اطبع هذه الصفحة


إياك أعني!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
أفهم أن يقتل الصهيوني غدراً، أفهم أن يخون، أن يجد في ذلك كله سعادته وغايته... لكن الذي لا أفهمه كيف يتأتى لمسلم آمن بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أن يفعل هذا الفعل... ثم يعتقد أنه بذلك قد أطاع الله... وأصبح مع زمرة الشهداء...

لنفترض أنك مسلم آمنت بالله رباً وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً، وبالقرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام منهاجاً... ثم لنفترض أن لك عقلا يتدبر... لنفترض ذلك كله لأني بحاجة لإجابة واضحة، شرط أن تكون مؤيدة بنصوص شرعية من الكتاب والسنة، نصوص توجب ـ أو حتى تبيح لنا ـ قتل الأطفال الآمنين... تبيح لنا تيتيمهم، قتل النساء والشيوخ وترويعهم، وتعد ذلك كله استشهاداً...! نصوص تحل لنا هدم البيوت غدراً على رؤوس أهلها وهم لا يشعرون، وعندما أقول غدراً فأنا أعني ما أقول، فأولئك لم يكونوا حاملين السلاح، ولم يكن ليخطر ببالهم أنهم وفي تلك الليلة الرمضانية سيهاجمون غدراً...!! وثق أني كغيري في حيرة من أمرك!، فقد بحثنا ووجهنا أنظارنا لأهل الثقة من علماء أفاضل داخل البلاد وخارجها، علماء نثق بعلمهم وطول باعهم في العلم والإفتاء ، فكان إجماعهم ودون استثناء على عظم الجرم الذي قمت به... وأنا هنا أتساءل كيف لك أن تفارق الجماعة، وهل المنظرون لفكركم أعلم وأتقى من علماء أجمعت الأمة عليهم؟

لقد ساندتم وأعنتم بأفعالكم هذه الكارهين لدين الله، أمددتموهم بالأدوات التي تمكنهم من التحرك بحرية، كما حرمتم مئات الأسر في فلسطين وغيرها من البلاد الإسلامية من إيصال معونات كانت تصلهم وبشكل دوري، لا، لم يحمل فعلكم هذا إساءة للشعب السعودي بل لما يمثله هذا الشعب في العالمين الإسلامي والعالمي، لقد سعيتم لهدم صورة أراد الله سبحانه لها أن تكون مشرقة على العالمين، فعلتم ذلك وأنتم معتقدون أنكم ستدخلون في زمرة الشهداء، أمر مؤسف أن يضيع المرء حياته وآخرته في أمر عاقبته هوان الدنيا والآخرة...!!

لا، لم أحزن- فقط - على ضحايا (الرياض) من مسلمين وغيرهم، بل حزنت على شبيبة كنا نعقد عليهم آمالا عظاما، شبيبة ضلت عن طريق الصواب، لتتوه في متاهات الجهل والضلال... شبيبة الله وحده أعلم بحالها الآن... حزنت على دين الله الذي شوه بأيدي أبنائه، وأسعد ذلك أعداءه!! لقد تطاولتم على دين الله وحكمه، وخرجتم على أولياء الأمر فينا حكاما وعلماء، ممن وجب علينا كمسلمين طاعتهم - ولو مكرهين- في غير معصية الخالق، وثبتم بخروجكم هذا وترويعكم لعباد الله التهمة التي يحاول أعداؤنا تثبيتها في عقول العامة في شرق هذه الأرض وغربها، تهمة ظالمة مهدتم لها بأيديكم، وسعيتم لتثبيت أركانها، واعتقدتم أنكم بذلك الفائزون، لقد أسأتم لهذا الدين وشوهتم شريعته السمحة... ونسيتم أن الأمر كله لله، وأنه ليس لنا من الأمر شيء، نسيتم أو تجاهلتم أن الفتوى لا تجوز في ديننا إلا لأهل الفتوى، نسيتم أنكم عباد خلقتم لعبادة الله وتنفيذ شريعته...

لا أعتقد أنه بإمكاني إنهاء حديثي إليك أو إليكم دون أن أذكركم بنصوص شرعية تحرم ما اقترفتموه، لعلكم بفضل الله ترجعون عن غيكم، وتدركون فداحة ما جنته أيديكم، ألم يتوعد الله تعالى في محكم كتابه، قاتل النفس المؤمنة بتخليده في نار جهنم ، وبغضب يحل عليه منه سبحانه، وبطرد من رحمته التي وسعت كل شيء ،ألم يقل في سورة النساء: (ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)؟ آية /93.

ثم ما موقفكم من قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) الممتحنة /8-9، فهل كانت تلك الأسر بأطفالها ونسائها وشيوخها بل برجالها... ممن قاتلونا في الدين وظاهروا على إخراجنا من ديارنا، أم كانت أسراً غادرت أوطانها لتعيش بيننا آمنة مستأمنة لغاية محددة، ولفترة من الزمان تعود بعدها لأوطانها! ألم تقفوا عند قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) التوبة /6، فإن كان القرآن الكريم يأمرنا كمسلمين ألا نرد أحداً من المشركين جاءنا مستجيراً، وألا نستغل حاجته فنشترط عليه تغيير دينه، وأن نكتفي فقط بدعوته للإسلام، ثم نعمد بعد ذلك لإبلاغه مأمنه، فكيف تبيحون دماء من جاءنا معاهدا مستأمنا بغية القيام بعمل محدد يغادرنا بعده؟!

ثم ما هو تفسيركم للنصوص الشرعية الصريحة التي حرمت قتل أطفال أهل الكتاب ونسائهم وشيوخهم، فعلى سبيل المثال أذكر هنا ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (إن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان) متفق عليه، وقد بين النووي في شرحه لهذا الحديث إجماع العلماء على العمل به، وتحريم قتل النساء والأطفال إذا لم يقاتلوا، لقد ورد في السنة النبوية كثير من النصوص الشرعية متواترة تحرم قتل من لا شأن له بقتال المسلمين حتى ولو كان من رجال أشداء أو شيوخ أصحاء... هذا حالنا معهم وهم في دار الحرب فيكف بالله عليك وهم يقيمون في دار الإسلام آمنين مستأمنين ومعاهدين...

ثم كيف استبحتم قتل المعاهد وأنتم تقرؤون قوله عليه الصلاة والسلام: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد على مسيرة أربعين عاماً) أخرجه البخاري... إن ما تقومون به لا يخرج عن نطاق قتل النفس التي حرم الله، قتلكم لأنفسكم وقتلكم لغيركم...

وأخيراً أفهم أن يقتل الصهيوني غدراً، أفهم أن يخون، أن يجد في ذلك كله سعادته وغايته... لكن الذي لا أفهمه كيف يتأتى لمسلم آمن بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أن يفعل هذا الفعل... ثم يعتقد أنه بذلك قد أطاع الله... وأصبح مع زمرة الشهداء...

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط