صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لا دنيا ولا أمن إلا بسلطان مطاع

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام



مصر تسير إلى نعش حفر لها.. وسواء انتصر هذا الفصيل أو ذاك ستبقى النفوس مشحونة تنتظر الفرصة المناسبة لمعاودة الكرة وبشكل أشنع، وسيظل المواطن المصري البسيط هو من يدفع الثمن من حياته ومقدراته البسيطة



ما بال مصر وأهلها؟! ما بال بسمة عرفت بهم وعرفوا بها؟! ما بال (أم الدنيا)؟!
بالأمس حذرت من الثورة، وقلت ولأكثر من مرة إنها لن تأتي بخير، وهي لم تفعل، هذا ما تعلمناه من التاريخ الإنساني، فالهيجان الدائر في مصر الآن ليس مرده الإعلان الدستوري، فالقرارات التي وردت فيه هي بالجملة مطالبات المعارضة قبل الموالين للرئيس الدكتور محمد مرسي، فعزل النائب العام وإعادة محاكمة بعض الشخصيات الاعتبارية أيام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، مطالب كانت الأصوات تهتف بها، مؤكدة تكاسل الرئيس وحكومته عن الفصل فيها، بل تلمح إلى أن دماء القتلى لم تعد تعني الرئيس مرسي، وأنه تخلى عن وعوده للشعب بالقصاص، إلا أن الواقع المشاهد والذي لا يخفيه المعارضون أمام العالم وخارج حدود مصر هو عكس ذلك تماما، فهم لا يهمهم الإعلان الدستوري الذي أكد الرئيس لأكثر من مرة أنه مؤقت، بل ما يعنيهم يتمثل في إعادة الكرة إلى مكانها السابق مع تغيير اللاعبين الأساسيين بلاعبين احتياطيين، يعتقدون أنهم بارعون إلى حد أنهم سيجلبون النصر لفريقهم، لكن فات هؤلاء أنهم في الأصل فريق تكون من عدة فرق امتزجت في فريق مستهجن، مطبقين المثل القائل: "أنا وأخي علي ابن عمي، وأنا وأبن عمي على الغريب"، فالوضع الحالي يتطلب، كما يفهمون، اتحاد الأعداء الذي سرعان ما سينتفض أفراده بعضهم على بعض، وقد نتابع ذلك – والله أعلم - بمجرد إزاحة هذا الكابوس عن أنفاسهم، فهؤلاء لا يجيدون اللعب من خلال طرف واحد، وحراكهم لا بد أن يكون متشعبا ومتفرقا. ولا أعتقد أن مصلحة مصر تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.. هم يستبيحون خداع العامة وبأي طرق، المهم إزاحة الرئيس مرسي من سدة الحكم الذي وصل إليه بانتخابات نزيهة بشهادة المعارضين قبل غيرهم.. المهم تمكنهم من التمركز على السلطة وحولها، وزج الدكتور محمد مرسي وأعوانه ورجال حزبه في السجن بتهم لا أشك أنهم أعدوا العدة لها من الآن.
ولأني لا أستطيع إصدار موقفي من وضع الحكم الحالي، كونه لم يستغرق أشهرا معدودات، وبما أن كسب ثقة طالباتي الجدد يستغرق مني العمل الجاد ولأكثر من شهر، بمعنى أوضح يستغرق ثلث الفصل الجامعي، أتفهم عجز الحكم الحالي على إحداث فرق شاسع في الوضع الداخلي لمصر، وإن كنت أرى أنه نجح نوعا ما على الصعيد العالمي، فقد أعاد شيئا من هيبة مصر المفقودة أيام الحكم السابق ودورهم في أحداث غزة الأخيرة خير شاهد.
أما مسودة الدستور فقد جاز للمعارض وصفها بالمسودة المسلوقة، تمت الموافقة عليها بين ليلة وضحاها، مع أن بعض قيادات المعارضة كانت ولمدة تصل إلى ستة أشهر متواصلة تجتمع وتغير وتعدل وتقر بما انتهت إليه اللجان. ومع أن العديد من الاجتماعات كانت تبث على الهواء، إلا أن المواطن المصري كان محجما عنها، يبحث عن استقراره ولقمة عيش هنية، وإن كنا خارج القطر المصري لا نفهم بالصالح العام المصري ولا باحتياجات المصريين ولا بمضامين الدستور وفلسفته، أو مكامن الحق والباطل فيه، إلا أن ما أعلن هو مسودة قابلة للطعن من قبل المواطن المصري البسيط والعالم الفقيه.. فالقضية في مجملها تنحصر في أنهم لا يريدون هذا الدستور، ولو تحقق من خلاله سعادة المصريين، والسبب أن التاريخ سيسطر أنه دون في عهد حزب الحرية والعدالة.
لقد سمعت من أحدهم يوجه اللوم الشديد لدول مجلس التعاون، مدعيا أنها أحجمت عن تقديم معونات عاجلة وحاسمة للحكم الحالي، بل إنهم لن يثمنوا ما قدمته هذه الدول كمعونات وكقروض. ومع يقيني بحاجة مصر الملحة لدعم إخوتها العرب في الخليج وفي غيره، إلا أن عدم الاستقرار الذي يحيط بمصر جراء صراعات سياسية داخلية أسفر عن وضع غير محفز لأي استثمار أو بذل. وعلى فرض أن العالم أراد مساعدة مصر، وهو حق علينا كعرب، فمصر عزيزة علينا، تجمعنا بها مصالح مشتركة عميقة الجذور، إلا أن وضعها غير المستقر حولها إلى بيئة منفرة للاقتصاد، ومع ذلك كان الوفد السعودي الأسبوع الماضي ـ ممثلا بصندوق التنمية ـ في مصر، موقعا اتفاقية تنمية لثلاثة مشاريع تخدم المواطن المصري، وهذا الدعم لم ولن يكون الأول من نوعه في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها مصر. وعلى حد متابعتي لسياسة السعودية تجاه مصر وتجاه غيرها من دول العالم أجدها دوما تواقة لتقديم كل ما تستطيع لدعم دول المنطقة وشعوبها، بدليل أن الحكومات التي تلت حكومة الرئيس السابق مبارك، كانت دوما تستقبل وفودا سعودية رسمية تستهدف دعم المواطن المصري بمشاريع تنموية ودعم مادي.
أتمنى ـ كما نتمنى جميعا ـ أن يعم الاستقرار مصر وكافة الأراضي العربية والإسلامية التي تآكل وضعها الداخلي فتوقف حالها وحال شعوبها، فالتنمية لن تنمو إلا بالاستقرار، والاستقرار لا يمكن أن يتحقق في ظل المشاحنات، ومع إشعال فتيل الفتنة بين مواطني الوطن الواحد، أو بينهم وبين غيرهم، فهاهي مصر تُسير إلى نعش حفر لها، وسواء انتصر هذا الفصيل أو ذاك ستبقى النفوس مشحونة تنتظر الفرصة المناسبة لمعاودة الكرة وبشكل أشنع، وسيظل المواطن المصري البسيط هو من يدفع الثمن من حياته ومقدراته البسيطة، أما القادة فهم أبطال من وجهة مؤيديهم سواء دخلوا السجون أو هربوا خارج الحدود.
وأخيرا أضع أمام القارئ الفاضل ما قاله الإمام الغزالي رحمه الله: "...الأمن على الأنفس والأموال لا ينتظم إلا بسلطان مطاع فتشهد له مشاهدة أوقات الفتن بموت السلاطين والأئمة، وإن ذلك لو دام ولم يتدارك بنصب سلطان آخر مطاع دام الهرج وعم السيف، وشمل القحط وهلكت المواشي، وبطلت الصناعات، وكان كل غلب سلب ولم يتفرغ أحد للعبادة والعلم إن بقي حيا، والأكثرون يهلكون تحت ظلال السيوف، ولهذا قيل: الدين والسلطان توأمان"...

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط