اطبع هذه الصفحة


لحمة وطن

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


اختار القتلة محافظة عرفت بأنها على اختلاف أهلها ـ سنة وشيعة ـ عصية على الفكر التكفيري والإرهابي، بعيدة أشد البعد عن هذا وتلك.. لقد اختاروها على بينة فقد أرادوا إصابة الوطن بأكمله في مقتل.


خلال الأيام الماضية، تفاجأ المواطن السعودي بالدماء التي سالت ساعة غدر، في منطقة تعد من المناطق التي حصنها الله تعالى، ومكن أهلها من ذلك، فلم تعرف محافظة الأحساء صراعات دموية.

ما حدث في تلك الليلة، لم يكن ليمر دون حراك فوري من رجال الأمن، ونحمد الله أنه خلال ساعات تم القبض على ستة مشتبه بضلوعهم في هذه الجريمة.. حراك اعتدناه من وزارة الداخلية ورجالها بحمد الله سبحانه.

وهذا يدفعني للقول: إن رجال الأمن السعودي يستحقون منا أكثر بكثير مما نقدم لهم.. ولا أعني هنا فقط التقدير المعنوي والمادي، بل التدريب والتسليح أيضا، فهؤلاء يودعون أسرهم في ساعة من نهار أو ليلة لتعود جثث بعضهم محمولة إلى عالم البرزخ، جعلها الله في روضة من رياض الجنة.. أما المواطنون والمقيمون الذين يغادرون بيوتهم وهم عازمون على الرجوع إليه بعد سويعات، فتصيبهم رصاصات غادرة ترديهم قتلى.. فأمر جلل.

إن الجريمة التي حدثت ليلة الثلاثاء الماضي، وانتفض الوطن لأجلها بكامل فصائله، ولم ينم أهل الأحساء بسببها، لم تروعهم بالقدر الذي أثار استنكارهم وتجهمهم.. فلم يعهد من أهل الأحساء المسالمين الجنوح إلى العنف، حتى نقاشهم في الأمور التي تثير عادة جدلا عقيما، تراهم يتعاملون معها بالكثير من الحكمة والتروى.

في اليوم التالي للجريمة، غادرت للعمل.. كنت أعلم أن المجال في الجامعة لا يسمح لمناقشة ما حدث مع الطالبات، خاصة أن تحقيقات وزارة الداخلية لم تنته بعد، ولم يقدم الجناة للقصاص، بالإضافة إلى أن المنهج المقرر لا يسمح بذلك.. لكني كنت أتابع نظرات طالباتي الحاملة للكثير من الألم والاستنكار، كنت مدركة أن الأمر يتعلق بما أصاب الوطن في جنح الظلام.. وكنت أحاول إخفاء مشاعري، كما أحاول التعامل مع مشاعر غيري بحيث لا أثير المزيد من الألم.. ولكن الأمر لم يكن كذلك مع زميلات أقبلن علينا من محافظة الأحساء.. فكلماتهن القليلة كانت كافية لإظهار مدى عمق الجرح الذي أصابهن.. بسبب أيد آثمة أقل ما يقال عن أصحابها: إنهم وحوش يستحقون إقامة حد الحرابة عن جدارة.. فقد حملوا السلاح وسفكوا الدماء البريئة وروعوا الناس، وخالفوا تعاليم الدين والنظام والقانون.
ولذا لم يكن تطبيق حد الحرابة على هؤلاء حماية لهيبة البلاد والعباد فقط، بل حكم شرعي تطبيقه واجب.. وكل ما عجلنا في تنفذه كان لمصلحتنا كوطن ومواطنين، وكل ما أتمناه ألا تبخل علينا وزارة الداخلية بما يستجد في شأن التحقيقات التي تجرى مع المشتبه بهم، والإعلان عن الجهات القابعة خلف منفذي الجريمة وأهدافهم وخططهم.. إذ لا أستعبد مطلقا أن جهات خارجية كانت ممولة ومخططة ومدربة لفئة لا مكان لها بيننا.

لقد اختار هؤلاء محافظة عرفت بأنها على اختلاف أهلها، سنة وشيعة، عصية على الفكر التكفيري والإرهابي، بعيدة أشد البعد عن هذا وتلك.. لقد اختاروها على بينة فقد أرادوا إصابة الوطن بأكمله في مقتل.. ولو كان الأمر بيدي لدفنت هذه الفئة الباغية الغادرة في الصحراء.. ولغيبت جثثهم عن الخلق، فلا يمكن أن تكون قبورهم بجوار موتانا، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.

لقد قال لي أحدهم: نحن نعيش في نعمة، ومع الأسف لا يقدرها الكثير من الناس.. فالأمن الذي نعيشه من أهم نعم الله الكريم علينا، نحن نزاول حياتنا اليومية مطمئنين على ديننا وأعراضنا وحياتنا وأموالنا.. وهو أمر لا تملكه الكثير من الدول هذه الأيام، حتى المتقدمة منها.. لقد اعتاد المواطن والمقيم ـ على حد سواء ـ العيش في ظل هذه النعمة.. إلى حد افتقدوا استشعار عظمتها.. ونعم الله الوهاب تدوم بالشكر: (لئن شكرتم لأزيدنكم).

ومن هنا، أتمنى على كل مواطن تخصيص جزء من دعائه اليومي لحفظ أمن هذا الوطن الذي سخرت كافة مقدراته في سبيل خدمة الحرمين الشريفين وزواره من حجاج ومعتمرين.

أحمد الله سبحانه، أن كبار علمائنا والمعتبرين بيننا، هبوا إنكارا وشجبا وتجريما لهذه الجريمة، بحيث لم يتركوا المجال للمبغضين للمزايدة على دماء أبنائنا التي سفكت ظلما وعدوانا.. أحمد الله على أننا جميعا ـ حتى البسطاء منا ـ لم يملكوا إلا إظهار رفضهم التام لتلك الجراثيم التي أرادت الفتك بلحمتنا الوطنية التي استعصت وستستعصي على أعدائنا، بإذنه سبحانه تعالى.

وفي الختام، أقدم العزاء لأهل الأحساء بصفة عامة، وللأسر المنكوبة بصفة خاصة، ولوزارة الداخلية والعاملين فيها، وللوطن كافة، داعية الله سبحانه، أن يتقبلهم بعظيم رحمته ويلهم أسرهم الصبر والسلوان.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط