنوياتكم، ففي الملتقى الثامن للبرنامج، والذي انعقد في مدينة "الخبر" دعيت للحديث مع المبتعثات من خلال محور (أخلاق المبتعثة وهويتها ومظهرها) وهناك سمعت من المبتعثات مواقف أثلجت صدري وزادتني فخرا بشبابنا، ومنها ما حدث للطبيبة (جمانة بنت طلال الحريري) التي طلبت المداخلة ذاكرة أنها تدربت لفترة معينة في أحد المستشفيات الكندية، وخلال تلك الفترة كان الطبيب المكلف بتدريبها الصهيوني من سكان فلسطين المحتلة – من تل أبيب تحديدا - يتعمد الحديث بطريقة استفزازية عن فلسطين وأهلها، أخبرتنا أنها وحتى لا تتهم بالهمجية كانت تتمالك نفسها، وكان هذا الطبيب يمنعها من متابعة العمليات بشكل مباشر، مصرا على نزعها للحجاب والاكتفاء بارتداء الزي الرسمي المعقم – وهو غير ساتر لكامل الرأس ـ ولذا كانت تكتفي بمتابعة العمليات من غرفة مخصصة للمتابعة، استمر الوضع على هذا الحال إلى أن شاهدتها ممرضة روسية الجنسية أسلمت حديثا، خارج غرفة العمليات تبكي بصمت، وبعد أن فهمت الموضوع قدمت لها لباسا مخصصا لجراحي العظام يحقق المراد ويحفظ حجابها، وقالت لها باسمة: الآن.. ادخلي عليه واهزميه، فضحكت.. ودخلت، وما أن شاهدها مقبلة وعليها زي رسمي حتى قال: الآن تستحقين الدخول.. لقد تذكرت في تلك اللحظة قول الله سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وحمدت المولى سبحانه، وختمت كلامها بتوصية زميلاتها بعدم التهاون في خصائصهن الدينية والوطنية، وبإذن الله سيكون التوفيق والفلاح حليفهن.
هذا موقف واحد من عدة مواقف مشرفة لبناتنا المبتعثات سمعته منهن في ذاك الملتقى، حفظهن الله وبارك بهن ..

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط