اطبع هذه الصفحة


لن يكون هناك منتصر

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


اللغة التي يستخدمها الطرفان المصريان كلاهما تشعر السامع بالاشمئزاز؛ فالأول يستخدم الإعلام، فنسمع في بعض البرامج مفردات هي قمة في "الـ...!"، ومن الطرف الآخر نسمع كلمات لا تقل دونية عنها


قد يكون لي موقف خاص مما يجري في مصر، وقد أتفق أو أختلف معك في هذا أو ذاك، إلا أنني أجزم أن كافة الأطراف في مصر والعالم والتاريخ لن ينسوا مواقف الموالين أو المعارضين في مصر لو اندلعت فيها – لا سمح الله - حرب أهلية.
على المصريين أن يدركوا أن ما يجري في مصر حاليا يؤثر سلبا على العالم؛ فمصر دولة مؤثرة وافتقادها للاستقرار السياسي سيؤدي لا محالة إلى عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، وضخ الأموال في جعبتها لن يرفع من استثماراتها فرأس المال ـ كما يقال ـ جبان، وهو لن يستقر على أرض مهتزة مهما بذل في سبيل ذلك، فالثورات ـ كما علمنا التاريخ ـ لا تأتي بخير، وثمنها غال وهي لا تهدأ دون خسائر، وإذا استقرت فستحقق ذلك بعد سنوات من اندلاعها، وخسائرها البشرية لا تقدر بثمن.
ولأني كغيري أشعر بالاستياء مما نراه يوميا في عالمنا العربي والإسلامي، فنحن ـ مع الأسف ـ نعيش في عالم غير مستقر، بعضنا استهان بالأرواح والأمن والاستقرار، ومن هؤلاء من وقف على سدة الحكم وبعضهم يمشي بين الناس.. وهؤلاء وهؤلاء عمدوا إلى نشر الفوضى والإرهاب في نفوس الناس وهم يستحقون إيقاع العقوبة.
لقد تركت الكتابة إليكم وطلبت من بناتي إحضار بعض الأجزاء من "الموسوعة العربية العالمية" لعلي أجد فيها ما يُطمئِن قلبي، إلا أني لم أجد إلا معلومات أثارت المزيد من القلق، كما ازددت يقينا من موقفي الرافض للثورات والانقلابات المسلحة، فكلاهما يسيران على أبدان الخصوم..
ولكن اللغة التي يستخدمها الطرفان كلاهما تشعر السامع بالاشمئزاز؛ فالأول يستخدم الإعلام الذي يعتقد أن أهله رواد الثقافة المصرية، لكننا نسمع من البرامج التي يطلق عليها حوارية مفردات هي قمة في (الـ..!)ومن الطرف الآخر نسمع كلمات لا تقل دونية عنها في وصف الخصوم، هذا ما حدث في شهر القرآن الكريم شهر الرحمة والمغفرة، وكان الأولى بالطرفين التوقف عما يطلقان من عبارات.. لأنها ستسجل عليهم لا محالة، كان الأجدى بهما أن يفكرا في جلب المؤيدين لا تنفيرهم.
ولأنه لا يمكن لنا أن نطالب بالجلوس على طاولة تعتقد أن الإسفاف هو الطريق إلى إقامة الحجة، وأن هزيمة الخصوم متحققة بألفاظ لا تليق بنا كشعوب عربية بل إسلامية.. ثم كيف لي أن أثق بمن يستجلب العداء لأهله؟ كيف أضمن أنه لن يفعل معي ذلك، ما إن يثار خلاف بيني وبينه، أو إذا ما تضاربت المصالح بيننا؟
الواقع ومن خلال خبرتي المتواضعة بطبيعة الحال، نستطيع تحقيق النجاح في أي حوار أو نقاش إذا ما استمسكنا بالآتي: (الاحترام ثم الاحترام ثم الاحترام )؛ فاحترام خصومكم هو احترام لأنفسكم .. وأنا لا أدعي المثالية ولم أطالب بحب الخصوم، كل ما طالبت به هو احترامهم ودراسة مطالبهم دراسة شاملة قبل الجلوس للنقاش، هذا إذا أردنا أن نستمسك بشعرة معاوية، ولتكن الحجة المطروحة قوية وفاعلة ودون إسفاف.
لقد رأينا خلال الصراع المصري الحالي من ادعى أنه قائد لحركة ما، وتطاول على بلادنا عبر قناة معادية للمملكة، ولكنه سرعان ما تبسم مكشرا عن أنيابة، فكيف أثق به وبأمثاله؟!
ومع أن الواجب يحتم علينا أن نمد يد العون إلى كل الأشقاء، ولكن من الواجب أن نكون حذرين، فكل من هو مطروح لإمساك زمام السلطة في مصر وفي غيرها من دول الثورات العربية لا يقدر مواقفنا السابقة ولا اللاحقة منها.
نحن لا نطمع بمحبة شعوب تلك الدول مع أننا نستحق ذلك، بل نطلب احترامها لمواقفنا من شعوبها خلال ما تتعرض له من أزمات متكررة، لقد ساندت المملكة مصر أيام الرئيس السابق حسني مبارك وخلال الفترة الانتقالية وصولا إلى المرحلة الحالية، ففي عهد رئيس الوزراء السابق هشام قنديل صرح وزير الخارجية المصري السابق محمد كامل عمرو بأن المملكة العربية السعودية أقرت حزمة مساعدات بلغت أربعة مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري، كما بادرت المملكة عام 2011م في عهد كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق بتحويل نصف مليار دولار منحة لدعم الميزانية المصرية، وهي دفعه من حزمة مساعدات بلغت 3.75 مليارات دولار، هكذا هي سياستها مع هذه الحكومة أو تلك، وسواء اتفقت مع سياستها أم لم تتفق، فالغرض من أي مساعدة تقدم لمصر موجه لمصر وشعبها.. لا لحكومات قد تتغير سياستها وتتبدل.
واسمحوا لي بإعادة ما سبق أن أشرت إليه وهو "أنه سواء انتصر هذا الفصيل أو ذاك فستبقى النفوس مشحونة تنتظر الفرصة المناسبة لمعاودة الكرة وبشكل أشنع، وسيظل المواطن المصري البسيط هو من يدفع الثمن من حياته ومقدراته البسيطة، أما القادة فهم أبطال من وجهة مؤيديهم سواء دخلوا السجون أو هربوا خارج الحدود وسواء أمسك هذا الفصيل الحكم أم أمسك غيره.. فلن يكون هناك منتصر.
والحل ـ والله أعلم ـ لحقن الدماء يكمن في تقدم طرف ثالث يتمتع بثقة كافة الأطراف، يشرف على إجراء حوار وطني، ثم استفتاء شعبي، كما أنه من المحال جلوس الطرفين على طاولة واحدة دون مقدمات يقدمانها للآخر تشعرهما بالثقة، والله أعلم.


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط