اطبع هذه الصفحة


كفانا تسويفا

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


الشعب السوري نفسه لم يخطر له أن هذا النظام ـ على وحشيته وافتقاده لأي معايير إنسانية ـ قادر على استخدام هذا السلاح ضده، بل لعله كان يعتقد أن الكيماوي غير متوافر لديه


الحرب المقبلة على سورية أصبحت قاب قوسين أو أدنى، ولم يعد الخيار السلمي لحل القضية السورية مطروحا لدى العامة والخاصة، ولم يعد إنكار نظام الأسد مجديا إلا عند من رفع شعار: (لا أرى، ولا أسمع، ولا أتكلم)، فقد تجرأ ذاك السفاح وزبانيته على قذف شعبه بالأسلحة الكيميائية بعد منتصف الليل، في وقت كان فيه الناس نياما! ولذا مات العديد من الضحايا في منازلهم، وقام المسعفون والسكان بكسر أبواب المنازل ليجدوا أصحابها أمواتا، وأكد شهود عيان أن معظم الأطفال الذين تعرضوا للمواد السامة لم تكتب لهم النجاة، فإما قتلوا وهم نيام، أو بعد وقت قصير من وصولهم للمستشفيات الميدانية، كما ذكروا أن معـاناة النساء المصابات كانت مضـاعفة، لأن ضـيق الحال لم يتح مجالا لتخصيص أماكن لهن تتيح لهن خلع ثيابهن لغسلها من آثار المواد السامة.
وهكذا تسبب بالموت البطيء لأكثر من 1500 مواطن سوري و67% من الأطفال والنساء، بينما بلغ عدد المصابين 9838 بينهم 3041 إصابة شديدة وخطيرة، فأكثر المصابين معرضون للوفاة، والكثير منهم مات على الـفور خلال نصف الدقيقة الأولى من هذا القصف، وحتى المسعفين من أطباء وممرضين أصيبوا لعدم توافر الأقنعة والثياب الواقية.
لقد سمعنا كثيرا عن خطورة الأسلحة الكيماوية على الإنسانية وعلى كافة الكائنات الحية، ولكننا اليوم، ونتيجة لتهور هذا الكائن، وقفنا على آثارها المرعبة وشاهدناها رأي العين.. فقد انتفخت عيون الضحايا وانعدمت الرؤية لديهم وتخدرت وجوههم واصفرت، وتخدرت أقدامهم، كما أصيبوا بضيق شديد في التنفس وبهيجان فظيع، واختلاجات عصبية قوية، ومن ثم احترقت خلاياهم وتوقفت قلوبهم، وخرجت الدماء من أنوفهم وأفواههم.. وهؤلاء جميعا انتهى أمرهم إلى مقابر جماعية، فقد تم حفر قبور ضخمة تتسع لأكبر عدد من الموتى، ففي إحدى هذه المقابر تم دفن عائلات كاملة، ودفن في إحداها 140 ضحية.
هذه المجزرة الوحشية دفعت الأطباء في المستشفيات الميدانية لاستخدام (أتروبين) بيطري -أي المعد في الأصل لعلاج الحيوانات- ومع ذلك لم يكن متوفرا بكميات تكفي لكافة المصابين، وما كان متوفرا انتهت صلاحيته ومع ذلك استخدموه، ولم يبق لدى المشافي أوكسجين، إذ منع ذاك النظام إدخاله إلى المدن المحاصرة، كما قطع عليها الكهرباء والطاقة البديلة لتشغيل المولدات، وأصبح الطبيب يعطي "إبرا" للحالات الصعبة جدا، أما البقية فيكتفي بغسلهم بالماء، فالأدوية المضادة للأسلحة الكيمائية غير متوافرة لديهم، وقد يكون عدم توافرها يرجع إلى أن المجتمع الدولي بقسميه المعارض لهذا النظام السفاك، أو الموالي له، لم يخطر بباله أن هذا الكائن يملك الجرأة لفعل هذا... فمع أننا أجمعنا على أنه وحش ومجرم حرب، إلا أنه كان يفترض أن يتوقف مليا عند أي فكرة تقترب من استخدام هذا السلاح، ولو كان لديه مستشارون عقلاء مخلصون له لنصحوه بغلق هذا الباب نهائيا.. ولكنه مصاب بداء العظمة.. إلى حد أنه استهان بالمجتمع الدولي فاستباح ما هو محرم دوليا استخدامه بين الخصوم، فكيف على شعبه الأعزل الذي لا حول له ولا قوة.. إلا بالله العلي العظيم القادر على تحريك المجتمع الدولي باتجاه القضاء عليه وعلى نظامه الفاشي.
بل إن الشعب السوري نفسه لم يخطر له أن هذا النظام ـ على وحشيته وافتقاده لأي معايير إنسانية ـ قادر على استخدام هذا السلاح ضده، بل لعله كان يعتقد أن هذا السلاح غير متوافر لديه، بدليل أن ـ وكما قال بعض الشهود ـ الضحايا توجهوا مباشرة إلى الملاجئ في الأقبية، وكان يفترض بهم التوجه لأسطح الأبنية هرباً من المواد الكيماوية السامة التي تنخفض بمجرد إسقاطها لكونها أثقل من الهواء، وهو ما أسهم في وفات معظمهم.
أبعد هذا نقبل كشعوب تسويف المجتمع الدولي المخل لكل المعايير الإنسانية، وتردده في إصدار قرار عالمي لإيقاف مثل هذا النظام عند حده؟ وهل يمكن أن يتم ذلك لو كان هذه السلاح استخدم ضد الكيان الصهيوني أو ضد مواطنين من بلاد العم سام أو شرق العالم أو غربه؟ معاذ الله أن نتمنى ذلك، فهذه الوحشية لا تخرج عن مسلم يؤمن بـ"لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ولا حتى عن حيوان تجرد من الخصائص الإنسانية، هذا الفعل لا يخرج إلا عن شيطان عاث في الأرض فسادا، لكن الأمر يتعلق بالشعب السوري الذي دفع ثمنا لحريته الآلاف من الموتى والملايين من المشردين، ولذا فإن الأمر يمر بهذه الإجراءات المعطلة لضربة حاسمة توقف بشار ونظامه عند حده ولا تستهدف مراكز الأسلحة الكيميائية فقط.. وللمجتمع الدولي أقول: كفانا تسويفا.


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط