صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رحمك الله يا أميرنا

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


طالبت منذ عدة أسابيع بتشكيل "لجنة أكاديمية" تعمل على رصد تحركاته السياسية طوال سنوات عمله كوزير للخارجية؛ بهدف رصد الآلية التي اعتمدها الأمير سعود وتمكن بها بعد الله سبحانه من إنجاح سياسة السعودية في العالم، مدافعا عنها وعن قضايا الأمة الإسلامية والعربية.


رحمك الله يا أميرنا رحمة واسعة وأدخلك فسيح جناته وألهمنا الصبر والسلوان، فما قدمته لنا أكبر من أن يسطر بكلمات أو صفحات أو مدونات تاريخية، فقد قضيت قرابة نصف القرن وأنت تخدم بلادي تحارب عنها وعن مصالحها ومصالح الدول الإسلامية والعربية، عندما أتأمل في وفاتكم -رحمكم الله- أدعو الله لي وللمسلمين بحسن الخاتمة، فقد فارقتنا في أفضل الشهور وأفضل الأيام.. في العشر الأواخر من رمضان، فهنيئا لك انعتاقك من دار الابتلاء في شهر القرآن الكريم شهر العتق من النيران.

وأنا إذ أطالب كل من أحزنهم فراق صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- من رجال الأعمال ورغب في تكريمه، أن يوجهوا أنظارهم في هذه الأيام المباركة لإقامة "وقف" له -يرحمه الله- بدل الإعلانات في الصحف، فالمبالغ التي ترصد لتلك الإعلانات كفيلة بتنفيذ وقف خيري أو علمي أو صحي، فعلى سبيل المثال يمكن إنشاء وقف خيري يخصص ريعه للأيتام والأرامل أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وسيكون مناسبا جدا اعتماد كرسي علمي يسمى باسمه في إحدى الجامعة السعودية، فهذا أقل ما يمكن أن يكون لائقا بخدماته -رحمه الله، فلقد سخر لنا النصيب الأكبر من حياته وفارق أسرته وظل يجوب العالم قرابة نصف القرن مكافحا ومدافعا ومناصرا لقضايانا الوطنية والإسلامية والعربية، فكم مرة غادر البلاد للدفاع عن الحق الفلسطيني أو العربي أو الإسلامي، وكم مرة كان سببا في تغيير الوجهة العامة للسياسة الدولية لتصب في النهاية في صالح الأمة بأسرها، فكما قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، وصدقة جارية، وولد صالح يدعو له".

إن نجاح سياستنا الخارجية -بعد الله سبحانه- كانت تعتمد على رجاحة عقله وإخلاصه وتفانيه المتواصل، وهو على انشغاله الدائم بمهامه كوزير إلا أنه لم يغفل الجانب الخيري والتنموي رحمه الله، فقد كان عضوا مؤسسا في مؤسسة الملك فيصل الخيرية ورئيسا لمجلس إدارة مدرسة الملك فيصل وجامعة فيصل في الرياض، وعضوا في جمعية الأطفال المعوقين وجمعية المدينة المنورة للرعاية والخدمات الاجتماعية، جعل الله أعماله كلها في موازين حسناته.

فلقد أحزننا طلبه الإعفاء من مهامه كوزير للخارجية مع أننا نعلم أننا أتعبناه، وكنا سببا في مرضه الذي طال لسنوات، فقد كنا نطمع في بقائه وزيرا مدافعا عن قضايانا الوطنية والإقليمية والإسلامية والعربية.. وبعد استجابة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- لطلبه تطلعنا لأن يعمد لكتابة تاريخه بنفس بداياته في خدمة البلاد كوزير للخارجية، وأسس ومعالم أبجديات السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية وأسرارها طوال تلك العقود، كنا نتمنى أن يكون ما يكتبه موجودا بيننا ليكون مرجعا للحكومة ووزارة الخارجية، وللأكاديميين المتخصصين في السياسة الخارجية.
ومن هنا نأمل من معالي وزير الخارجية عادل الجبير الإعلان عن نية الوزارة توثيق جهد الأمير الإنساني بكافة مراحله "أي السياسي والاجتماعي على حد سواء" ومن مصادر مكتوبة ومن ألسنة من عملوا مع سموه ولازموه رحمه الله.

لقد طالبت منذ عدة أسابيع بتشكيل "لجنة أكاديمية" تعمل على رصد تحركاته السياسية طوال سنوات عمله كوزير للخارجية؛ بهدف رصد الآلية التي اعتمدها سموه -رحمه الله- وتمكن بها بعد الله سبحانه من إنجاح سياسة المملكة العربية السعودية في العالم، مدافعا عنها وعن قضايا الأمة الإسلامية والعربية، خاصة القضية الفلسطينية، وكيف قابل التغيرات السياسية للدول؟ وكيف استطاع تجاوز ذلك كله في سبيل مصلحة البلاد؟ وكيف كان حاضر الذهن سريع البديهة؟ وكيف كان يستنبط من كلمات الساسة مراد الحكومات تجاه بلادنا.. الإيجابية منها قبل السلبية؟ والحالات التي لم تحقق فيها السياسة الخارجية تطلعاتها، وما الأسباب؟ ومن الطبيعي أن تكون هناك بعض المعلومات لا يمكن نشرها حرصا على المصلحة العليا للبلاد، وبعضها قد تكون المصلحة في نشرها وإتاحتها للباحثين.

كما أنه من المهم معرفة كيف استطاع -رحمه الله- تعلم عدة لغات، وهل درسها وهو على رأس العمل، وأين فعل، وما هي، وهل كان لها دور في نجاح عمله كوزير للخارجية؟
وفي الختام أتوجه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله وأدام عليه الصحة والعافية- وإلى الأسرة الحاكمة، وإلى منسوبي وزارة الخارجية داخل البلاد وخارجها وإلى الشعب السعودي، والأمة الإسلامية والعربية بخالص التعازي في وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل -رحمه الله-، ونسأله سبحانه أن يسبغ عليه واسع رحمته ومغفرته، وأن يجزيه عن البلاد حكومة وشعبا خيرا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأحمد الله الكريم المنان الذي قدر أن تكون وفاته في أيام مباركة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط