اطبع هذه الصفحة


خسارة مستقبلية

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
موقف الصحيفة الصهيونية من هذا المقال، والذي يحمل نشرها له موافقة الرأي على فحواه يجبرني على التوقف مليا أمام الخسارة التي ستؤول إليها الولايات المتحدة الأمريكية من جراء سعيها في الدفاع عن ذلك الكيان المحتل

أن تنتقد سياسات الولايات المتحدة الأمريكية من قبل دول حليفة لها كفرنسا وألمانيا أو حتى بريطانيا وغيرها من الدول أمر ممكن وواقع، أن تنتقد من قبلنا نحن العرب والمسلمين أمر مؤكد، فما لحق بنا من ظلم جراء سياساتها بشكل عام، والموالية للكيان الصهيوني بشكل خاص يدفعنا بهذا الاتجاه، ولا أعتقد أن تلك الدولة تملك من الأسباب والمبررات ما يمكن إقناعنا بها كسعوديين على الأقل... فلدينا مقاييس دينية أخلاقية خاصة، نتعامل من خلالها مع مخالفينا، فلا يمكن أن نجرم أسرة بذنب أحد أفرادها، ولا يمكن أن نظلم شعباً بسبب سياسات دولته أو إحدى مجموعاته، أوضاع أجزم أنها مغيبة عن غيرنا من الشعوب التي لن تصدق أن أسر الخارجين عن القانون في بلادنا لديها من الحصانة ما قد يمكنها من تجاوز أبواب المسؤولين لنقل قضاياها ولأعلى مستوى، بشكل قد يفوق غيرهم من المواطنين، وما ذاك إلا لاطمئنانها أنها محل اعتبار، وأن ما صدر من أبنائها من خروج عن القانون يلحق بهم دون غيرهم، فأسرهم لا ولن تعامل من منطلق المسؤولية عما جناه أحد أفرادهم باختياره.. وعليه فالبعد الديني والأخلاقي الذي يحتم علينا هذا التعامل يدفعنا لانتقاد السياسات الأمريكية تجاه عدة قضايا يصعب حصرها هنا ولو في عجالة..

لكن أن تنتقد تلك السياسات الأمريكية من قبل حليفتها في تلك السياسات، من الكيان الذي يوازي إن لم يفق في فساده وتعسفه توجه السياسة الأمريكية. وضع يصعب فهمه فكيف باستيعابه، هذا ما طالعتنا به صحيفة هآرتس الصهيونية الأسبوع المنصرم، فقد نشرت مقالاً في 29/2/ 2004م تحت عنوان (أمريكا فقدت حقها الأخلاقي في الوعظ).. المقال انتقد بعنف ممزوج بسخرية فحوى التقرير السنوي والصادر قبل أيام عن وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، والمتعلق بحقوق الإنسان في العالم، وكان من الطبيعي أن يكون الانتقاد منصباً على الجزء المخصص للكيان الصهيوني، إذ يستنكر المقال أن يأتي النقد من أعظم أصدقائها الولايات المتحدة الأمريكية التي اتهمت في تقرير أخير لوزارة خارجيتها الكيان الصهيوني بممارسة الاعتقال دون محاكمة، التدمير الجماعي للمنازل، استهداف الاغتيال، التعذيب، منع حرية الحركة، جرف الأراضي المزروعة، التمييز العنصري ضد العرب التابعين للكيان الصهيوني...

أما وجهة النظر المعتمدة من قبل كاتب المقال في انتقاده لمضامين هذا التقرير، فلا ترجع لعدم تطابقها مع الواقع، أو لتبريرات واهية كالتي اعتاد العالم سماعها من ذلك الكيان، ليس لذلك كله بل بنى انتقاده هذا على السياسات الأمريكية، وذلك بقوله: (انظر من يعظ إسرائيل... إن الولايات المتحدة الأمريكية بما فعلته بيدها فقدت حقها الأخلاقي في وعظ الدول الأخرى في مجال حقوق الإنسان) ثم بدأ باستعراض مواقفها المناقضة لحقوق الإنسان على الصعيدين الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الخارجي أكد المقال أن الولايات المتحدة التي اتهمت الكيان الصهيوني بممارسته لسياسات مناهضة لحقوق الإنسان، هي الدولة التي تسحق حقوق الإنسان أكثر من أي دولة أخرى! ففي أمريكا وبحسب ما ورد في المقال أصبحت قوات الأمن فيها بعد 11 سبتمبر 2001 بمثابة سلطة أخلاقية عليا فوق الآخرين، فحقوق الإنسان على الأرض الأمريكية حالياً تعتبر مسألة فارغة! مستدلا بأحوال معتقلي جوانتانامو وكيفية اعتقالهم بغير محاكمة، وعن أوضاعهم اليومية وحرمانهم من حقوقهم حتى الأساسية منها، مؤكداً أن الدولة التي تفعل ذلك ليست مؤهلة لانتقاد الاحتجاز الإداري الذي تقوم به إسرائيل! والدولة التي تعمد سراً لاعتقال الساسة العراقيين دون محاكمة، ليست في موقع يسمح لها بانتقاد السياسة المتبعة للاعتقال في سجون إسرائيل! والدولة التي انتهجت ودافعت عن سياساتها في احتلالها العسكري القاسي في العراق ليس لها الحق في مهاجمة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية... مهما كان قاسيا!

إن النزاع المشحون في هذا المقال الصهيوني والموجه ضد السياسات الأمريكية لا يعنيني في كثير أو قليل، فما يدعو للتدبر والسخرية في الوقت نفسه ليس ما سبق الإشارة إليه، بل تأكيد كاتبه على أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل المسؤولية المباشرة في انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان، إذ إن كاتب المقال مع اعترافه بانتهاك الكيان الصهيوني لحقوق الإنسان الفلسطيني إلا أنه يأبى كما يظهر إلا أن يجر الولايات المتحدة الأمريكية في قفص الاتهام هذا، وذلك بقوله: (لو رغبت الولايات المتحدة حقاً في إيقاف تلك الانتهاكات لإسرائيل لوضعت حداً لذلك، تماماً كقدرتها ومنذ زمن طويل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي نفسه، وكقدرتها على إزالة جدار الفصل، فالولايات تستطيع لو أرادت إرغام إسرائيل على وقف الاغتيالات وتدمير المنازل والحجز الإداري- أي الاعتقال دون محاكمة -، إن إيماءة واحدة من الرئيس الأمريكي تغير في الحال موقف إسرائيل تجاه الفلسطينيين)! وعليه فوعظ الولايات المتحدة بحسب المقال، والمتعلق بدفاعها عن حقوق الإنسان الفلسطيني يفتقر للسلطة الأخلاقية وعار تماماً من أي مضمون! وعليه فليس للولايات المتحدة الحق في الحديث عن حقوق الإنسان....!
وإن كنت هنا لا أجادل الكاتب الصهيوني في مضامين كلامه الذي أكد بشكل تام أن أمريكا هي الرائدة عالمياً لانتهاك حقوق الإنسان، بل هي المسؤولة مسؤولية مباشرة لكل الانتهاكات التي يقوم بها الكيان الصهيوني لحقوق الإنسان الفلسطيني في فلسطين المحتلة..

إلا أن موقف الصحيفة الصهيونية هآرتس من هذا المقال، والذي يحمل نشرها له موافقة الرأي العام للكيان الصهيوني ولو المبدئية على فحواه المناهض للولايات المتحدة الأمريكية، الدولة التي سخرت كل نفوذها وبسخاء منقطع النظير لحماية الكيان الصهيوني... بل وجعلت ذلك من أولوياتها الأساسية، يجبرني على التوقف مليا أمام الخسارة التي ستؤول إليها الولايات المتحدة الأمريكية ولو على مدى بعيد نسبياً، من جراء سعيها وتفانيها الحثيث في الدفاع عن ذلك الكيان المحتل! والذي لا يشعر تجاهها كما بدا بأي امتنان أو عرفان بالجميل، ولم يبق لي إلا أن أقول (إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمردا)!
على أية حال ليس هذا الموضوع الذي أود من القارئ مشاركتي به اليوم، بل سطور كتبت في صحيفة تصدر بحماية من الكيان الصهيوني

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط