اطبع هذه الصفحة


الشورى.. الحصانة المطلوبة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


كثر اللغط مؤخرا حول مجلس الشورى وأعضائه، فأصبحنا نتابع قدحا بالجملة موجها له ولأعضائه، ومعظم هذا التطاول خرج من أناس أستطيع أن أجزم أنهم يفتقدون تأييد الأغلبية، بل حتى الأقلية في مجتمعنا. والغريب أن الكثير من هؤلاء المتطاولين يطالب ليل نهار بحرية الرأي، ومع ذلك نجدهم يطعنون في رأي اختلفوا معه، ولم يكتفوا بذلك بل جرموا أصحابه، فالرأي الصائب رأيهم ولو رفضه الجميع.

إن مجلس الشورى يحوي تحت قبته أشخاصا اعتباريين لهم توجهات مختلفة، وهم وبالمجمل يمثلون كافة أطياف المجتمع، وقد تم اختيارهم بعناية وبعد دراسة مستفيضة، والطعن في هذا المجلس وفي أعضائه لا يمكن أن يكون مقبولا على كافة الأصعدة.

وفي خضم هذا الصراع الإعلامي الذي عايشناه الأيام الماضية أظن -والله أعلم- أن هناك من يتمنى أن يشاهد في مجلسنا الموقر ذاك التراجع الذي يحدث في بعض "البرلمانات" العالمية والصراع الذي يصل للشتائم، ومن ثم إلى العراك الجسدي.!

إن المادة الخامسة من لائحة حقوق أعضاء مجلس الشورى وواجباتهم، نصت على أنه: "يجب على عضو المجلس الالتزام التام بالحياد والموضوعية في كل ما يمارسه من أعمال داخل المجلس، وعليه أن يمتنع عن إثارة أي موضوع أمام المجلس يتعلق بمصلحة خاصة، أو يتعارض مع مصلحة عامة" وهم -في نظري- ملتزمون في طرحهم بالحيادية والموضوعية، وطرحهم هذا من الطبيعي أن ينتهي إلى عرض آراء مختلفة، فالمجلس يمثل أطيافا متعددة من المجتمع. ولكننا مع الأسف نجد منا من لا يقبل إلا رأيه، ويطالب بإلغاء الرأي المخالف له مهما كثر مؤيدوه.

وإذا وقفنا مليا أمام المشروع المعني بتلك الزوبعة؛ أعني مشروع نظام "حماية الوحدة الوطنية" فإني أعجب من عدة أمور، إذ يخيل إليّ أن الذي وضعه لم يتدبر مواد النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية، فلو فعل لطالب بدراسة سبل ترسيخ مفاهيمه ليس إلا، فما جاء في المشروع المعني لا يصل لقامة نظام الحكم، الذي يضمن تحقيق المواطنة على أساس عادل وقائم على كتاب الله سبحانه وسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، فهو ينص صراحة على ما هو أشمل وأعدل مما طرحه المشروع، ولذا فطرحه للتصويت كان من البداية غير مجدٍ، فهو كما تبين لن يضيف في مضامين النص المعتمد في نظام الحكم، بل يتعارض معه في بعض مواده، فعلى سبيل المثال لا الحصر: يفسح المشروع المجال لحماية ما يعارض كتاب الله سبحانه وسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، إذ يطالب بحماية كافة التصنيفات المذهبية والطائفية والفكرية، وبالتالي قد يكون ذلك مدخلا لحماية الإلحاد الذي يصنف على أنه مذهب فلسفي يقوم على إنكار وجود الله سبحانه وتعالى، وحماية غيره من الأفكار المخالفة لتعاليم ديننا الحنيف، كالأفكار السياسية التي تطالب بدستور وضعي للدولة، وهو ما يتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف ويضر بوحدتنا الوطنية!

لقد بلغ إجمالي القرارات التي صدرت عن مجلس الشورى السعودي خلال العام المنصرم 154 قرارا، كان بعضها في حكم المستحيل، وكثيرا ما وجه المجلس تساؤلات وانتقادات إلى وزارات معينة، ومع هذا قلما سمعنا شكرا يوجه له ولأعضائه في حين نجد بعضهم يحرض على شن حملات هجومية عليه.

نعم من حق البعض ألا يتفق مع نتائج تصويت مجلس الشورى، ولكن دون التعرض للمجلس وأعضائه، فعمل هؤلاء ليس بالهين، فهم يعملون على مدار الساعة بحثا ودراسة وتحليلا، وبعضهم ينتقل من شرق وغرب البلاد ومن شمالها وجنوبها ذهابا وإيابا، وبشكل دوري ولسنوات عدة.
نعم من الطبيعي ألا نتفق جميعا مع كل قرارات المجلس، فهناك من يمثلني ومنهم من يمثلك أو يمثل غيرك، المطلوب منا أن نتعلم فن الاختلاف دون المساس بتعاليم ديننا، ودون الإساءة إلى غيرنا.

وقبل أن أختم مقالي هذا أضع أمام القارئ الفاضل بعض مواد نظام الحكم الذي ستظهر للعيان اهتمامه بوحدة المجتمع، الوحدة القائمة على كتاب الله وسنة رسوله، ففي الباب الثاني من نظام الحكم نجد أن المادة السابعة نصت على أن "يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة."

الباب السادس من النظام الأساسي للحكم والمتعلق ببيان "سلطات الدولة" وبينت المادة السابعة والأربعون منه "حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة."

وتحت الباب الثاني من نظام الحكم نجد في المادة الثامنة منه:

"يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية"
وفي الباب الثالث (مقومات المجتمع السعودي) جاء في المادة الحادية عشرة:
"يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم"
وفي المادة الثانية عشرة من نفس الباب: "تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام"
إن أعضاء المجلس يعملون لخدمة البلاد حكومة وشعبا، وهم -إن شاء الله- على قدر الأمانة التي أنيطت بهم، فلنمنحهم الحصانة الاجتماعية، فنحترمهم ونقدرهم كما يليق بهم، أعانهم الله وسدد خطاهم للصواب، وجزاهم عنا خيرا..


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط