اطبع هذه الصفحة


متى تنصت الإدارة الأمريكية لمثل هذا؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
ولو كان حيا يرزق لما كان مستبعداً رفضه لتدخل بلاده في العراق بدعوة محاربة الإرهاب، ولطالب بلا شك بالحوار كمبدأ لحل الخلاف

إن الماضي والحاضر يؤكدان أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية السافر في شؤون الآخرين لن ينال القبول من العالم أجمع، كما أنه لن ينال الرضى من أبناء الشعب الأمريكي الحر، وخير مثال على ذلك ما يحاك حول الحكومة الحالية لدولة أفغانستان بقيادة رئيسها (حميد قرضاي)، فبغض النظر عن سمو أهداف أعضاء هذه الحكومة أو عدمها، وبغض النظر عن ثبات انتمائهم للأرض الأفغانية والشعب الأفغاني، إلا أن وصولها إلى منصة الحكم عن طريق التدخل الخارجي يقدح فيها وبمصداقيتها ليس بالنسبة لنا أو لغيرنا من سكان هذه البسيطة، بل بالنسبة للشعب الأفغاني نفسه... إذ إن قبول هذه الحكومة بهذا الشكل الهزلي وعلى المدى البعيد، بمبدأ التعاون بل الخضوع المطلق لدولة اختارت هذه الأيام تجسيد دور الشرطي على العالم دون منازع... دولة لم تكترث بأعضاء الأمم المتحدة، أو برضى وقبول الشعب الأفغاني لوجود قواتها على أرضه، لا شك سيؤدي بالحكومة الأفغانية إلى نهاية لا أعتقد أن المجتمع الدولي سيقبل تحمل تبعاتها، فكيف بالشعب الأفغاني الذي تتوق نفسه لحياة مستقره خاليه من الدمار... بعد سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس في حربه الطويلة ضد الشيوعية وما بعدها من نزاعات داخلية دامية كانت عليهم في وقعها أكثر إيلاماً ودموية... نهاية نخشى انتشارها كوباء على أرض العراق التي يعلن شعبها وعلى مدار الساعة أنه يفضل جحيم اليوم على جنة مشوهة بأقدام المحتل.

وحتى لا أتهم بالتهجم على دولة صديقة وعلى دورها البطولي المزعوم في تغيير ملامح عالم الكرة الأرضية القاتم... سأعرض مواقف مثيرة للإعجاب لمواطن أمريكي كان له شأن على الساحة السياسية في وطنه، ومن المؤكد أن التاريخ الأمريكي سيذكره بتقدير خاص، سياسي امتاز بوضوح أفكاره وثبات مبادئه التي لم تتغير بتغير الفصول وتبدل الأحوال... مواقفه تؤكد الرفض القاطع لتدخل بلاده في شؤون الدول بالشكل الذي تعمد أمريكا إلى انتهاجه اليوم بدعوة محاربة الإرهاب، فالشعب الأمريكي تذوق مراراً هزيمة جيشه دون رادع وبشكل متكرر عبر القرن الماضي، وها هو يسير في المسار نفسه بخطى عرجاء...
إن المواقف التي أنا بصدد الاستشهاد بها اليوم في حديثي إليكم هي لسيناتور تمتع بمكانه مميزة في مجلس الشيوخ الأمريكي لسنوات طويلة وأنهى حياته السياسة الحافلة بمواقفه الشجاعة تنم عن رفضه للسياسة الإسرائيلية ولسياسة أمريكا المتحيزة لها، و لمواقف بلاده من بقية العالم... من سأتحدث عنه اليوم هو سناتور سابق أسمه (بيل فولبرايت)... فهو الذي عارض تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في كوبا وفي جمهورية (الدومينيك) واشتهر بمعارضته الصريحة لإقحام بلاده في حرب فيتنام، كما كان من الأوائل الذين نادوا بالتفاهم الأمريكي الاتحاد السوفيتي، وهو من الساسة الذين يرون أن نجاح الدول في تحقيق غاياتها يكمن في التفاهم الدولي... وهو قبل هذا وذاك يرفض تدخل بلاده في شؤون الدول الأخرى واصفاً هذا النوع من التدخل:بـ (التباهي بالقوة).
أما موقفه من اللوبي الصهيوني الأمريكي الموالي لإسرائيل الغاصبة، فحدث ولا حرج، ولن نكون مبالغين لو قلنا إن مواقفه هذه كانت القاضية بالنسبة لنشاطه السياسي، ومن ثم اتهامه بمعاداته للسامية...
لقد انتقد الجماعات الأمريكية الموالية لإسرائيل... ولفت أنظار الشعب الأمريكي للمعاملة الضرائبية الاستثنائية التي ثبتت دعائمها الحكومة الأمريكية من خلال تعاملها، والتبرعات الخاصة بدولة إسرائيل...

وكان وراء قيام تحقيق يتعلق بنشاط اللوبي الصهيوني في وطنه، تحقيق أثار غضب الجالية اليهودية الأمريكية، إلى حد أن أصواتاً موالية لإسرائيل في مجلس الشيوخ الأمريكي طالبته بإيقاف مجريات التحقيق... طلب انتهى بالرفض بطبيعة الحال...
كما كان وراء فضح أوضاع (المجلس الصهيوني الأمريكي) وتعاونه غير القانوني مع دولة الكيان الصهيوني التي عمدت إلى تمويله بصورة سرية بأكثر من 5 ملايين دولار لإنفاقها على شركات العلاقات العامة والدعاية الموالية لإسرائيل.
كما أكد أن مفتاح السلام في الشرق الأوسط يكمن في انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967م، رافضاً سياسة إسرائيل الهادفة لإنشاء المستوطنات في الأراضي المحتلة، معللاً رفضه بقوله: (إنها سياسة تفتقر إلى المرونة والتبصر في العواقب)... ألا تتفقون معي أنه رجل بعيد النظر...
ولم يكتف بذلك كله بل ظهر أمام شعبه الأمريكي في برنامج تلفزيوني ليعلن خضوع مجلس الشيوخ الأمريكي للسياسات الإسرائيلية المؤذية للمصالح الأمريكية... داعيا إلى مزيد من الاهتمام بمصالح أمريكا...

وكان من الطبيعي لدولة غاصبة كإسرائيل أن تقف والموالين لها من الجالية اليهودية الأمريكية في وجه أمثاله، كان من الطبيعي أن تقف منه هذا الموقف وقد جاهر بمعارضته لسياسة بلاده من قضية الشرق الأوسط، وهكذا انتهت حياته السياسة بسقوطه في الانتخابات... وخروجه من منصبه...
(بيل فولبرايت)... رجل من ساسة أمريكا المخلصين العقلاء طالب بمزيد من الاهتمام بمصالح بلاده بدل الاهتمام بمصالح الكيان الصهيوني، طالب بانسحابها من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، طالب بإيقاف بناء المستوطنات الصهيونية كأساس لتحقيق السلام في بلاد الشام وما حولها، طالب بعدم تدخل أمريكا بشؤون الآخرين، وبعدم تباهيها بقواها العسكرية والاقتصادية... وباعتمادها الحوار كمبدأ لحل النزاعات... ولو كان حيا يرزق لما كان مستبعداً رفضه لتدخل بلاده في العراق بدعوة محاربة الإرهاب، ولطالب بلا شك بالحوار كمبدأ لحل الخلاف فقد نقل عنه قوله: (إن التاريخ لا يظلل بالشك حول قدرة البشر على معالجة مشكلاتهم بالعقل، ولكنه يشكك كثيراً في إرادتهم فعل ذلك...).
وبعد وفاته قيل عنه (إذا متنا جميعاً فالوحيد الذي سيذكره التاريخ هو بيل فولبرايت)..بهذا رثاه زميله السيناتور(فرانك تشرش)...

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط