صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







العمى البريطاني

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
... موقف أكاديمي عادل وشجاع قد نجد فيه التحفيز على العمل الجاد في سبيل إيقاف هذا الاستنزاف اليومي لدماء وأعراض وكرامة الإنسان الفلسطيني... الذي لم يبق من إنسانيته إلا هيكل يتحرك بروح أبية...

نرى ونسمع يوميا مفارقات عجيبة بل مضحكة... ففي حين نتابع بأسى إقبال بعضنا على كل ما يعنيه التطبيع الكامل غير المشروط مع الكيان الصهيوني، نسمع أصواتاً في العالم الغربي ترفض التطبيع الفردي لمجرد إيمانها بأن ذلك يتعارض مع العدالة الإنسانية، متحدية بذلك نفوذ المؤسسات الموالية لذلك الكيان، غير آبهة بدعم حكوماتها للسياسات العنصرية للصهيونية، الذي يبدو بعضه غير مشروط.
هذه الأصوات على ضعفها النسبي تعتقد يقينا أنها قادرة على التغيير، ولو بصورة جزئيه في تطبيقات عنصرية مقننة تنفذ على مدار الساعة على أرض فلسطين المحتلة.

إن هذه الأصوات تستحق الثناء والدعم عن جدارة، إلا أن موقفها هذا يلحق بنا أصحاب القضية خزياً وعاراً، فكيف يتأتى لها الدفاع عن قضايانا بصورة إيجابية فاعلة، ونحن نصر على الانشغال بشعارات نعلنها على استحياء بين الحين والآخر...
العنوان الذي يعلو هذه السطور مقتبس من عنوان مقال نشر في صحيفة (يديعوت أحرونوت) في الآونة الأخيرة، وذلك بعد أن سمع العالم، صوتاًَ أكاديمياً صدر أخيراً من (الاتحاد الرئيس لأساتذة الجامعات البريطانية)، الاتحاد الذي يمثل (48) ألف محاضر، والذي أعلن الموافقة على طلب تقدم به وفد فلسطيني طالب من خلاله مقاطعة اثنتين من الجامعات الصهيونية، إثر إجراءات اتخذتها ضد الفلسطينيين.

لقد عدَّ الاتحاد البريطاني هذه الإجراءات تواطؤاً مع السياسات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية، فيما وصف المراقبون هذه الخطوة بأنها الأولى من نوعها منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
وكان من الطبيعي إثر قرار المقاطعة هذا أن تشن الجهات الموالية للكيان الصهيوني الحرب على هذا الاتحاد، معلنة بدورها أنه قرار يثير مشاعر معادية للسامية... وهاهو داني ستون المتحدث باسم اتحاد الطلاب اليهود يصف قرار المقاطعة بالخيانة للمبادئ الأكاديمية.

وفي مقام آخر أعلنت منظمة المجلس الأمريكي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتخذ في نيويورك مقرا لها، أنها ستشن حملة للقضاء على دعوات المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل التي ظهرت أخيرا في العالم، وهذا ما فعلته بالفعل فبعد أسبوع من تصويت الرابطة البريطانية بالمقاطعة، أكدت المنظمة اليهودية الأمريكية أن رد الفعل المباشر على قرار أساتذة الجامعات البريطانية بالمقاطعة، سيكون بأنها ستقوم مع مجلس أصدقاء إسرائيل الأكاديميين العالميين بإعلان هجوم مشترك لمقاومة مجهودات عزل الخبراء الإسرائيليين في مجال الطب والتكنولوجيا الفائقة والتكنولوجيا الحيوية، وهم في سبيل تحقيق ذلك سيقومون بعقد مؤتمر للتكنولوجيا الحيوية في القدس.

أما أندرو ماركس رئيس جمعية أصدقاء إسرائيل الأكاديميين العالميين، أستاذ ورئيس قسم الفيزيائية الحيوية، بجامعة كولومبيا في نيويورك، فقد صرح بقوله: إن المجلس الذي يرأسه يقود جهوداً لإحباط هذه المقاطعة التي تمت أخيرا، وإنه سيقوم بذلك من خلال المساعي المشتركة التي تركز بشكل ملموس على التقدم الإسرائيلي الكبير والمعترف به عالميا في مجالات علوم التكنولوجيا، مشيرا إلى أن التهديدات الحقيقية التي تمثلها مسألة المقاطعة، تنبع من تأثير هذه المقاطعات على اقتصاد إسرائيل والتقدم في هذه المجالات الأكاديمية.
ولكن الذي يدعو للإعجاب هو الموقف الثابت للاتحاد البريطاني من ذلك كله، فبعد أن أعلنت سالي هانت السكرتيرة العامة لرابطة أساتذة الجامعات، تجنب الاتحاد الرئيس لأساتذة الجامعات البريطانية كل أشكال التعاون الأكاديمي أو الثقافي مع جامعة حيفا وجامعة بار إيلان في تل أبيب، صرحت هانت... أن مجلس رابطة أساتذة الجامعات صوت لمصلحة مقاطعة الجامعتين المشار إليهما آنفا، وذلك لأن الأولى عاقبت أستاذا جامعيا على دعمه لطالب كتب عن هجمات شنت ضد الفلسطينيين خلال تأسيس الكيان الصهيوني، أما الجامعة الثانية فلأنها تنظم دورات بكليات في الضفة الغربية المحتلة وهي بذلك تشترك بشكل مباشر في احتلال أراض فلسطينية، مما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة.

بل إن جراجي باتاتشاريا رئيس رابطة أساتذة الجامعات البريطانية، عدَّ مقاطعة الجامعات الإسرائيلية أمراً مهماً، وإحدى الطرق السلمية لدعم زملائهم الأكاديميين الفلسطينيين، مشيرا إلى أن هذه المقاطعة بمثابة ضغط دولي على إسرائيل، ومن ناحية أخرى أعلنت الرابطة نفسها، أنها ستنعم النظر في دعوة لمقاطعة جامعة القدس العبرية بعد ذيوع أنباء بمصادرتها أراضٍ في القدس الشرقية وطرد ملاكها من عائلات فلسطينية، بدعوى عزمها على بناء سكن لطلابها الجامعيين.
علما أنه تم رفض أكاديميين بريطانيين عروض عمل قدمت لهم من قبل منظمات بحثية صهيونية كبرى مستشهدين في رفضهم بمعارضتهم لسياسات حكومة المحتل الإسرائيلي، ومن بين تلك المؤسسات مؤسسة العلوم الإسرائيلية التي تعد من كبريات المؤسسات الصهيونية البحثية العلمية تمويلاً.

موقف أكاديمي عادل وشجاع قد نجد فيه التحفيز على العمل الجاد في سبيل إيقاف هذا الاستنزاف اليومي لدماء وأعراض وكرامة الإنسان الفلسطيني... الذي لم يبق من إنسانيته إلا هيكل يتحرك بروح أبية تأبى الركون إلى الظلم، موقف تبناه أناس لا يرتبطون معنا إلا برباط الإنسانية، رباط كان كافيا لتحريكهم بثبات في مواجهة ظلم عالمي وجه مخالبه ضد أبرياء.

وأخيرا كان لا بد من أن أرد على الكاتب الصهيوني الذي رأى في موقف اتحاد الأكاديميين البريطانيين أنه: انتهاج خطوة نحو نزع حق إسرائيل بالوجود، معلنا أن هذا الموقف يدل دلالة واضحة على أن دولة الشعب اليهودي غير شرعية في نظر المحاضرين في الجامعات البريطانية... والحقيقة لا أدري ما المعنى في قوله الذي جاء فيه: من يزرع الأكاذيب سيحصد الكراهية.
إن موقف الاتحاد البريطاني للأكاديميين قد ينظر إليه على أنه قليل القيمة كونه سلميا وغير رسمي، إلا أن ردود الفعل الذي أثارها أظهرت مدى فعالياته وجديته... موقف قد نتعلم منه شيئاً كثيراً...

وأخيرا وأنا أشيد بموقف هذا الاتحاد أعتقد أن أصحابه يملكون بصيرة عادلة فاحصة، وهي من وجهة نظر العقلاء أهم من بصيرة عقيمة لا تغني من الحق شيئاً.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط