اطبع هذه الصفحة


سقف الحقوق والواجبات

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


أطالب بالنظر في اللوائح التنظيمية الوطنية بشكل دوري بالإضافة أو التعديل، كما أطالب ببيانها للمواطن والمقيم كل بحسب دائرته، سواء ما كان منها متعلقاً بالواجبات، أم الحقوق


أعلم من أنا وأعلم إلى أي دين أنتمي، أعلم على أي أرض أقف وفي أي حدود أحتمي، وبالتالي لم يكن من الممكن ولن يكون؛ أن أنحني لغير رب خلقني وأنعم علي بما أنا فيه، وبما أرتجي، بل وبما فاق رجائي، ولذا كان لزاماً عليَّ أن أراجع نفسي وأراجع الأحداث المتأرجحة بين هذا وذاك. والتي تتحرك من حولي وحولك، فمن يحركها إما مغيب، أو مسير، أو مصاب بعمى الألوان. فلا أبيض يرى ولا أسود، هو على الدوام يحوم في دائرة رمادية مغلقة، لا تنتهي إلى قرار.
أسمع أن هناك من يسرق النظر خارج حدودنا، إلى من أحرق الأخضر واليابس، بزعم أن رمادهما يمهد لبث الحياة من جديد. وأن لهيبهما سرعان ما سيتوقف، وأن الموتى انتهت أعمارهم، وأن العويل لن يفيد. فهذا الذي يدعي سعيه للإصلاح، يرى أن طريقه إليه لا يكون إلا بالدمار ومحاربة الناس، وترويع الآمنين!
لا أفهم كيف لنا أن نفقد الأمل في الوصول إلى حقنا، وكيف لنا أن نعتقد أن الحق لن يقف أمامنا ومعنا.. بزعم أن الطريق عقيم، وأن صوت الحق لا يسمع، ولو سمع لا يفهم، ولو فهم لن تتحرك أمامه ضمائر إدارية اختارت السبات العميق.
الوطن أكبر من جدران أغفو بينها.. ومن أرض أسير عليها، هو كيان أعيش من خلاله وأتمنى أن يضمني بعد مماتي، هو الأم التي أطمع بحنانها وأتطلع إلى برها. هو حضن يعطيني ما لا يعطي غيري وما لا يعطيني إياه غيره.. فإن أعطاني كان عطاء المحب. وإن أعطاني غيره كان عطاؤه عطاء المستعبد، عطاؤه شرف وعطاء غيره ذلة، لا أستحي إن طلبت منه المزيد، في حين أترفع عن النظر في إناء غيره، ناره جنتي وجنة غيره نار. فلا تلوموني إن طالبت بما أراه حقي وشجعت على المطالبة بالمزيد.. فمن للمواطن بعد الله الكريم المنان إلا وطن هو بمثابة القلب من الجسد؟
من يعرفني يدرك أني لا أتنازل عما أراه حقا لي أو حقا لغيري، وأني أتحرج من المطالبة بما ليس لي فيه حق أو لغيري. وما موقفي هذا إلا لأني ومن خلال تجربتي أدرك أن الحق قد يصلني متأخراً، إلا أنه سيصل بحول الله ما دام الله معي، وأن إيماني بوطني والذي يصل بحمد الله سبحانه إلى حد اليقين؛ هو الدافع إلى استمرار مطالبتي. فلا خوف يعتريني من عواصف أو أعاصير اعترضت أو تعترض حراكي، ولا يأس يقترب من طريق بدا لي أو لغيري طويلاً، متعرجاً، فقد مهد لنا لنقف عليه بصلابة ويقين. قد تعتري طريقنا بعض الأشواك التي ليس من المحال تجنبها أو رفعها، ولكن ذلك لن يزحزحنا أو يثنينا، بل يزيدنا إصراراً ويقيناً.
ومن هنا كنت أطالب بالنظر في اللوائح التنظيمية الوطنية بشكل دوري بالإضافة أو التعديل، ولهذا كنت ـ وما زلت ـ أطالب ببيانها للمواطن والمقيم كل بحسب دائرته، ما كان متعلقا بالواجبات أو الحقوق، ولا أفهم ذاك الاستنكار الذي سيوجه إلى من أقبل مطالباً بمعرفة حدود واجباته، والسقف الأعلى والأدنى لحقوقه، ولذا لا أقبل تجاهل من وكل أمرنا إذا ما واجهناه بطلب تفسير لائحة أو تطبيق تنظيم. ولا أفهم من بين أن اللوائح المنظمة قديمة لم يجر عليها أي تعديل، ومن المستبعد أن يجري عليها في المنظور القريب.
كما أقف إجلالاً وتقديراً لمن عرف كيف يخدم منصبه مسخراً نفسه لمن وجه لخدمتهم.. من فتح بابه وقلبه للضعيف قبل القوي، للصغير قبل الكبير، لمن كانت السماحة سمته والحزم عنوانه، لمن لم يخش في الله لومة لائم، لمن زادته المناصب تواضعاً ورفعة في قلوب الناس، لأمثال هذا -وهم كثر بحمد الله- أدعو الله أن يرفع قيمتهم ويعزهم ويرد كيد أعدائهم في نحورهم، وينصرهم على من عاداهم، فبقاء هؤلاء على رؤوس الأشهاد هو ما نبتغي ونرجو ونتطلع. أما نجاح محاربيهم ففساد يجب استئصاله وردعه، وإبقاء هؤلاء يجعلهم يعيثون في الأرض فساداً لديار أراد الله بها خيراً بإذنه تعالى، أرض لم تخصص لأهلها فقط.. فمصالح المسلمين كافة تتعلق بها، وأمنها هو أمنهم، واستقرارها هو استقرار لمصالحهم الروحية بحول الله سبحانه، والتهاون في تثبيت هذا الأمر جريمة وخيانة، لا تغتفر ضد الدين قبل الوطن.
وبما أننا في موسم الحج يجب أن نذكر أنفسنا بأن المحافظة على أرواح الحجاج والمعتمرين والسعي لراحتهم ليس واجب الجهات المعنية دون غيرها، فهذا واجب منوط بكل مواطن يعيش في مكة أو المدينة، أو يسير في جدة أو يسكن أطراف المملكة، واحترامنا للحاج وخدمته قدر المستطاع فعل نرتجي منه بحول الله الأجر والمثوبة، ولنكون صورة شاملة عن هذا الواجب علينا أن نستوعب أن هؤلاء الحجاج والمعتمرين قدموا من شرق العالم وغربه شماله وجنوبه، وهم حاملون صورا نمطية جافة عن المملكة والشعب السعودي، هم أحبوا الحرمين الشريفين وبعضهم كره أهلها، ولن نملك فرصة لتعديل تلك الصور النمطية مثل تواجدهم بيننا هذه الأيام المعدودة. فخدمتهم وعدم استغلالهم ومعاملتهم من منطلق إسلامي إنساني سيحقق الغرض. ومن منا لم يتوقف أمام صورة ذاك الكشاف السعودي الذي حمل في موسم الحج الماضي (حاجة جزائرية ثمانينية لمسافة كيلومترين للوصول إلى أقرب مركز إرشاد، حيث يمكن الاستفادة من الخرائط الإلكترونية والحصول على عربة) بعد أن عجزت عن الحراك لكبر سنها.. ولو كان الأمر بيدي لقدمت له جائزة فردية للتميز في موسم الحج الماضي، ولرصدت جائزة التميز تقدم للجهات الرسمية وأخرى للجهات الخدمية الخاصة المتخصصة في تقديم خدماتها للحجاج، "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"، ولنظمت لهذا الشأن احتفالاً مهيباً ليكون هؤلاء مثلاً يحتذى


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط