اطبع هذه الصفحة


علاقتنا بالآخر أم علاقة الآخر بنا؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
إذ يفترض ألا يبذل العقلاء منا الغالي والنفيس في سبيل استرضاء الآخرين، في حين يتمادون من جهتهم في صياغة فكر أبنائهم بما يرسخ في أذهانهم العداء للإسلام وتعاليمه وعالمه

كثر الحديث مؤخرا حول صياغة المناهج الدراسية الوطنية لصورة الآخر، وعلى أي الأسس نعتمد في قبوله أو رفضه، هل نقبله بالكلية أم نرفضه بالكلية، أم نتمسك في تعاملنا معه بحق الاختلاف؟..

ومن هذا المنطلق نسمع وبشكل يكاد يكون دوريا أصواتا سعودية تكرر ما قاله بعض المفكرين الغربيين من أن الكتب الدراسية مليئة بالعنصرية والعداء للآخر، ولا أعلم إن كان هذا الادعاء نابعا من دراسة متأنية وموثقة، أم من دراسة متحيزة لكل ما هو مخالف، وكأني بها تقول: خالف تعرف.. إلا أني مع ذلك كله على يقين أن المناهج الدراسية المعتمدة في بلاد ذلك الآخر، وعلى الأغلب مليئة بالعنصرية ضد كل ما هو مسلم وعربي.


ومن هنا نأمل أن تنتهي توصيات الحوار الوطني الخامس، والمعنون "نحن والآخر" والمقرر أن يعقد في " أبها " للمطالبة بإعادة النظر في المتحيز منها، ودعم غيرها مما حرص على الموضوعية في طرح ومعالجة الإسلام وتعاليمه، إذ يفترض ألا يبذل العقلاء منا الغالي والنفيس في سبيل استرضاء الآخرين، في حين يتمادون من جهتهم في صياغة فكر أبنائهم بما يرسخ في أذهانهم العداء للإسلام وتعاليمه وعالمه، الدين الذي يلزم أهله بالاعتراف بالآخر، والتعامل معه بشكل إنساني فاق ما تطالب به المنظمات الإنسانية المعاصرة بتطبيقه، ومن الطبيعي في الوقت نفسه ألا نطالب "الحوار الوطني" بإغفال ما قد نقع فيه من تجاوزات تتعارض وقيمنا الدينية في علاقتنا تلك.

ولكننا نطالب ألا يكون ذلك على حساب التعليم الديني، وألا نجعله كبش الفداء، فنعمل على تعليق أوزار بعضنا عليه، كما نأمل ألا يمس تاريخنا بسوء.. إذ إن بتر بعض حقائقه قد يفقد أبناءنا الارتباط بالجذور، ومن المهم أيضا عدم إغفال الخطورة الكامنة في فئة دفعها إحساسها الذاتي بالنقص للانبهار بالآخر، وبشكل ألغى الدور الإنساني والحضاري لأمة مسلمة حملت وتحمل شعار التوحيد، وتتعايش من خلال تعاليم سامية، وتمكن غيرها من العيش في حوضها بأمن وسلام.
والواقع أننا لا نفهم أيجب أن نرفض الآخر بالكلية أو أن نقبله بالكلية، ألا توجد بيننا مساحات يتوجب علينا التوقف عندها.. والتمسك بها.. والحرص عليها، بل وعدم السماح بمناقشتها، بمعنى آخر هل يتوجب علينا القبول بارتباط الثقافة بالحضارة ارتباطا تلازميا؟ لا أعتقد.. فعلى سبيل المثال ما علاقة التقنية الحديثة بالطريقة التي تختارها للحياة، ثم ما علاقة ذلك بملابسك التي ترتديها، بالأطعمة التي تتناولها، وبعلاقاتك الاجتماعية، وبلغة التخاطب التي تكتب وتفكر بها؟ ثم لماذا عليك إلغاء الفروقات الثقافية لتصبح كمن يرتدي الزي الموحد، صورة طبق الأصل ممن ظن أن تفسيره للحياة هو الأنسب له ولغيره، فعمد لبرمجة وتجنيد من أقبلوا على فكره دون تمحيص للغث من الثمين منه.

إن الثقافات الإنسانية ملك خاص للشعوب، والعمل على إلغائها كالعمل على إفنائها، لذا فهي تدافع عنها أمام من جاء مسفها وملمحا بالاعتداء، هذا حال الشعوب مع ثقافاتها حتى إنسانية المصدر، فكيف بمن حمل ثقافة ربانية إلهية، راعت مصالحه ومصالح غيره، بل راعت مصلحة الحيوان والنبات والبيئة بأسرها..ثقافة هذبت النفوس، وراعت الروح والجسد، ثقافة هي بحق إنسانية النزعة والهدف.
إن الاهتمام بما يدرسه الغرب عن ديننا وعن أمتنا واجب يحتمه علينا إيماننا وانتماؤنا ، كما أن الأبواب لا تكون دائما مقفلة إذ سنجد منهم من يسعى لتصحيح حقائق نمطية فاسدة عن عقيدة التوحيد،والإسلام بجملته.

وسأعمد هنا للإشارة إلى بعض ما انتهت إلى طباعته " دار المعرفة " السعودية، تحت عنوان " صورة العرب والمسلمين " وهو كتاب احتوى على عدة مقالات، وبأقلام عدة، تحكي واقعا يتعايش العرب والمسلمون من خلاله، في مجتمعات شرقية وغربية، صورة تحمل بين طياتها كثيرا من الظلم وكماً هائلا من العنصرية، كما تحمل بعض الأمل في تحسين صورة شوهت عن عمد وعن غير عمد، ولا أدري أنصب اللوم على تلك المجتمعات فقط، أم إن اللوم سيلحق بنا نحن كأمة أهملت التعريف بنفسها، وما زالت إلى اليوم تكتفي بدعم جهود فردية تطوعت لذلك.

ولأن المقام لا يحتمل طرح كل النماذج المطروحة في هذا الكتاب سأتوقف عند صفحاته الأولى، والتي اختارت التحدث عن أمريكا يقول الدكتور أديب خضور: (إن الاستشراق وجد في المناهج الدراسية المقررة على الطلاب الأمريكيين في مراحل التعليم المختلفة وسيلة فعالة لتشكيل وعي الأجيال وتصوير العرب كشعب بدوي مغرم بالغزو والنهب والسلب..والإسلام ديانة غير متسامحة، انتشر بحد السيف فقط!).

ويقول نيكلوس فون هوفمان الصحفي بصحيفة واشنطن بوست: ( لم تشوه سمعة جماعة دينية أو ثقافية أو قومية ويحط من قدرها بشكل مركز ومنظم كما حدث للعرب) كما تقول الباحثة مارفين ونجفيلدا والباحث بشرى كارمان في دراسة لهما بعنوان "المعلمون الأمريكيون والصور النمطية عن العرب": ( إن الطلاب العرب في المدارس الأمريكية يعانون ضغوطا عديدة نابعة من جهل معلميهم وزملائهم بحقيقة المسلمين والعرب وحضارتهم وثقافتهم) وذكر الباحثان أنواعا من الضغوط أذكر منها الآتي:
* يتعلم الطلاب المسلمون والعرب العديد من التصورات الخاطئة عن حضارتهم وعن واقعهم من المقررات الدراسية الخاطئة التي تدرس لهم عن المسلمين والعرب في مدارسهم.
* يعاني الطلاب المسلمون والعرب عداء زملائهم لهم بسبب الأفكار السلبية التي تدرس لهم عن المسلمين والعرب.
* يعاني الطلاب المسلمون العديد من المضايقات والتحرشات من قبل زملائهم.

ولمن أراد الاستزادة بإمكانه الرجوع إلى الكتاب المشار إليه آنفا، والذي سيجده دون شك منصفا، فهو كما يلقي الضوء على سلبيات التعليم المعتمد في أمريكا ودول أوروبا وآسيا في تصوير الإسلام وأهله ومجتمعاته، يتناول التحركات الإيجابية لبعض المنظمات الإنسانية في تلك المجتمعات والهادفة إلى تحسين تلك الصور.
وأخيرا أترككم مع ما ذهب إليه "خلدون جمعة" في الكتاب نفسه، وإن كنت أعتقد بوجوب تعميم قوله على دول أخرى غير مشار إليها انتهجت نفس النهج في حديثها عن الإسلام والعرب، فقد قال: (إن حوار الحضارات لا يمكن أن يصبح مجديا ما لم يعد النظر مجددا في صورة العرب والمسلمين في المناهج الدراسية الغربية عموما، ذلك لأن هذه الصورة السلبية هي إحدى مصادر الوعي الأوروبي وأدواته اللغوية بامتدادها الفكري والثقافي)!.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط