اطبع هذه الصفحة


أحمد الله أننا حنابلة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
إن الغريب في أوضاعنا الاجتماعية، هو وجود رجال ونساء لا يرون غضاضة في مهاجمة أصحاب التوجه السلفي وعلماء الدين، ويعدون فكرهم من أسباب التخلف والرجعية، في حين تراهم.. ممن أقبلوا على التعدد دون غضاضة

إن إبراء الذمة أمام المولى سبحانه هو الدافع الأول للكتابة في موضوع أعتقد أنه مغيب على العامة، لعلي بذلك أستحث علماءنا الأفاضل للتحدث عنه وعن حيثياته.. خاصة أنه يلامس حقاً من حقوق النساء شرعه ديننا الحنيف، حقاً قد تتنازل عنه المرأة طواعية، لكن ذلك لا ينفي أنه حق مشروع من الواجب إطلاعها وذويها عليه، ومن ثم يكون موقفها منه نابعاً من حريتها الشخصية.. لا من أمر واقع لا يحتمل النقاش..
لي فيما يطلق عليه زواج المسيار توجه رافض كرمت بكتابته في مجلة (الإسلام اليوم)عدد (6) ربيع الآخر من هذا العام، وأعلنت من خلاله أن (التعدد) أكرم وأعز للرجل وللمجتمع وللأبناء وبطبيعة الحال للمرأة، من ذلك الارتباط الذي أطلق عليه المسيار..

واليوم وأنا أخط لكم هذه السطور أتوجه للحديث عن تشريع إسلامي آخر يظهر عظم وعدالة ديننا الإسلامي، الذي راعى ويراعي طبيعة الإنسان سواء كان ذكرا أو أنثى واختلاف قدراتهما، تشريع يضمن حق المرأة في اشتراطها على زوجها عدم الزواج عليها، بل ويضمن حق من اشترطت هذا الشرط اللجوء للقضاء لمنع إتمام ارتباط زوجها بغيرها..

لا يمكن الادعاء بإجماع الفقهاء على جواز اشتراط المرأة بعدم الزواج عليها، إلا أن المجيزين لهذا الشرط وللوفاء به كثر، أذكر منهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أمثال عمر بن الخطاب، عبدالله بن مسعود، سعد بن أبي وقاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وهو المنقول عن كثير من الفقهاء التابعين أمثال شريح القاضي، وعمر بن عبدالعزيز، وسعيد بن جبير، والأوزاعي، وآخرين من فقهاء التابعين ومن بعدهم، منهم الإمام أحمد بن حنبل، وأصحابه وعامة فقهاء المذهب الحنبلي، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.. وتلميذه ابن القيم، كما أشار الإمام البخاري إلى جواز هذا الشرط، وبعض فقهاء الحنفية كالعيني الذي قال: (إن بعض المتأخرين من الفقهاء استحسن هذا الشرط..) تغمدهم الله جميعا بواسع رحمته..
إن فقهاء الحنابلة وغيرهم يقرون أن الرجل الذي التزم بهذا الشرط أسقط حقه بالتعدد، وامتنع بذلك طواعية عن الارتباط بغير زوجته، مختارا لأحب الأمرين إليه، وهو صحبة الزوجة، وإن لم يف بشرطه كان لها طلب الفسخ..

كما أكد المجيزون لهذا الشرط جواز اشتراط الرجل على نفسه عدم الاقتران بغيرها لا على سبيل النكاح أو التسري ترغيبا لها في قبوله زوجا، وفي هذه الحالة - أيضا- يجوز لها - إن لم يفعل - طلب فسخ العقد، كما أن لها وحدها وفي كل الأحوال- إن شاءت- الحق في إسقاط هذا الشرط عنه.
لقد مال كثير من الحنابلة وغيرهم ليس فقط إلى وجوب وفاء الزوج بهذا الشرط بل إن للحاكم أن يجبر الزوج على الوفاء به، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) رواه الشيخان.
إذ من حق الزوجة في حالة توجه الزوج لعدم الالتزام بالشرط السعي للحيلولة بينه وبين مخالفته للشرط، ولو بلجوئها للقضاء، هذا ما أشار إليه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (إن الزوج يجبر على الوفاء بالشرط) كما نقل عن ابن تيمية رحمه الله قوله: (إن الحاكم يجبر الزوج على الوفاء بهذا الشرط).
فمن المعلوم أن الناس إذا عجزوا عن استيفاء حقوقهم وشروطهم بأنفسهم عن تراض، كان من حقهم اللجوء إلى القضاء، وبالتالي فلا ضير لو لجأت المرأة للقضاء لإلزام الزوج بالشرط الذي قبله طوعا عند عقد نكاحه بها.

أما ابن القيم رحمه الله فيؤكد أن وجوب تنفيذ هذا الشرط قد لا يستلزم التلفظ به، فيقول: (لو فرض أن الزوجة كانت من بيت لا يتزوج الرجل على نسائهم، ولا يمكّن من ذلك، وعادتهم مستمرة بذلك، كان كالمشروط لفظا، وكذلك لو كانت ممن يعلم أنها لا يمكن إدخال الضرة عليها عادة، لشرفها وحسبها.. كان ترك التزوج عليها كالمشروط لفظا). هذه المعلومات وغيرها، ستجدها قد ضمت بين دفتي كتاب (حق المرأة في اشتراط عدم الزواج عليها).. للأستاذ الدكتور حسن عبد الغني أبو غدة.. كتاب أنصح بالاطلاع عليه.

إننا كمسلمين نرى التعدد مباحاً ولا نقبل بقوانين توقف التعامل به كتشريع إسلامي سامٍ، ولكننا في واقع الأمر وكمجتمع تهاونَّا تجاه من أغفل الحقوق المترتبة على تطبيقه، آخذا العنوان وغافلا عن المضمون، تاركا خلفه بيوتاً هجرتها المودة والرحمة، وغلفت جدرانها بكرهٍ متنامٍ راسخ، كما سكتنا عن حق المرأة المسلمة في قبول أو رفض تعدد زوجها، حتى أصبح الحديث عن هذا الحق أمام العوام كالحديث عن البدع..هذا الجهل أو التجاهل.. يستلزم تدخل علمائنا وفقهائنا الأفاضل لعلهم يصلحون مساره بحول الله.. إذ إن تركه لغير أهله من الخطورة بمكان..
إن الغريب في أوضاعنا الاجتماعية، هو وجود رجال ونساء لا يرون غضاضة في مهاجمة أصحاب التوجه السلفي وعلماء الدين، ويسعون جاهدين لتشويه وإخماد أصواتهم، ويعدون فكرهم من أسباب التخلف والرجعية، في حين تراهم رجالاً أو نساء.. ممن أقبلوا على التعدد دون غضاضة، ولا أعرف كيف جاز لهم التعدد دون غيره من التشريعات الإسلامية، التي تطرقوا إلى معظمها بالغمز أو اللمز.

لو فرض أننا أجرينا إحصائيات عن توجه المعددين في المجتمعات الإسلامية فسنفاجأ بلا أدنى شك بالنتيجة، إذ سنجد أن القلة راعت الله سبحانه في تعددها، كما أن عدداً لا يستهان به ممن توجه للتعدد يخالف إن لم يكن يعادي التعاليم الإسلامية سواء الأخلاقية والاجتماعية منها أو الاقتصادية أو حتى السياسية..
كامرأة أحمد الله أني حنبلية.. وكمجتمع أحمد الله أننا حنابلة

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط