اطبع هذه الصفحة


لماذا يرعبهم "الحجر الفلسطيني"؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


يهتز الكيان الصهيوني كلما أمسك طفل فلسطيني مقلاعا وحجرا، لأنهما بالنسبة إليه عقيدة وسلاح أقوى من أي سلاح، فبهما تمكن اليهود من القضاء على جيش مدجج بالسلاح. هذا كيان يخشى أن يعيد التاريخ نفسه.. مع تغيير الأدوار والأحوال.



صباح الجمعة توقفت عند "رأي الوطن" والمعنون (سادية الاحتلال في تعذيب الأطفال) ولم يكن الخبر في مجمله بغريب، فقد عرف هذا الكيان بوحشيته تجاه الإنسان والطفل الفلسطيني، إلا أن اللافت للنظر فيه هو إشارته إلى أن اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل هي من أعلنت واعترضت على هذه الممارسات غير الإنسانية بحق الأطفال والشباب الفلسطيني، أي أن لجنة صهيونية الهوية لم تتمكن من تجاهل هذه الممارسات الوحشية، فقد: (اتهمت فيه الحكومة الإسرائيلية بتعذيب الأطفال الفلسطينيين، بعد أن تبين أن بعض هؤلاء الأطفال قضوا شهورا في أقفاص العراء خلال شهر الشتاء القارس، وأن بعضهم تعرض لتهديدات جنسية، فيما حوكم البعض الآخر أمام محاكم عسكرية حتى دون وجود من يدافع عنهم). ما لفت نظري في هذا التقرير هو بيانه أن معظم التهم الموجهة لهؤلاء الأطفال كانت كـ(إلقاء الحجارة على الجنود أو المستوطنين)، كما أكدت أن: (أن 74% منهم على الأقل يتعرضون للتعذيب والضرب والإهانة أثناء نقلهم إلى مراكز الاعتقال، هذه الممارسات منتشرة على نطاق واسع في جميع مراكز الاعتقال تقريبا، الأمر الذي يعد انتهاكا منظما للقانون الدولي).. كما يتم سجنهم في سجون مخصصة للراشدين، وهذا أيضا مخالف للأعراف الدولية.

إن هذا التعذيب المقنن وغير المقنن، هو كما ذكر التقرير -على الأغلب- كان بسبب إقبال أطفال فلسطين على استخدام الحجارة في مواجهة الترسانة الوحشية للمحتل. فكل هذا التعذيب بسبب حجر قد لا يصل لغايته، فما هي العلة وراء هذا الغضب الجارف لهؤلاء.. هذا ما أريد التوقف عنده ها هنا.

إن استخدام الطفل الفلسطيني للحجر هو ما يخيفهم، لا لقوته بطبيعة الحال، بل لما يحمله لهم من رمز مقدس لا يجوز من وجهة نظرهم أن يكون بيد أعدائهم، والويل الويل لهم لو أمسك الطفل الفلسطيني بالحجر، فقد كان سببا في انتصارهم، فقد قتل الغلام اليهودي -داود عليه السلام- العملاق الفلسطيني "جليات" -جالوت- به محققا النصر لقومه.

نحن كمسلمين نؤمن بقتل داود عليه السلام لجالوت قال تعالى: (فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه ما يشاء..). أما الطريق التي اعتمدها داود لقتل جالوت، فقد جاء ذكر أدق تفاصيلها في "العهد القديم".. تفاصيل تخفي -دون شك- بين طياتها سبب هذا الرعب الصهيوني من أطفال الحجارة.

يذكر أن حربا دارت بين الفلسطينيين واليهود، بدأت بتقدم "جليات" الفلسطيني للمبارزة كما كانت عادة الجيوش آنذاك، و"جليات" محارب عملاق الجثة يصل طوله لثلاثة أمتار، ويصفه العهد القديم، فيقول: (إنه كان يمسك بدرع تزن سبعين كيلوغراما، وعلى رأسه خوذة من نحاس وجرموق نحاسي في رجليه، ومرزاق نحاسي بين كتفيه، وسنان رمحه وزنها حوالى ثمانية كيلوغرامات..)، ويكمل النص القصة فيقول: إن "جليات" صرخ في وجه الجيش اليهودي قائلا: (اختاروا لأنفسكم رجلا ولينزل إلي فإن قدر أن يحاربني ويقتلني نصير لكم عبيدا، وإن قدرت أنا عليه وقتلته تصيرون أنتم لنا عبيدا وتخدموننا)، ففزع الجيش اليهودي، ومما زاد من خوفه أن "جليات" ظل يكرر عليهم هذا التحدي أربعين يوما وليلة، مما دفع ملك اليهود آنذاك (شاوول) للإعلان عن أنه سيكافئ من يقتل "جليات" بتزويجه لابنته وتنصيبه ملكا.

وتذكر القصة أنه لم يتقدم من بني إسرائيل للمبارزة سوى غلام من رعاة الغنم، وكان من الطبيعي أن يقابل الملك (شاوول) عرضه بالرفض، إذ كيف لهذا الغلام أن يبارز "جليات" العملاق، كما أن الهزيمة ستحول الشعب اليهودي إلى عبيد، إلا أنه اضطر في النهاية إلى الموافقة أمام إصرار الغلام الذي أكد أنه يملك المهارة الكافية لقتل العملاق، فقد سبق له أن قتل أسدا ودبا هاجما غنم والده، وبخاصة أن أحدا لم يتقدم للمبارزة من الجنود.

واستعدادا للمبارزة طلب منه الملك أن يلبس عدة الحرب، فاعتذر مكتفيا بعصاه وخمسة أحجار ملساء ومقلاع.. وتقدم نحو الفلسطيني الذي ما إن رآه حتى نظر إليه وإلى سلاحه بسخرية واستخفاف، قائلا له: (لعلي أنا كلب لتأتي إلي بهذا السلاح.. تعال إلي فأعطي لحمك لطيور السماء ووحوش البرية) وعلى الفور بادره الغلام برمية حجر من مقلاعه صوبها الى جبهته فأسقطته أرضا، ثم أسرع فتناول سيفه وقطع رأسه.. وعلى الفور لحق الجيش اليهودي بالجيش الفلسطيني الذي لاذ بالفرار وقضى على جموعه المتفرقة، محققا النصر المؤزر، واستعبد الشعب الفلسطيني.

نعم.. يهتز الكيان الصهيوني كلما أمسك طفل فلسطيني مقلاعا وحجرا، فالمقلاع والحجر بالنسبة لهذا الكيان عقيدة وسلاح أقوى من أي سلاح كيميائي أو ذري، فبهما فقط تمكن اليهود من القضاء على جيش الفلسطيني المدجج بالسلاح. هذا كيان يخشى أشد ما يخشى أن يعيد التاريخ نفسه.. مع تغيير الأدوار والأحوال، فالغلام اليهودي يصبح فلسطينيا، والحجر الذي صوب إلى جبهة "جليات" يوجه إلى جبهة الكيان الصهيوني، وما كان سببا لانتصارهم بالأمس البعيد، يصبح اليوم سببا لانتصار خصمهم الأزلي الشعب الفلسطيني.. وبدلا من أن يتحقق النصر لهم يتحقق النصر عليهم، وبدلا من أن يحتل هذا الكيان فلسطين، يُستعبد الشعب اليهودي ويهزم.. لذا فقد هذا الكيان عقله، وصار يمارس الوحشية بأبشع صورها مع أطفال الحجارة.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط