اطبع هذه الصفحة


مأساة سورية على مائدة العشاء

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


اتفق ساسة الشرق والغرب على أن يتلاعبوا بنا في الوقت الذي اعتبروه ضائعا! وقت أفسح المجال فيه لعديم المروءة والأخلاق ليستمر في ممارسة هواياته السادية من قتل وتعذيب


مع الأسف، لغة الغاب هي اللغة السياسية المتداولة بين البشر في هذا العصر، أما الدعاوى التي تدعي المطالبة بحقوق الإنسان والدفاع عن الضعفاء المظلومين، فليست إلا هراء يتداولها ويتناولها السذج من الناس. نراهم عبر الإعلام والقنوات السياسية يتشدقون بما لا يفقهون، فمنهم من يوهمك بمثاليته، ومنهم من يعتقد نفسه مثاليا، مقررا أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وبالتالي لا معنى للمجادلة والعويل هنا وهناك، ولا داعي لبذل الجهد في سبيل تغير دفة النتائج، فذلك سيجعلنا ندور في دائرة مغلقة لا تنتهي إلى قرار.
فعلى مدار الساعة نرى ساسة الشرق يتلاعبون بالغرب والعكس صحيح، أو أنهما اتفقا أن يتلاعبا بنا في الوقت الذي اعتبروه ضائعا!، وقت أفسح المجال فيه لسفاك عديم المروءة والأخلاق ليستمر في ممارسة هوايته السادية من قتل وتعذيب.
لقد أصبحت كغيري أهرب من صراع حوّل الشعب الواحد إلى أعداء، صراع انعدمت فيه الرؤية، فلم نعد قادرين على تحديد ملامح من أمامنا بوضوح أو ترانا ارتأينا ألا نفعل.
ألم نر أوباما يتوعد.. وأوروبا تؤيد تارة وتحجم تارة أخرى وبريطانيا ترفض.. وروسيا تطرح حلولا بديلة عن الحراك العسكري.. والتي لم تكن لتظهر إلا في الوقت الضائع، ولتنسف كل ما عداها أمام أبرياء اعتقدوا أن نهاية معاناتهم اقتربت!، ثم ألم نر ذاك المجرم ينقل أدوات قتله بين جيران يشابهونه في ساديته إن لم يكونوا أفظع منه في ذلك!.
أما تلك الجزيرة التي يتحرك العالم من خلال شرايينها. فتدفع بكافة مقدراتها في سبيل نصرة ضحايا احترقت أحشاؤهم وهم نيام، تناور دفاعا عن أناس رفضوا ظلم ذوي القربي لهم، ولا أدري ما الذي يمكن فعله في عالم حالك الظلام كعالمنا اليوم، مع أناس يملكون القرار ويمتهنون التسويف، مع دول كانت لتهب فزعة لو تعرض صهيوني واحد لكيمياء بشار. ولشن العالم عليه حربا لا هوادة فيها، حربا تأكل الأخضر واليابس، وتحصد الأبرياء ما داموا من بني يعرب، أما والحال ليس كذلك وما دام بشار لا يوجه أنيابه إلا لعشيرته، فلا بأس من التسويف والتعطيل والتنطع. لا بأس بما تم من جرائم وبما سيتم على أرض سورية الحبيبة.
أما اهتمام العالم باستخدام بشار للأسلحة الكيميائية، فليس لأنها من الأسلحة الممنوعة دوليا، بل لخشيتهم من استخدامه ضد الصهاينة، وعلى فرض أن هناك جزما أميركيا وأوروبيا أنه لن يفعل، فهم يخشون من نظام قادم قادر على استخدامه ضد الكيان الصهيوني وضد مصالحهم في العالم، فهم لا يدافعون من خلال حراكهم السياسي الجامد عن إنسانية الإنسان، بل عن أنفسهم ومقدراتهم دون غيرهم.
من يتابع السياسة سيدرك أن من امتهنها سيعاني الأمرين. هذا إذا كان يملك قلبا مرهفا، وإن كنت أجزم أن الرئيس الروسي بوتين ليس من هؤلاء، فقد ظهر علينا في قمة العشرين الأخيرة باقتراح مناقشة الملف السوري مع قادة خلال مأدبة العشاء!، فهو يرى أن هذا الملف ليس من الأهمية بمكان ليحتل الصدارة على القمة ولو بشكل استثنائي ليدرج في جدول الأعمال، فقد قال في كلمة افتتاح قمة العشرين التي ألقاها مؤخرا، في أول اجتماع للقادة تحت عنوان "النمو الاقتصادي والاقتصادي العالمي": "إن بعض المشاركين في القمة طلبوا مناقشة مسائل السياسية الدولية التي ليست مدرجة على جدول أعمالنا بما في ذلك الوضع في سورية.. أقترح القيام بذلك أثناء مأدبة العشاء..". لا أفهم من أين جاء بهذا الاقتراح الأخرق، وكيف لنفسه الجوفاء الإقبال على تناول الطعام أثناء نقاشه لجريمة خلفت المئات من الضحايا احترقت أحشاؤهم من جراء استخدام بشار للأسلحة الكيميائية ضد شعبه، ثم كيف لمخيلته تصور جثث الأطفال والنساء والرجال المحترقة أثناء تناوله للطعام، أم أنه يرى ذلك من المقبلات الفاتحة للشهيه؟! إن بوتين لم يكتف بهذا الاقتراح فقد أعقبه بقرار فردي نافذ.. إذ أردف حديثة بقوله: "والآن سنناقش القضايا التي اجتمعنا من أجل بحثها أصلا، والتي تعد رئيسية بالنسبة إلى دول مجموعة العشرين".
أما أوباما فقد مارس معنا لعبة البيضة والحجر، فنراه ساعة مقبلا وساعة محجما، وساعة متسوفا، لا إلى هذا ولا إلى ذاك!، أبعد هذا يطالبنا البعض بممارسة حياتنا بعفوية ونسيان معاناة لا نتمناها لعدو؟!
لقد وصل الحال بأهل سورية إلى حد أنهم لا يسلمون وهم نيام، فهناك رجل قابع بينهم يتمسك بسلطة ليست له أصلا، سلطة انتزعها من شعبة بالحيلة، في دولة تعلن أن نظامها جمهوري، في حين أنها على أرض الواقع مجرد دكتاتورية فاشية دموية وحشية.
كان على بوتين وقادة دول العشرين التحرك ليس إلى إيقاف حكم هذا الرجل ونزع السلاح منه ومن أعوانه، بل كان الأجدر بهم المطالبة بمحاكمته وأعوانه في المحاكم الدولية، فما قام به أفظع وأكثر وحشية مما يقال إن هتلر قد قام به ضد اليهود وضد غيرهم.. ما قام به هذا المجرم أكثر وحشية مما قام به صدام حسين ضد شعبه.. ولكننا نراهم يفضلون التحدث عن جرائمه وهم يتناولون "الكافيار" والأطباق الأخرى، ويختمون حديثهم بتذوق الكيك الروسي

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط