اطبع هذه الصفحة


"احتسبي أبناءك طيورا في الجنة"

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


الأب الذي أقحم ولديه في الإرهاب لا تنفع معه المصالحة، فهو إما فاقد العقل فيستلزم الحجر عليه، أو مجرم، إذ لم يكتف بالخروج مخالفا ولي الأمر، بل تعمد، مع سبق الإصرار والترصد، قذف أولاده غير المكلفين شرعا في أيدي "داعش" العصابة المجرمة !



تأخرت في الكتابة إليكم؛ لعلي أسمع ما يسركم. بقيت طويلا أبحث عن أي دلائل تتعلق بمكان وحالة الطفلين "عبدالله وأحمد" 11 و10 أعوام، ابنَي "ناصر الشايق" الذي خطفهما، وأرسل إلى طليقته رسالة جاء فيها: "احتسبي أبناءك طيورا في الجنة"! هكذا وبكل بساطة كذب، وخطف، ثم عمد إلى رمي طفليه في أحضان مجرمي "داعش" أو غيرهم ممن امتهنوا القتل بأبشع صور !

من شاهد الصور التي تعمد هذا الأب ومن معه نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يدرك قسوة هذا الأب ورعونته، ومدى جهله. كما يدرك أن الطفلين لا يعيا ما يدور حولهما، فهما طفلان رفع الله سبحانه عنهما القلم، دون سن التكليف، طفلان وضعا بيد رجال نزعت من قلوبهم الرحمة، رجال سلموا أحدهما "الكلاشينكوف" والآخر قنبلة يدوية، فتعامل كل منهما معها على أنها دمية يحلو اللعب بها.

لا أستبعد أن والدهما تحدث معهما طوال الأيام الماضية على أنهما رجال، وأنهما أبطال، ولا مثيل لهما، ولا أستبعد أنهما حلما بالفوز في اللعبة التي هم بصدد الانخراط فيها !

نعم، هي لعبة الموت! هذان الطفلان لم يريا من قبل إنسانا ينزف حتى الموت، هما لم يُوجدا ضمن ساحة قتال من قبل، لم يقفا أمام الرؤوس تتطاير، والأجساد تتقطع، فكيف يجرؤ هذا المخلوق دفع طفليه دون سن البلوغ لأراض ملتهبة، كسورية والعراق أو حتى اليمن. أراض نعلم أن الكثير من الآباء فيها يتمنى ضمان أمن أبنائهم وأسرهم.

ما زلت أذكر حالي مع أبنائي في طفولتهم المبكرة، ففي تلك الفترة لم أكن أسمح لهم بالاقتراب من الفرن، أو أدوات المطبخ الحادة، كنت حريصة على عدم تعرضهم للأمراض، كنت حريصة على الجلوس إليهم، والتحدث معهم، ومتابعتهم وهم يلعبون، وهم يدرسون، ومتابعة أحوالهم في المدرسة، كنت حريصة على الوقوف على أخلاق أصدقائهم، والتعرف على أسرهم..إلخ، مما يقوم به الوالدان عادة، لقد كنت حريصة على عودتهم إلى المنزل مبكرا، وكنت أقلق لأي تأخير يمنعهم من ذلك، فكيف هو حال تلك الأم المنكوبة، فإذا كان أمر ولديها أهمنا جميعا، ونحن لم نتحدث معهما، ولم نسمع ضحكاتهما، ولم نلاعبهما، فكيف بأمهما التي أنجبتهما وجعلتهما محور حياتها، كيف بعائلتهما وأبناء عمومتهما وأصدقائهما ومعارفهما؟!

ولكم أن تتخيلوا كم هو هذا الأب متبلد من الداخل، فهو لم يضرب ابنيه، ولم يتعامل معهما بقسوة، ولم يحرمهما من التعليم، هو لم يمنعهما من أمهما وهم في سن أحوج ما يكونان إليها، ولم يمنعهما من أقربائهما ومن وطنهما ومن أصدقائهما ومن مدرستهما، لا معاذ الله أن يفعل، فليس ذلك كله من شيمه!

إن هذا الأب المجرم بامتياز ـ الذي ومن وجهة نظري يستحق الرجم حتى الموت، وأعتقد أن قطع الرأس قليل على أمثاله ـ هذا المخلوق الذي لم يعرف معنى الأبوة، ولم يفقه معانيها خطف طفليه، وادعى أنه سيسافر معهما إلى إحدى دول الخليج، وأخبر طليقته بذلك، ويخيل لي أنها هي التي أحضرت حقيبتهما، وألبستهما ثيابهما، وقبل انصرافهما احتضنتهما وقبّلتهما، ولم يكن يخطر على بالها آنذاك أن طليقها سيفطر قلبها، ليس بخطفهما فقط، بل بقذفهما في حضن "داعش" وأمثالها، وبالتالي فموتهما بأبشع صور وارد تماما، ووارد أيضا يكملان حياتهما بإعاقة تمنعهما من الحراك، حفظهما الله وردهما إلينا سالمين معافين.

لقد كانت الأم دون شك تمني نفسها أنهما سيكونان سعيدين برفقة والدهما، وأنه سيحرص على إرجاعهما خلال أيام فالمدارس على الأبواب.

أمثال هذا الأب لا تنفع معه المصالحة، فهو إما فاقد العقل فيستلزم الحجر عليه، أو مجرم وفي هذه الحال لن يكفينا فيه إلا الرجم، فهو لم يكتف بالخروج بمخالفة ولي الأمر وعدم الطاعة، بل تعمد، مع سبق الإصرار والترصد، قذفَ أولاده غير المكلفين شرعا في أيدي "داعش" العصابة المجرمة! أطفاله دون سن البلوغ، بمعنى أن الجهاد ولو كان فرض عين لا يشملهما، ومن ناحية أخرى هو لم يخطط لإبقائهما على قيد الحياة، ولا أستبعد أنه خطط ليلغم جسديهما الغضين، ليجعل منهما انتحاريين، ألم يقل: إنهما سيصبحان "طيور الجنة"، وهذه إشارة منه إلى أنه ينوي تعريضهما للقتل، وهم بعد في سن الطفولة.

ولكن أود التوقف عند الصور التي قيل إنها في سورية أو العراق، فمن يقف في منتصف الصور يرتدي ثياب أهل اليمن، وهذا ما أشارت اليه "الوطن" التي بين يديك، و"داعش" في سورية والعراق عرف بلباس يختلف عن اللباس اليمني، وقد يكون هذا المجرم الذي أراد توجيه الأنظار إلى الشمال باتجاه تركيا وسورية ومن ثم العراق حتى يتمكن من الوصول إلى اليمن، ومن هنا أتمنى توجيه الأنظار عند البحث عنهما إلى اليمن أيضا.

وأخيرا.. آمل أن يبارك الله سبحانه الرحمن الرحيم في التحركات الرسمية الرفيعة المستوى التي تجريها الجهات المختصة في الحكومة مع الجهات المعنية، فنتمكن من رؤية ابنينا عبدالله وأحمد بيننا عاجلا غير آجل، آمل ألا ننسى الدعاء لتلك الأم التي فقدت طفليها وللجدة التي انفطر قلبها ليس على ابنها العاق فقط، بل على حفيديها، اللذين كانا يعيشان معها. داعين الله الكريم المنان أن يعيننا فنتمكن من ردهم إلينا، وهما بخير وعافية من الناحيتين الجسدية والنفسية، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط