اطبع هذه الصفحة


من باب التغيير ليس إلا....

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
نقلت وكالات الأنباء العالمية الأسبوع المنصرم احتجاجين بريطانيين على الصعيدين العسكري والأكاديمي، امتازا بصلابة ورجاحة عقل صاحبيهما، هذا بطبيعة الحال من وجهة نظري..
أولهما صدر من الدكتور (أندرو ويلكي) الأستاذ في جامعة (أوكسفورد) الذي رفض انضمام طالب يحمل الجنسية الصهيونية لمجموعته، معللا موقفه هذا بالآتي: (لدي مشكلة مع الطريقة التي يتحدث بها الإسرائيليون عن معاناتهم من المحرقة أثناء الحرب العالمية الثانية، وهم في الوقت نفسه يرتكبون انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، لا لشيء..إلا لأنهم يريدون العيش على أرضهم بسلام)! وليختم تعليله هذا بإعلان رفضه التام لوجود مجرم حرب ضمن طلبته، قائلاً: (إنه من غير الوارد أن أقبل شخصاً خدم في الجيش الإسرائيلي )!.
شجاعة أغبطه عليها،شجاعة كانت سبباً في صدور قرار من إدارة جامعة (أوكسفورد) يقضي بإيقافه عن التدريس لمدة شهرين. لقد دافع الأستاذ البريطاني من خلال منبره الأكاديمي عن قضية لا تعنيه بشكل مباشر من قريب أو بعيد، فعلاقته بها لا تعدو أن تكون علاقة إنسانية تنحصر في رفضه للظلم بشتى أشكاله، ولو كانت آتية من حليف مخادع..شجاعة يفتقدها كثيرون منا...!
أما الاحتجاج العسكري لبريطانيا، فاحتجاج لا يقل عن ذاك الاحتجاج في قوته وصلابته، إذ نفذ من على منبر دبلوماسي، في فلسطين المحتلة.. إثر طلب وجه بالإلحاح من قبل الملحق العسكري في السفارة البريطانية في القدس، يتضمن مطالبة حكومة الاحتلال بإجراء تحقيق في الأسباب والمسببات التي نتج عنها إصابة أحد نشطاء السلام البريطانيين (توم هارندل)، ابن اثنين وعشرين عاماً برصاص قوات الاحتلال الصهيوني في غزة! رصاصة أبت إلا أن تصوب إلى رأس الضحية الذي ارتكب في المفهوم الصهيوني جريمة لا تغفر، وبالتالي استحق تلك النهاية عن جدارة، ألم يحاول وبصفاقة إنقاذ طفلة فلسطينية لا حول ولا قوة لها، من رصاص العدو؟!

وكما اعتدنا من تلك الحكومة تم إجراء التحقيق في مكان الخطأ، واعتمد كما يتوقع كل متابع- محايد - لتحركات هذا الكيان الصهيوني على حيثيات فرضية لا قيمة لها من الناحية القضائية، ولينتهي في نهاية المطاف بتبرئة القاتل...! وما إن اطلع الملحق العسكري في السفارة البريطانية على فحوى هذا التحقيق حتى ثار وغضب، واندفع يمزق أوراقه، حدث ذلك أمام ضابط صهيوني رفيع المستوى حضر خصيصا لتقديم الدلائل الصهيونية لتبرئة القاتل.ولم يكتف الملحق العسكري البريطاني بهذا بل صرخ في وجهه قائلاً: (هذا التحقيق صبياني.. وهو خال تماماً من أي إجراء يوحي بالجدية)! ومن ثم غادر الغرفة تاركاً ضيوفه قابعين خلفه!
خيانة وغدر وجريمة مقننة، سياسة لم تكن الأولى من نوعها من كيان امتهن الإرهاب، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة، كيان قنن الجريمة ودافع عنها، وقدم لها مبررات لم تعد تنطلي على العالم.

لقد خيل لجنود هذا الكيان المريض أنه بإمكانهم تكرار جرائمهم مع كل وافد لأرض فلسطين المحتلة، حتى ولو كانت نية هذا الوافد تنصب فقط في تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وهكذا تم قتل (توم هارندل) عن عمد وترصد، أما ذنبه الذي دفعهم للقضاء عليه فهو كما ذكرنا سابقاً كان بسبب محاولته اليائسة إنقاذ طفلة فلسطينية من رصاص جنود الاحتلال، رصاص أصابه في رأسه وأدى لإتلاف جزء كبير من دماغه، وبالتالي لموته سريريا.. تحرك بريطاني على الصعيد الشعبي والحكومي باتجاه محاكمة ومن ثم محاسبة المتسبب في هذه الجريمة التي ليست الفريدة من نوعها، وقتل الصحفي البريطاني (جيمس ميلر) برصاصة صهيونية ليس عنا ببعيد.

ولكن الموقف الرسمي لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية من جرائم مماثلة يدعو للتساؤل والاستنكار، خاصة أنها الدولة الوحيدة التي تلزم شعبها بتقديم ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار سنويا لهذا الكيان الصهيوني الغاصب، فعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر هنا ما حدث مؤخراً من رفض وزارة داخلية هذا الكيان السماح لوفد أمريكي يضم ممثلين لأعضاء الكونجرس ومن جمعيات إنسانية الدخول لأراضي الضفة الغربية، مع يقينها أن أهداف هذه الزيارة سلمية، لا تخرج عن محاولة أفرادها فهم وجهات نظر الطرفين المتنازعين ومن ثم محاولة التقريب بينها...القصة إلى هنا لم تنته، لقد بقي الوفد صامداً عند حدود فلسطين المحتلة لثلاثة أيام، الفترة التي استغرقتها المداولات الرسمية بين الطرفين، لإقناع الصهاينة بالتنازل والتلطف والسماح للوفد الأمريكي بالدخول، ولكن ذلك القبول لم يتم إلا بشرط ينص على إبقاء ممثلي الجمعيات الإنسانية الأمريكية خارج الحدود، وكيف لا يستثنون من هذا التنازل، وهم بأفكارهم الإنسانية المسمومة طرحوا فكرة وأهداف هذه الزيارة، وسعوا لإقناع أعضاء الكونجرس الأمريكي بجدواها.. وتسببوا في هذا الإزعاج!

وبعد هذه المواقف كيف لنا ألا نشك في أن هؤلاء كانوا وراء تفجير سيارة الوفد الأمريكي الرسمي الأيام الماضية، بمجرد دخولها قطاع غزة! وكيف لنا ألا نشك في أن الأيدي التي حركت - عن بعد - عقارب تلك العبوة الناسفة كانت صهيونية، وكيف لنا ألا نشك والمستفيد من هذا التفجير على الصعيدين الرسمي والقومي هو الكيان الصهيوني، ألم يحدث هذا التفجير بمجرد دخول الوفد قطاع غزة، ألم يكن هدف هذا الوفد تقديم عدد من المنح الدراسية الأمريكية لطلبة فلسطينيين؟ ويا ليت رئيس الولايات المتحدة (بوش) الذي بادر بتوجيه التهم للحكومة الفلسطينية.. يتدبر موقف هذين البريطانيين.. ويا ليته يحذو حذوهما.. من باب التغيير ليس إلا..

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط