اطبع هذه الصفحة


صراع المصالح

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
إن البنتاجون وفي سبيل استمراره على رأس دفة الاحتلال أطول فترة ممكنة في العراق، قادر على استخدام كل الوسائل على فسادها ما دامت توصله إلى غايته، فالغاية كما تفسرها أفعاله تبرر الوسائل

إن وعود المحتل بتسليم السلطة للعراقيين في 30 يونيو من هذا العام، بدت بالرغم من حماس بعض العراقيين وغيرهم محض خيال، إذ إنه من غير المعقول حسب التركيبة الثقافية الأمريكية، التي تؤمن بالفلسفة المطلقة للمنفعة (البراجماتيزم) إطلاق سراح الفرخ الذي يبيض ذهباً بعد أن وقع في الأسر !!وبعد أن أصبح استغلاله في متناول اليد هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى على فرض وجود فئات صادقة في تحمسها لهذا التحرير في الساحة السياسية الأمريكية، فإن صوتها الخافت بقي إلى اليوم حيا يرزق من باب التمويه لا أكثر،إذ إن المتحمس القوي الوحيد في أمريكا للخروج من العراق هو الشعب الأمريكي، شعب قدم أبناؤه وبناته كوقود لمحرقة المصالح الأمريكية، شعب صدم بتكرار كذب رئيسه وحكومته فلا وجود لأسلحة دمار شامل في العراق، ولا علاقة للعراقيين بأحداث 11سبتمبر، كما لم يستقبل العراقيون الجيش الأمريكي بالورود كما قيل لهم.

إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) والحاكمة الحالية في العراق، وحسب ما أشارت إليه تقارير تم تداولها في واشنطن مؤخراً، ونشرت في "الوطن" تعتمد تبني خيار التصعيد الإداري والعسكري في العراق، في محاولة منها لإقناع الحكومة الأمريكية بضرورة تغيير الموعد المحدد لتسليم السلطة، وإمعاناً لإظهار العراق عاجزاً من الناحية الأمنية عن استلام السلطة، وما الأحداث الأخيرة الدامية في العراق إلا دلالة واضحة على هذا المنهج.

فالبنتاجون وكما أشارت تقارير أمريكية أخرى يدرك أن سلطته على خيرات بلاد الرافدين،وعلى المعونة المالية المخصصة لإعادة إعمار العراق ستتقلص بمجرد استلام العراقيين الصوري للسلطة،ولتنتقل السلطة الفعلية في العراق مباشرة لوزارة الخارجية الأمريكية، والتي ستمثلها بطبيعة الحال سفارتها في بغداد، السفارة الأمريكية الأضخم في العالم من حيث الصلاحيات، لذا عمدت وزارة الدفاع الأمريكية وباستماتة للعب على الحبلين، فقد وقعت عقوداً مع شركات أمريكية أمنية خاصة للعمل في العراق، بدعوى حفظ الأمن، أمثال هذه الشركات.. شركة (بلاك ووتر سيكيوربتي كونسلتنج) التي شاركت في الهجوم الأمريكي على العراقيين الأسبوع المنصرم، وقد أكدت هذه التقارير الأمريكية أن لهذه الشركة وأمثالها وحدات مقاتلة خاصة إضافة لطائرات هليكوبتر.

والذي يدعو للريبة في تعاقد البنتاجون مع هذه الشركات الخاصة، هو عدم حاجة الجيش الأمريكي لا من حيث العدة ولا من حيث العتاد لها، وعلى فرض وجدت الحاجة لذلك وهذا محال، فمن البداهة أن توجه الحكومة الأمريكية أنظارها إلى دول التحالف لإمدادها بمزيد من الدعم الحربي، بدلا من أن توجه أنظارها لتوقيع عقود أمنية مع شركات أمريكة خاصة بدعوى حفظ الأمن في بلد محتل كالعراق... خاصة أن عامل المصلحة المادية من هذا الاحتلال مشترك بينها وبين دول التحالف.

إن العلة الكامنة وراء هذا التعاقد تكفل التقرير الذي نحن بصدد إلقاء الضوء على محتواه، بإظهارها فقد وضح أن هذه الشركات الأمنية الخاصة، وعبر عقودها الموقعة أتاحت لبعض العاملين في وزارة الدفاع الأمريكية تجاوز التسلسل القيادي العسكري،ومن ثم تجنب أية إمكانية للمحاسبة لاحقاً، إذ إن النظام العسكري فيها، وكما هو متبع دولياً يلزم العاملين في نطاقها تدوين الأوامر رسمياً، وبكل تفاصيلها حتى الدقيقة منها، فكان من المحال وهذا في حالة صدور أمر رسمي من قبل العاملين في البنتاجون باستفزاز عسكري للعراقيين، خشية وقوعهم في خندق المحاسبة القانونية لاحقاً، ولو من قبل المواطن الأمريكي، الذي سيهب دون أدنى شك مطالبا بمحاسبة من كان وراء هذا الاستفزاز العسكري الذي سيدفع أبناؤه الجنود ثمنه من أرواحهم.
لقد وجدت وزارة الدفاع أن الوضع الأمني في توجيهها لأمثال تلك الأوامر، يكمن في توجيهها لتلك الشركات الأمنية الخاصة، فهي لا تعتمد النظام العسكري في تحركاتها، إضافة إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية وجيش التحالف لم يلزموها باعتماد النظام العسكري عند توقيع عقود معها..

إن البنتاجون وفي سبيل استمراره على رأس دفة الاحتلال أطول فترة ممكنة في العراق، قادر على استخدام كل الوسائل على فسادها ما دامت توصله إلى غايته، فالغاية كما تفسرها أفعاله تبرر الوسائل، وإذا ما تابعنا تصريحات القائمين على البنتاجون وأنصارهم في الحكومة الأمريكية نجد تضارباً واضحا في تحديد الفترة المقترحة على مائدة المفاوضات الأمريكية لخروج المحتل من أرض الرافدين، المقترحات احتاجت لدعمها تحركاً عسكرياً فورياً في سبيل إشعال الفتنة الطائفية بين العراقيين، أملٌٌ... سرعان ـ ولله الحمد ـ ما انتهى للفشل، وإن كانت المحاولات لإشعالها ما زالت على قدم وساق،فصراع المصالح بين وزارتي الحربية والخارجية الأمريكيتين حول نصيب الأسد من الفريسة العراقية المتمردة ما زال على أشده، صراع دفع البنتاجون لمحاولة تحقيق أهدافه ولو بيد عمرو... فلا بد من إظهار العراق وأهله في حالة ضعف، وتشاحن، وتباغض، لا بد من إشعال الحرب في العراق سواء كانت أهلية أم ضد قوات التحالف، ليكون لمسمار جحا السبب في البقاء.
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط