اطبع هذه الصفحة


سنحدث فرقاً

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
احداث 11 سبتمبر وما ترتب عليها من تعسف ظالم تجاه المسلمين والعرب في أمريكا، كان لها أثر إيجابي من جهة أخرى، فقد ازداد التحام هذه الجالية بمطالبها وحقوقها الدستورية، وعزمت أمرها على تفعيل هذا الدور بشكل أكبر في الانتخابات المقبلة

تساءل الكاتب الصهيوني في صحيفة هآرتس (نتان هوتمان) أخيراً عن الأسباب التي دفعت خمسة من المرشحين الديمقراطيين التسعة للرئاسة عام 2000 م، قبول دعوة الجالية العربية والإسلامية الأمريكية المشاركة في مؤتمرها السنوي، في حين باءت دعوة مماثلة وجهت عام 1996م للمرشحين للرئاسة بالرفض...!
وليجيب محذرا... إن مرد ذلك نابع من تزايد اهتمام الجالية العربية في الولايات المتحدة الأمريكية بالساحة السياسية، وهو ما سيترتب عليه بطبيعة الحال مزيد من الاهتمام من قبل الجهاز السياسي الأمريكي، مؤكداً أن ذلك الاهتمام كان في الماضي نادراً إن لم يكن مستحيلا، في وقت كانت تلك الجالية في أمريكا تعد عنصراً غير مركزي في الاعتبارات التي يحددها المرشحون لأنفسهم، وذلك بسبب كونهم مغيبين من قائمة كبار المتبرعين، و نسبة مشاركتهم في العملية الانتخابية ضئيلة للغاية، أوضاع كهذه دفعت المرشحين إلى تجاهل اهتمامات هذه الجالية.

لقد أصاب الكاتب الصهيوني في تحذيره ذاك،فقد نتج عن اهتمام الجالية الإسلامية والعربية الأمريكية بالتصويت عام 2000م، أثر إيجابي لا يمكن للتاريخ الأمريكي الحديث إغفاله، فلقد صوت العرب ككتلة واحدة لصالح (جورج بوش) الابن وهكذا تمكن من الفوز على منافسه (آل جور)...
أما الخطوة التي كانت الأكثر إثارة في اتجاه هذه الجالية للوحدة، على مستوى الأمة، قد اتخذت في المؤتمر السنوي للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية ففي ذلك المؤتمر الذي أعلن فيه (آغا سعيد) أحد زعماء المسلمين الأمريكيين: أننا لا نتقاتل، إننا متحدون، وقبل أسبوعين من الانتخابات سنقرر جماعياً ونصدر توصية بالمرشح الرئاسي )، ووسط صيحات الاستحسان الصادرة من الجمهور شبك الزعماء المسلمون أيديهم ورفعوها عالياً وهم يصيحون، سنحدث فرقاً وهم قد فعلوا ورب الكعبة..
وإن كنت هنا لست في مجال تبرير اختيارهم التصويت لجورج بوش، إلا أنه من الإجحاف عدم الذكر أن ارتياح الجالية العربية لتصريحات بوش المؤيدة لحقوق الإنسان من ناحية، ومن ناحية أخرى اعتقادهم أنه سيكون أكثر صرامة مع إسرائيل المحتلة من (آل جور) المرشح عن الحزب الديمقراطي، والذي كان لا يتوانى في إعلان تعلقه بإسرائيل، أذكر هنا على سبيل المثال إجابته عندما سئل عماذا سيفعل كرئيس إذا أعلن الفلسطينيون دولتهم من خارج عملية السلام ؟ إذ قال: (سأتشاور مع حكومة إسرائيل لأرى ما هو الرد الذي سيكون أكثر فائدة لإسرائيل)‍...! تعليق كهذا كان كافيا في حينه لإقناع الجالية العربية للتصويت لجورج بوش..

لكن أحداث 11 سبتمبر وما ترتب عليها من تعسف ظالم تجاه المسلمين والعرب في أمريكا، كان لها أثر إيجابي من جهة أخرى، فقد ازداد التحام هذه الجالية بمطالبها وحقوقها الدستورية، وعزمت أمرها على تفعيل هذا الدور بشكل أكبر في الانتخابات المقبلة، وذلك من جراء ما ترتب في حقها من تجاوزات أمريكية صبغت بالصبغة القانونية...
وفي هذا الشأن تعهد أخيراً زعماء المسلمين الأمريكيين في اجتماع لهم عقد في ولاية شيكاغو والينوي بخططهم لتسجيل مليون صوت في الانتخابات المقبلة، لجعل الحقوق المدنية ذات أولوية قصوى في دعم أي مرشح رئاسي، وفي هذا الشأن صرح (نهاد عوض) المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية كير: (أن ثمة لحظة فاصلة في أمريكا تقترب، لا يمكن أن نتخلى عن مستقبلنا ومصيرنا للكره في هذا البلد)...
والواقع يؤكد أن تنظيم وتوحيد صفوف الجالية الإسلامية والعربية الأمريكية تحت زعمائها، ليصبحوا كتلة موحدة فاعلة في السياسة الأمريكية، مطلب أساسي لا للجالية الإسلامية والعربية في أمريكا فحسب بل لمصلحة القضية الفلسطينية والعراقية،والشرق الأوسط. وضع علينا كمسلمين وكعرب البحث عن السبل القانونية التي يمكن من خلالها مساندة تلك الجالية في هذا التوجه، فبإمكانهم بفضل الله إحداث الفرق...

وإليكم ما قاله الكاتب الصحفي ( ريتشارد.ت كورتيس) في أهمية هذا التوجه وضرورته للحياة الإسلامية والعربية في أمريكا وخارجها : (سيكون من الصعب أكثر فأكثر أن يكون المرء مسلماً في الولايات المتحدة إلى أن تحل القضية الفلسطينية، فاللوبي الإسرائيلي، بسبب نفوذه غير المعقول في وسائل الإعلام، سيواصل تصوير كل العرب وكل المسلمين (كإرهابيين) يجب تقييدهم واعتراضهم، والسخرية منهم، وحتى ترحيلهم من أجل (أمن المجتمع غير الإسلامي) بل أضاف موضحا أهمية توحيد صفوف الجالية الإسلامية كصوت واحد، لحل هذه المعضلة بقوله: (إذ أظهر المسلمون انضباطا..وجعلوا طائفتهم تقبل على الانتخابات، ثم صوتوا، ككتلة واحدة،... فإن الولايات المتحدة لن تكون أبدا هي نفسها التي نعرفها..فسياستها الشرق أوسطية ستصبح منصفة، للمرة الأولى، منذ إنشاء إسرائيل ) وها هو يلقي الضوء على ميزة هامة تتمتع بها تلك الجالية، في كونهم يتمركزون في ولايات محددة وهامة،فيقول : ( قد يكون الحظ، أو العناية الإلهية، وذلك بحسب وجهة نظركم، هو الذي جعل معظم المسلمين ونسبة عالية من المسيحيين العرب الأمريكيين يجتمعون في مراكز المدن الرئيسية في ولايات قليلة جداً.. فالصوت المسلم في حالة الانتخابات سوف يحدد على الأرجح المرشح الذي سيفوز في هذه الولايات، هذا إذا صوت المسلمون ككتلة واحدة).

أما قول بعضهم إن الكاتب قد بالغ في قدرة هذه الجالية على تحقيق التغيير على الساحة السياسية الأمريكية اعتماداً منهم على أن تعداد سكانها ضئيل جداً، مما يجعل الجري وراء تحقيق هذا التغيير من المحال، فقول بعيد عن الصحة تماماً، فهذه الجالية كما تؤكد الإحصائيات وهم على الأغلب من الحاصلين على ثقافة عالية، يصل تعدادها من مليونين إلى ستة ملايين، يشكلون 3% من السكان، في حين لو نظرنا إلى اللوبي الموالي لإسرائيل سنجد أنه يمثل على الأكثر 2% من عدد مواطني أمريكا، ومع ذلك يصنف على أنه ثاني أكبر مجموعة ضغط في الولايات المتحدة الأمريكية بعد رابطة الأمريكية للمتقاعدين.. وقلة عدد المواليين لهذا اللوبي مقارنة بعدد الجالية الإسلامية والعربية لم تمنعهم من الضغط على السياسة الأمريكية،لتوافق على كل ما من شأنه مساندة إسرائيل المحتلة..

قد لا تكون صورة تأثير الجالية الإسلامية والعربية الأمريكية على مجرى الانتخابات الأمريكية لعام 2004م واضحة المعالم اليوم، إلا أنه من المؤكد وجود عزم ومثابرة أكيدة من زعماء تلك الجالية، خاصة بعد نجاحها النسبي في انتخابات 2000م، نجاح أقلق الصحافة الصهيونية لدرجة إن (نتان جوتمان)، تفرد أخيراً بكتابة تحذير ضمني من اهتمام الجالية الإسلامية العربية بالساحة السياسية الأمريكية، نجاح آمل أن يكون دافعا لبذل المزيد من التنظيم، والمزيد من العمل لتغيير واقع مؤسف وظالم- بدا لكثير منا- وضعاً لا يمكن تغييره دون تعاون يماثل تعاون الصهاينة مع يهود أمريكا.. إن لم يكن أكثر تنظيماً!


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط