اطبع هذه الصفحة


الأخطاء فردية.. فلتكن المحاسبة فردية

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


إن اعتمدنا هدم كل مؤسسة وقع أحد أعضائها في مخالفة قانونية، أقفلنا كافة مؤسسات الدولة، وبالتالي فمحاكمة المتهم كحالة فردية وإنزال العقوبة عليه في حال ثبتت التهم عليه قضائيا، أمر مطلوب. أما ما نراه ونسمع من مطالبات بإلغاء الهيئة فهذا أمر غير معقول


لنكن لائقين بدين نظم عبادتنا وتعاملنا مع الإنسان والحيوان والنبات بل حتى الجماد، دين لم يكتفِ بذلك بل نظم علاقتنا مع أنفسنا، علينا أن نتوقف ملياً عند كلمة عبوديتنا لله، التي تلزمنا بالطاعة الكاملة للمولى سبحانه، وتوقعنا تحت دائرة المحاسبة والعقوبة لو أخرجنا من دائرة المباح لغيره.. دين ألزمنا بطاعة ولي الأمر، ومن يكلفهم بإدارة الدولة على اختلاف مؤسساتها.
وما حدث خلال الأيام الماضية من مطاردة لرجال عاملين في الهيئة انتهت بوفاة شابين من شبابنا -رحمهما الله وألهمنا وأهلهم الصبر والسلوان- أمر لا يمكن لعاقل تبريره، خاصة إن كان بسبب مخالفة موظفين للأنظمة، المخالفة التي لم تلامس أصحابها فقط.. بل طالت مع الأسف الجهاز بأكمله، فقد تم إعلان الهيئة مرارا أن مطاردة المشبوهين أو المخالفين ليست من سلطة موظفيها، وبالتالي كان لزاما على العاملين من خلالها الالتزام بالأنظمة المعلنة للعامة قبل الخاصة، وكان بإمكانهم إبلاغ الجهات الأمنية لتقوم هي بدروها في هذا المجال، وأنا هنا لا ألقي التهم ولا أبرئ أحدا بل سأضع حقائق قد تلامس مشاعرنا ولكنها بحول الله ستصب في مصلحتنا جميعا.
فبسبب مخالفة عدد من أفراد الهيئة النظام فقدنا شابين من شبابنا، ووضعنا جهازا وطنيا هاما في قفص الاتهام، وسمعنا من يقلل من شأنه ويحجم من أهمية خدماته، سمعنا من يطالب بدمجه مع الشرطة، ومن يطالب بطي صفحته دون رجعة.
وسأطرح هاهنا بعض ما لمسته عن قرب من طالبات جامعة الدمام، وهن شابات واعدات متميزات.. فقد قلن بالمجمل إن الأخطاء واردة من الجميع، فوجود هذه الحالات من أفراد القطاع العام والخاص على اختلاف مؤسساتهما التعليمية والصحية وكافة القطاعات الخدمية -وسواء أعلنا عن وجودها أم لم نعلن- أمر طبيعي في بلادنا وفي شتى دول العالم.
وأضفن بارك الله بهن .. عندما نواجه بمثل هذه التجاوزات والأخطاء علينا كمجتمع أن نحمل ونحاسب مرتكبيها لا مؤسسات الدولة ككيانات وطنية فاعلة، فإن اعتمدنا هدم كل مؤسسة وقع أحد أعضائها في مخالفة قانونية، أقفلنا كافة مؤسسات الدولة، وبالتالي فمحاكمة المتهم كحالة فردية وإنزال العقوبة عليه في حال ثبتت التهم عليه قضائيا، أمر مطلوب بل واجب.. أما ما نراه ونسمع من مطالبات بإلغاء الهيئة، فهذا أمر غير معقول.
لقد كانت آراء كافة الطالبات تتمحور حول ما تم طرحه أمامكم، ولم أسمع مطلقا من إحداهن تبرير ما وقع، أو المطالبة بإلغاء الهيئة، لقد كن على علم أن رجال الهيئة خالفوا النظام الذي يمنعهم من المطاردات، التي هي في الأصل من واجبات الجهات الأمنية، لذا حملن من قام بذلك نتيجة الحادث، وطالبن بإجراء محاكمة عادلة تنصفهم وتنصف المجتمع الذي خسر شابين في مقتبل العمر، وفي الوقت نفسه رفضن توجيه تهم مباشرة للهيئة ككيان قائم بذاته: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
إن معالجتنا لأي قضية لا بد أن تكون قائمة على الموضوعية سواء كنا مدافعين أو مهاجمين، وعند الدفاع عن الهيئة لا يعني ذلك غض الطرف عن مسؤولية أفراد خالفوا النظام، لكن القبول برأي القائل ببتر الجهاز من جذوره فرأي لا يدل على الحكمة لا من بعيد ولا من قريب.. ثم ألا نرى أن بلادنا المملكة العربية السعودية لا تعامل أسر المخالفين للأنظمة بجريرة أولادهم، بل تقدم لهم العون والرعاية، فكيف نأتي هنا لنطالب بدفع مؤسسة تسعى للإصلاح والستر بجريرة أفراد يعملون فيها.. إن أخطاء الهيئة فردية.. فلتكن المحاسبة فردية.
كما علينا أن نتذكر أن اهتمام الدولة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نابع من النظام الأساسي للحكم في السعودية، فالأمر الملكي رقم 90، الصادر بتاريخ 1412، أشار إلى أن من واجبات الدولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما جاء في المادة (23) من نظام الحكم، ما نصه: (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة)، أما واجبات الهيئة فقد تم إيضاحها في المادة الأولى من لائحتها التي صدرت عام 1407، وكان من أهمها (إرشاد الناس، ونصحهم لاتباع الواجبات الدينية المقررة في الشريعة الإسلامية، وحملهم على أدائها ـ وكذا النهي عن المنكر بما يحول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات شرعاً، واتباع العادات والتقاليد السيئة أو البدع المنكرة).
إن اهتمام البلاد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يكن وليد اللحظة فقد أولى الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جل اهتمامه، تنفيذا لقوله تعالى في محكم كتابه: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) فنجده في عام 1345، أصدر الأمر السامي بتعيين هيئة تقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة، وعين رئيس القضاة الشيخ "عبدالله بن بليهد" -رحمه الله- مرجعا لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما اختار -رحمه الله- أربعة عشر رجلاً من أهل مكة ونجد للقيام بمهام هذه الهيئة.
وعليه فقد تم في عهد مؤسس البلاد الملك عبدالعزيز -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- إنشاء أول هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكلها الرسمي، وهذه الهيئة لازمت البلاد منذ عهد مؤسسها وبقرار منه -رحمه الله، وكانت وما زالت جزءا من نظام الحكم الأساسي للبلاد، ومن هنا كانت المطالبة بتحسين خدماتها وتطويرها دون المساس بوجودها أو التقليص من مهامها المعتمدة.. والله المستعان


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط