اطبع هذه الصفحة


أنصاف الرجال

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


لا بد من عقد دورات مكثفة لتدريب المعلمين في المراحل النظامية والجامعية على كيفية الوقوف على الملامح التي يمكن أن تحول أبناءنا إلى إرهابيين، ومن الأهمية منح أبنائنا وبناتنا الثقة لينطقوا بما يؤمنون به دون خوف، لعلنا إذا ما لامسنا مواطن الوباء نستطيع حمايتهم من الأفكار الإرهابية.



لا شك أننا مستهدفون في ديننا ووطننا ومقدراتنا، والواجب يحتم علينا أن نبذل قصار جهدنا للدفاع عن ذلك كله، وبكل ما أوتينا من وسائل
لقد أعادت شبكات التواصل الاجتماعي مؤخرا تناقل ما اعتبرناه بمثابة وصية لصاحب السمو الملكي الأمير نايف -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته، الأمير الذي جند فارسا من أبنائه لعقود، وها هو اليوم يقف في مقدمة الصفوف مدافعا هو وجنوده عن بلادنا حكومة وشعبا، حفظه الله وجنودنا البواسل على اختلاف تصنيفاتهم الأمنية أو العسكرية.

أجد أنه من المناسب جدا أن أطرح اليوم ما جاء على لسانه -رحمه الله- في هذا الشأن "نحن مستهدفون في عقيدتنا، نحن مستهدفون في وطننا، أقولها بكل وضوح وصراحة في علمائنا الأجلاء، وطلبة علمنا، ودعاتنا، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وخطباء مساجدنا.. دافعوا عن دينكم قبل كل شيء، دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن أبنائكم، ودافعوا عن الأجيال القادمة، يجب أن نرى عملا إيجابيا، ونستعمل كل وسائل العصر الحديثة لخدمة الإسلام، ونقول الحق ولا تأخذنا في الحق لومة لائم. لنستعمل القنوات التلفزيونية، ونستعمل الإنترنت.. وأنتم كل مرة تقرؤون ما فيه، وتعلمون ما فيه...أرجو من الله - عز وجل - لكم السداد والتوفيق". أولويات سموه -رحمه الله- هي أولويات البلاد حكومة وشعبا، سواء أزاح الله عنا بعظيم فضله وباء الإرهاب أم ابتلينا ببقائه بيننا.

من المؤكد أن من حكمة الحكماء ألا يقبل المرء على محاكاة من هم أعظم منه قدرا وعلما، وألا يبارز من هم أكثر منه عدة وعتادا، ولكن هؤلاء كانوا من الغباء بمكان إلى حد أنهم لم يقدروا الأمور حق قدرها، فقد ظنوا، والظن لا يغني من الحق شيئا، أنه لو قام أحدهم بارتداء ثياب النساء وتوجه ليفجر مسجد العنود في الدمام، قد يحققوا نصرهم المبتور .. بمعنى آخر لم يجدوا النصر متحققا إلا من خلال التخطيط لتفجير المصلين وفي يوم الجمعة أفضل الأيام عند الله سبحانه.

لقد شاهدنا والعالم بحمد الله سبحانه جثة الإرهابي متفحمة، أدعو المولى سبحانه أن يكون مسكنه ومسكن أعوانه السابقين والحاليين في الدرك الأسفل من النار مجاورين لإبليس الرجيم.. فقد ابتغوا الفتنة.. وللفتنة خططوا.

هؤلاء "أنصاف الرجال" كانوا من الجبن بمكان إلى درجة أنهم لم يتمكنوا من تنفيذ جرائمهم إلا والناس في خضم انشغالهم بالعبادة، بل عزموا أمرهم على أن يكون جل ضحاياهم من النساء. هؤلاء لا يستحقون إقامة حد القتل، فحد القتل هو الحد المخفف على هؤلاء، ولا يتناسب جملة وتفصيلا مع جرمهم لعنهم الله، هؤلاء يستحقون وعن جدارة إقامة حد الحرابة عليهم سواء كانوا نساء أو ذكورا.. فإذا كان الله بفضله سبحانه أبطل خطة كانت تستهدف العشرات من المصليات والمصلين، فلا ندري ما ستكون حال خطط مماثلة؟ ولا أعتقد والله أعلم أن تحركاتهم الإرهابية ستتوقف إلا إذا تم تنفيذ عقوبة رادعة لهؤلاء الوحوش والمتمثلة بتطبيق حد الحرابة عليهم وعلى من ساندهم وكان من جنودهم.

أتمنى على وزارة الداخلية اعتماد توزيع كاميرات على معظم الطرق الرئيسة وحتى الفرعية منها، وحول المباني التي قد تكون مستهدفة، وحول المدارس والجامعات والمستشفيات.. إلخ ولعلها تلزم كل جهة رسمية أو خاصة بتركيب كاميرات للمراقبة، على أن تكلف وزارة الداخلية فرقا متخصصة تقوم بالكشف على سلامتها بشكل دوري..

ومن ناحية أخرى أجد أن دراسة الإرهاب لا يمكن أن تحقق الغرض منها لو بقيت نظرية، فدراسة مماثلة لا بد أن تنقسم إلى أقسام، قسم يشرف عليه علماء الدين وآخر علماء النفس والاجتماع وبالتعاون مع فريق أمني متخصص، وعليها أن تجري إحصاءات عن دوافع المتورطين إما من خلال مقابلتهم في السجون أو بالبحث في ما هو متوفر من مشاركاتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة أن الكثير منهم لم يغادر البلاد ولم يملك يوما جوازا للسفر بسبب صغر سنه.. وعلينا أيضا أن نهتم بدراسة البيئة التي أخرجت هؤلاء وأصدقائهم وعلاقاتهم بالمؤسسة التعليمية وكيفية تعاملهم مع المعلمين والإداريين والزملاء المخالفين لتوجهاتهم.

ومن المهم بيان أن مثل هذه الدراسة لن تحقق أهدافها لو بقيت محصورة ضمن اجتماعات عدد من المسؤولين أو في أروقة المؤتمرات، بل فلا بد من عقد دورات مكثفة لتدريب المعلمين في المراحل النظامية والجامعية على كيفية الوقوف على الملامح التي يمكن أن تحول أبناءنا إلى إرهابيين.

ومن الأهمية بمكان منح أبنائنا وبناتنا الثقة لينطقوا بما يؤمنون به دون خوف، لعلنا إذا ما لامسنا مواطن الوباء نستطيع حمايتهم من الأفكار الإرهابية.. ومع الأسف هناك من يعتقد أن إفساح المجال لمحاور الكبار قد يفقدهم الهيبة وهو تصور خاطئ بالجملة، إذ بالإمكان أن نعلمهم كيفية طرح أفكارهم دون تجاوزات، وعلى فرض أن تجاوزا حدثا فما علينا حينها إلا أن نفسح لهم المجال لتصحيح الأمر والعودة إلى الحق، ما داموا باقين في دائرة مناقشة الأفكار ولم يتحولوا إلى الاعتقاد بها والدفاع عنها وتفعيلها على أرض الواقع .. والله المستعان.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط