اطبع هذه الصفحة


قشور تقتات عليها النفوس الضعيفة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
ظلت هذه الجماعة تطالب بالديمقراطية وبرأي الأغلبية حتى أوصلها إيمانها هذا إلى ما لم يكن يخطر لها على بال، أو بما قد خطر لها.. ولكنها تجاهلت عن عمد وإصرار

آمل من شبابنا في خضم سعيهم الحثيث لتدعيم حياتهم اليومية بما يحقق لهم ولأسرهم الأمن والاستقرار المادي والمعنوي، وهو الحق الذي لا يجوز لكائن من كان سلبه منهم أو النقاش حول شرعيته، ألا ينسوا ما أصاب غيرهم من الدول المجاورة، وكان من الممكن أن يصيبهم لولا أن تفضل الله علينا، فقد كان من الممكن أن نولد على أرض غير أرضنا لنحمل هما غير همنا، ولنتجرع وضعاً لا تطيق سرده الأقلام والصحف،آمل ألا ينسوا أو يتناسوا أن انشغالهم بهمومهم اليومية عما يمس خصائصنا الذاتية الدينية منها والوطنية، لن يحقق لنا ولهم الرقي المنشود.
آمل ألا ينسوا أن الاتحاد حول الأصول قوة، واعتماد الاختلاف كمبدأ عام للدلالة على استقلال الرؤى لن يصل بنا إلا إلى الهاوية، وما دفعني للحديث اليوم عن هذه الظاهرة إلا وجود أصوات اعتمدت الاختلاف كقاعدة والاتفاق كاستثناء..

هؤلاء مع الأسف أجلوا الآخر لا بسبب تقديره للعلم، واحترامه للوقت، ولتنميته للموارد البشرية على اعتبار أنها الثروة الحقيقة للإنسانية جمعاء، بل لأمور بعيدة عن ذلك، فبمراجعة أطروحاتهم يمكن أن نقر أن موقفهم من ذلك كله يكاد يكون سلبيا، وما ذاك إلا لأنها أوضاع إيجابية فاعلة يتطلب الالتزام بها اتحاداً وطنياً تربوياً إنسانياً ومن الأمة بأسرها، وهي في نظر هؤلاء خطة بعيدة المدى، وما هم جاهدون لتحقيقه على أرض الواقع لا يتطلب سوى الجهد الذي يتطلبه إعداد وجبة سريعة التحضير، والتي بالكاد يستغرق إعدادها بضع دقائق، هم يتطلعون لتغييرات سطحية لا تحقق الرقي اللائق بثرواتنا البشرية والمادية، قشور بالكاد تقتات عليها النفوس الضعيفة.

بل إن هناك من يتحدث عن أن رأي الأغلبية (الديمقراطية) حق منشود لجميع الأمم، نجده في الوقت نفسه يتحدث باستحياء عن أن أمتنا غير قادرة حاليا للمشاركة في هذا المنحى، والسبب لا يعدو - وبحسب تفسيره - كونها أحادية التفكير، فموروثها إسلامي، في الفكر والسياسة والاقتصاد والنظام الاجتماعي أوضاع بالية لا يمكن أن تكون أساسا للديمقراطية..!!

ولأنهم يعلمون علم اليقين أن توجه أغلبية العامة والخاصة يناقض في مجمله ما يتطلع هؤلاء إليه، يدركون في الوقت نفسه أن رأي الأغلبية لو اعتمد سيلفظ منهاجهم لا محالة، ولذا نجد المتطرفين منهم يحاولون إقصاء الآخر بكل ما أوتوا من قوة، فتارة نجدهم يطالبون وبشكل متتابع بتغيير فكر الأمة وتراثها واستبداله بفكر مستورد كبقية البضائع الاستهلاكية التي تمتلئ بها متاجرنا،على اعتبار أنه فكر عفا عليه الزمان ولم يعد قادرا على مسايرة العصر، لذا نراهم وهم يطالبون بتغيير المناهج ولغة الخطاب الإعلامي، والسعي الحثيث على تدعيم وتزيين حاملي الفكر المخالف للرأي السائد في مجتمعنا، والعمل على برمجة عقول الشبيبة من البنين وبطبيعة الحال من البنات.. فئة يعتقد هؤلاء أنها العنصر الأضعف اجتماعيا وفكريا، بالتالي هي الفئة الأقدر على تحقيق معادلة التغيير.. هم بسياساتهم تلك يعتقدون أن المجتمع وفي غضون سنوات عدة سيكون مهيأ للانخراط في الحياة العصرية..

والمحزن أنهم في هذا السعي لا يولون الرعاية الكافية للتقدم العلمي ورعاية الموهوبين، وإتاحة الفرصة لاستثمار الثروات البشرية، ولا احترام الملكية العامة على اعتبارها ملكية تتوارثها الأجيال، ولا الأمانة والإخلاص واحترام الوقت والتفاني في العمل، ولا على تحفيز الإبداع العلمي من خلال مؤسساتنا التعليمية والتربوية، بل جل اهتمامهم لا يعدو أمرين الوضع السياسي والاجتماعي، أما ما دون ذلك فهو في حكم المؤجل.. وإلى ما لا نهاية..
وبالتالي كان طبيعيا أن نجد توجهاتهم تتناقض وأقوالهم، ففي حين يشكك أصحابهم ببعض نتائج ديمقراطية سعت لرصد رأي الأغلبية في أماكن عدة في الشرق الأوسط، لا لشيء إلا لكونها خرجت عليهم بنتائج غير مرضية، إذ حملت بين طياتها دعم الأغلبية لما ظن هؤلاء أنه التخلف والرجعية، وبالتالي أصدروا عليها حكما بالإعدام..حكما لا يقبل الاستئناف..

لقد ظلت هذه الجماعة تطالب بالديمقراطية وبرأي الأغلبية حتى أوصلها إيمانها هذا إلى ما لم يكن يخطر لها على بال، أو بما قد خطر لها.. ولكنها تجاهلت وتغاضت عن عمد وإصرار، ففي حين نجدهم يتغنون بالديمقراطية بين وقت وآخر من باب الحرص على مسايرتهم لأطروحة العصر الحالي، نجدهم في حقيقة الأمر الرافضين لتفعيل هذا التوجه، والسبب معروف فالأغلبية لو خيرت بين الاثنين لكان الرفض من نصيب منحاهم.

وعلى أية حال سواء كانت الأغلبية فينا ترى في منهاج الله سبحانه الحق الذي تبتغي، وترى في القرآن الكريم وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام الدستور الذي لا بديل عنه، لتنظيم حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو الوضع المتحقق حاليا وبأغلبية ساحقة ولله الحمد والمنة، أو أنها تغيرت وابتليت بتقليد أعمى والعياذ بالله، ففي كلا الأمرين علينا أن نقر أننا محكومون بشريعة المولى سبحانه لا بشريعة العباد والأهواء، نحن أمة لا تقبل العبودية إلا لله الواحد، أمة استسلمت لله لا لعباده المناهضين لمنهاجه.

ويطيب لي أن أختم هذه السطور بقوله سبحانه: "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون". (سورة المائدة 49-50).
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط