اطبع هذه الصفحة


لست بالخب ولا الخب يخدعني

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


ليت العلماء الذين لهم دور فاعل في قنوات التواصل الاجتماعي يعملون بشكل جاد ومكثف على تحصين أبنائنا فكريا من خلال توضيح وسطية ديننا الحنيف، وإفهامهم أن الاختلاف في الرأي ليس جريمة، ما دمنا لم نخرج عن الأطر الدينية والدعائم الوطنية.


المملكة العربية السعودية لا تتكفل فقط بمواطنيها وبأمنهم، وليس لها بحال أن تفعل، فقد وجدت نفسها في مكانة لم تسع إليها، فهي محط أنظار المسلمين وبطبيعة الحال العرب، بل إن العالم الغربي والشرقي يتعامل معها من هذا المنطلق، وبالتالي فهي تحمل على عاتقها أمنها، وأمن الحجاج وزوار بيت الله الحرام كما تسعى لأمن دول العالم، وتعد الإرهاب أين كان موقعه، عدوها الأول، خاصة لو اتخذ - زورا وبهتانا - من الإسلام شعارا.
والغريب أن الكل يعتقد أن الحل بيد المملكة، وأنها قادرة بمكانتها في العالم وبإمكاناتها المادية حل المعضلات التي تعجز الدول عن حلها، الكل يتوقع منها الكثير، وفي جانب آخر هناك دول تسعى لسحب البساط من تحت أقدامنا، فالزعامة هدفها الأول والأخير، سواء كانت زعامة دينية أو سياسية، والمؤلم أن الكثير من الدول التي تقدم المملكة لها الدعم بسخاء قد تنقلب وتتنكر، ما أن تجد موردا آخر يضمن لها المزيد، ولا يمكن لأحد أن يوجه اللوم لي فما يمر بنا ومن جميع المسارات يدعو للحذر.

كشعب لم نعد نعجب مما نراه من محاولات مستميتة لزعزعة الأمن في بلادنا، ومن محاولات تجييش شبابنا ضدنا، فأعداؤنا مع الأسف، أصبحوا في الداخل كما هم في الخارج، وأنا في الواقع لا أفهم كيف استطاعت تلك الدول وتلك الجماعات الباغية تحريض بعض أبنائنا علينا، ولا أفهم عداوة الخوارج سنة وشيعة، الذين ملأ قلوبهم الحقد والغل، بحيث يتباهون بقتل الناس كافة، المسلمين والمستأمنين وأهل الذمة.. إلخ، ويعدون ذلك من القربات.

نعم، إحسان الظن بالمسلم واجب، ولكن ما مررنا به وما نمر به علمني أن الحذر واجب، فكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لست بالخب ولا الخب يخدعني"، علينا كمجتمع أن نكون جنودا حماة لبلادنا، كل منا في مكانه، فمن الواجب علينا أن نوعي الشباب بالمخاطر الفكرية والحركية التي قد نواجهها بين ليلة وضحاها، علينا أن نتحدث معهم ونسمع منهم ونشجعهم حتى لا يجد غيرنا طريقا لهم فيشدهم باتجاهه، فنخسر شبابا واعدا، هم في الواقع نواة مستقبلنا، بعد الله.

كنت وما زلت أطالب بتطبيق القصاص على مستحقيه، فترك عضو مسرطن استفحل شره وعجز الأطباء عن علاجه يؤدي إلى هلاكنا لا محال، ومن رفع السلاح علينا، ومن حرض على ذلك وأصر واستكبر لا مجال لتركه يعيث في الأرض فسادا، الأمر بكل بساطة لا يتعدى مطالبتي بدفع الأذى عنا، ودفع الأذى عمن دخل البلاد معتمرا أو حاجا أو مستأمنا، فمن حق أبنائنا أن يعيشوا في أمان كما عشنا، من حقهم أن يمارسوا حياتهم وهم آمنون مطمئنون، ومن حق من دخل بلادنا آمنا أن يعود إلى أهله بخير وعافية.

غدا قد نستيقظ فنرى - معاذ الله- أننا أقحمنا في حرب خططت لها هذه الدولة أو تلك، أو صراع دموي بفعل هذه الجماعة الباغية أو تلك، ومن هنا علينا أن نكون مستعدين تماما ولكافة الاحتمالات كاستعداد جيشنا وحرسنا الوطني ورجال أمننا، فالحفاظ على أمننا واجب على كل منا، ولا أعتقد أننا في حالة تسمح بخلافات حول كرة القدم، أو خطأ عارض صدر من أفراد يعملون في جهاز حكومي معتبر كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خطأ يتحمله صاحبه بطبيعة الحال، لا أعتقد أننا في مجال للمبارزة والمشاحنة والسباب.

لا أخفيكم سرا أنني لم أعد أمر على تويتر كما كنت في بداياتي، والسبب أنني أشعر وأنا أتصفحه بأنني في ساحة صراع فكري، ولأن دخول تويتر يصيبني بالإجهاد والأرق، قررت ألا أدمن على دخول ساحته، وأن يكون مروري عليه مرور الكرام، ومع ذلك أجد نفسي بين وقت وآخر أتوجه لمتابعة تغريداته، أفعل ذلك وأنا على يقين بأنني في نهاية المطاف سأتناول مسكنا للصداع.

وليت العلماء الذين لهم دور فاعل في قنوات التواصل الاجتماعي تويتر وغيره، يعملون بشكل جاد ومكثف على تحصين أبنائنا فكريا من خلال توضيح وسطية ديننا الحنيف، وإفهامهم أن الاختلاف في الرأي ليس جريمة، ما دمنا لم نخرج عن الأطر الدينية والدعائم الوطنية، ما دمنا لم نحول الحوار إلى جدال عقيم، ما دمنا ملتزمين باحترام أنفسنا من خلال احترامنا للآخر، ليتهم يبينون لهم أن المطالبة بالحق أمر إيجابي، ولكن لا يعني ذلك التطاول على الناس، ومن جانب آخر على القائمين على الأمر ألا يترفعوا على من جاءهم يطالب بحقه أو بما اعتقد أنه حقه، فإذا عرف كل منا حدوده والتزم بها ولم يتجاوزها حققنا السلام النفسي أو جزءا منه على الأقل.

هناك قضية أساسية أود الإشارة إليها ها هنا، الضعيف قد يصرخ من ألمه وقد يخطئ، وهو بحاجة إلى رعاية واهتمام، والاستهانة به وبأمثاله قد يعرضنا إلى مخاطر جمة، فمن السهل استقطاب أمثاله من قبل جماعات تدعي تفهم أحواله واحتياجاته، فيجد عندها من التقدير والاحترام ما لم يجده عند غيرها، فيلتصق بها التصاق الرضيع بأمه، ولا يقبل عليها ولا يقبل إلا منها، والله المستعان.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط