اطبع هذه الصفحة


تطرف من نوع آخر..

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
حتى لا يأتي من يقول إن غطاء الوجه يعيق عمل الطبيبة والعاملات في المجال الطبي، أختم بحقيقة نتعايش معها، فكيف تفسرون لي حجاب الأطباء الذكور قبيل العمليات الجراحية بشتى أنواعها، حتى الدقيقة منها!! ألا يغطي الطبيب الجراح رأسه، ويلبس النقاب، ويغطي يديه بالقفازات، بل حتى قدميه يسعى لتغطيتهما

عندما جلست لأكتب إليكم احترت في الموضوع الذي قد يستأثر باهتمامكم، فالأحداث اليومية تتوالى بشكل يصعب علينا مجاراته، واقع علينا الاعتراف به فما نشاهده يوميا على شاشات التلفاز، وما نقرأه من تقارير صحفية أو دراسات بحثية، هو في مجمله نهايات لبدايات جديدة، بدايات تحمل في طياتها غموضاً يأبى أن تكون له نهاية واضحة المعالم، كان الأمل ألا نصل إلى هذه المرحلة من الذوبان في يأس لا يتفق مع تعاليم دين اخترناه.. كما اختارنا بفضل من المولى سبحانه.
لقد أصبح من الطبيعي أن أتوقف مع بدايات كل أسبوع عند قضية استجدت دون سابق إنذار، قضية أجدها كما يجدها غيري من الأولويات المتعلقة بخصائصنا الذاتية، والتي لا نملك إلا الإذعان لها طواعية،وعلى أصعب الفروض الاعتراف بها كواقع نتمسك به.

لكن أن نرضخ و نقبل بالتخلي عن جذورنا، لمجرد أن أحدهم قرر أن شريعتنا لا تتفق ومنهاج اختاره وصمم زواياه، فهذا ضعف لا أعتقد أنه يليق بأمة الإسلام.
ومن هذا المنطلق كان من الطبيعي على أهل هذا الدين رفض التدخل السافر لحكومات أعلنت أنها تتمسك بالحريات مهما حملت من انحلال فكري واعتقادي، وحتى لو انتهت بصاحبه للإلحاد،أنظمة أعلنت تعهدها بحمايتها المطلقة لذلك الملحد، من أي مواجهة قد يتعرض لها من معارضين رافضين لإلحاده، حرية كهذه توقف مفعولها عند جاليات إسلامية قبلت بالتعايش ونظام قرر ألا يتدخل سلبا أو إيجابا لتحديد المسار الفكري لمواطنيه، ظنا منها أنها ستجد في مسار فكرة الحماية كما وجدها آخرون، حماية دعمها نظام القضاء في تلك الأنظمة.

لا شك أنه تبادر إلى أذهانكم أنى أتحدث عن ما أصاب بنات وأخوات لنا في فرنسا، من اضطهاد جراء إصدار الحكومة الفرنسية قانوناً يمنع الطالبات والنساء العاملات في المرافق العامة من اختيار الحجاب لباساً، بدعوى أن القرار وجد في حجاب الرأس شيئاً من العدوانية، هذا ما صرح به الرئيس الفرنسي (جاك شيراك) أو بهدف حماية الفتيات من ضغوط توجه لهن من قبل المتشددين، حسب ما أعلن رئيس وزراء فرنسا (رافاران)، أمثال تلك التصريحات، والقرارات التي نتجت عنها.. كانت محل استنكار منظمة (أصدقاء الإنسان الدولية) والتي اختصت بالدفاع عن حقوق الإنسان،واتخذت فيينا مقراً لها، إذ استهجنت القرارات الفرنسية الخاصة بتحريم الحجاب على الطالبات والعاملات في القطاع العام، ببيان صدر عنها جاء فيه: (الرئاسة والحكومة الفرنسيتان، مطالبتان باحترام حقوق التلاميذ في الإعراب عن أديانهم وعقائدهم في التعليم والممارسة)، ولم تكتف هذه المنظمة بذلك بل أكدت أن مرد إصرار المسلمات على ارتداء الحجاب ينبع من إيمانهن بالنص القرآني الذي أمرهن بالحجاب، مؤكدة أن طالبتين من أصل يهودي هما (ليلى وألما ليفي)، وجدتا ضالتهما في الإسلام، تم حرمانهما من التعليم، بطردهما من معهد(هنري والون)في باريس، بسبب تمسكهما بفريضة الحجاب، ثم تساءلت هذه المنظمة الدولية عن كنه الضغط الذي- بزعم رئيس وزراء فرنسا- مورس عليهما!؟ وعلى أمثالهما من نساء غربيات اخترن الإسلام عقيدة ومنهاج حياة!؟
ولم تكتف بهذا البيان الاستنكاري، بل تعدت ذلك لمطالبة السلطات الفرنسية بالتراجع عن قرارها و(العدول عن توجهها لسن مثل هذا التشريع، ووجوب محافظتها على حقوق الأقلية الإسلامية في التعليم والعمل وحرية العقيدة، وممارستها واحترام خيارات النساء المسلمات) مطالبة بضرورة إرجاع الطالبات المسلمات المفصولات لمقاعد الدراسة فوراً.
ردود فعل مماثلة لهذه المنظمة الدولية ظهرت للرأي العام الأوروبي والعالمي، نداءات متكررة تطالب بإعادة النظر في فحوى هذا القرار، الذي سيضر أول ما يضر فرنسا كدولة تتباهى بحمايتها للحرية مهما كان توجه هذه الحرية سلباً أم إيجابا، حرية اتسعت لتقبل بالعري رداء، في حين ضاقت عن القبول بأهل الحجاب، قرار كهذا يحمل في بواطنه معنى التطرف، تطرف من نوع آخر، وكما أكدت مجلة (المجتمع) في عددها (1582) يحمل هذا القرار معنى إكراه الفتيات و النسوة المسلمات الفرنسيات للإذعان لوضع مرفوض بالنسبة لهن جملة وتفصيلاً، وضع لا يملكن بحكم عقيدتهن المزايدة عليه.

نداءات كهذه ظهرت على الساحة البريطانية والأمريكية وبطبيعة الحال داخل حدود الدول الإسلامية..قرار كهذا لم ينل الرضى العام في دول لا تعتنق ديننا..
ونحن إن كنا نحمد الله أن سخر لنا مواطنين غربيين مسلمين وغير مسلمين، غيورين على الحق أيا كانت قبلته.. نتساءل عن موقفنا من قضية مشابهة ظهرت في الآونة الأخيرة في مجتمعنا مع الأسف، لا تعجبوا..!! فلقد منعت طالبة سعودية، من طالبات كلية الطب من الالتحاق ببرنامج التدريب الصيفي في أحد مستشفياتنا الخاصة، أما السبب فلا يعود لضعف معدلها التراكمي، أو لقلة ما اجتازت من الساعات الأكاديمية، بل بسبب تمسكها بغطاء الوجه، أما علة الرفض فتكمن كما قال المدير المختص، في أن نظام المستشفى العام يقتضي فرض كشف الوجه كشرط على كل العاملات، طبيبات، ممرضات إداريات مسلمات، وغير مسلمات بطبيعة الحال، فالمظهر العام هو ما يراعى في هذه القضية.
وحتى لا يأتي من يقول إن غطاء الوجه يعيق عمل الطبيبة والعاملات في المجال الطبي، أختم كلامي هذا بحقيقة نتعايش معها، ولا يمكن لأي منا إنكارها، إذا كان غطاء الوجه يعيق عمل الطبيبة، فكيف تفسرون لي حجاب الأطباء الذكور قبيل العمليات الجراحية بشتى أنواعها، حتى الدقيقة منها !! ألا يغطي الطبيب الجراح رأسه، ويلبس النقاب، ويغطي يديه بالقفازات، بل حتى قدميه يسعى لتغطيتهما، ألا يفعل ذلك وهو الرجل..!! قبيل كل عملية جراحية !! ألا يلزم النظام الطبي العالمي الأطباء بالحجاب وغطاء الرأس رجالا ونساء مسلمين وغير مسلمين..!!

وضع علينا الاهتمام به قبل أن يستفحل فنعجز عن إصلاحه، آمل أن نسمع عن قريب قراراً حكومياً لا يلزم العاملات في المجال الطبي ولا غيرهن بكشف وجوههن كشرط للعمل.. قرار يترتب على الإخلال به عقوبات قانونية، فلا أعتقد أن بناتنا قضين من عمرهن سنوات وسنوات لدراسة الطب والعلوم الطبية، ليأتي في نهاية المطاف تاجر امتهن الطب دون وجه حق، وعد أهله بضاعة يتكسب منها كيفما شاء.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط