اطبع هذه الصفحة


لنصغ تاريخنا بأيدينا

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
أغلب المصنفات الجادة التي تتطرق لسياسة المملكة الخارجية والداخلية منها، كتبت بأقلام غير وطنية، ولشخصيات تأثرت في تعاطيها لهذا الشأن بالموروث الثقافي الغربي، ومن هنا كان تناولها لقضايانا الداخلية والخارجية من جوانب تخدم ذلك الموروث بشكل أو بآخر

عندما كنت أتابع حديث الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة في أمريكا، حول جوانب مضيئة وغير معلنة في سياسة البلاد خلال عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، توقفت عند أهمية أن يفسح المجال للنظر ودراسة الوثائق الحكومية الخارجية منها والداخلية، سواء ما هو معلن عنها، أو ما صنفت- في حينها- على أنها سرية، فالموازين السرية قد تختلف مع الزمن من حيث التقييم السياسي، إلا أن للتاريخ مقاييس أخرى ليس لنا الحق في تجاهلها، فما يعد اليوم في غاية السرية في العرف السياسي، قد يراه العالم بعد عقود أمراً معلوماً بالضرورة..

أن نبادر نحن بصياغة تاريخنا أفضل من أن نترك الأمر للآخرين، الذين قد لا يتورعون عن تزييف حقائقه مراعاة لمصالحهم الوطنية أو الفكرية، ولأن صياغة التاريخ لن تتحقق بمتابعة الأخبار المعلنة بل بدراسة السياسات الوطنية بجميع أبعادها الداخلية منها والخارجية والتي تتم عادة خلف الأبواب المغلقة، كان لزاما أن تطرح فكرة عرض الممكن من هذه الوثائق على العامة من الباحثين والدارسين..

إن أغلب المصنفات الجادة التي تتطرق لسياسة المملكة الخارجية والداخلية منها، كتبت بأقلام غير وطنية، ولشخصيات تأثرت في تعاطيها لهذا الشأن بالموروث الثقافي الغربي الذي يعد في مجمله مجحفاً في نظرته للشرق الأوسط، ومن هنا كان تناولها لقضايانا الداخلية والخارجية من جوانب تخدم ذلك الموروث بشكل أو بآخر..بل إن استنادها في دراستها لتاريخنا الحديث على وثائق حكومية مطروحة للعامة في بعض دول العالم لا يخدم الواقع السعودي بالشكل اللائق إذ إنها قد تكون مشوهة أو منقوصة راعت في ظهورها مصالحها القومية، وعليه كان الواجب الوطني يحتم علينا فتح المجال للدارسين والباحثين للاطلاع على الوثائق الحكومية التي بقيت طي الكتمان لسنوات، خاصة ما تعلق منها بقضايا استراتيجية لامست أمن البلاد واستقراره..

بقي لي أن أعلق على ما كشفه الأمير بندر بن سلطان في حديثه عن الموقف الحازم للملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله إزاء رفض الولايات المتحدة لطلب شراء صواريخ (لانس) بمدى 75 ميلا تقدمت به المملكة، مراعاة منها لخاطر اللوبي الصهيوني الأمريكي الضاغط تجاه منع إيصال أمثال هذه التقنية الحربية للمملكة العربية السعودية ولغيرها من دول العالم الإسلامي والعربي، لقد بين لنا الأمير بندر بن سلطان أن الأوامر صدرت له من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله للتوجه فورا للصين لشراء صواريخ صينية الصنع بمدى (1600) ميل، ولتحصل المملكة والله الحمد على صواريخ صينية تفوق في قدراتها العسكرية ما كانت تتطلع لشرائه من الولايات المتحدة..

إن ما دفعني للحديث عن هذا الموقف دون غيره في سياسة المملكة العربية السعودية هو اطلاعي على جوانب أخرى تتعلق به، تستحق الإشارة إليها، فلقد استشاط الاحتلال الصهيوني غضبا من جراء موافقة الصين على بيع هذه الصواريخ للمملكة العربية السعودية، وطالب الولايات المتحدة الأمريكية بممارسة الضغوط على الصين لإلغاء هذه الصفقة، وكان طبيعيا أن تبادر أمريكا لتلبية مطالبات ابنتها المدللة إسرائيل، ولتفاجأ وهي في خضم ذلك بما لم يكن بالحسبان إذ اكتشفت أن نظام توجيه الصواريخ الصينية وضع من قبل فريق فنيين إسرائيليين كانوا يعملون في (بكين) بتوجيه من حكومتهم، كما اكتشفت في الوقت نفسه أن بعض التكنولوجيا الأمريكية التي سبق أن منحت لإسرائيل مجانا، بيعت من قبل إسرائيل للصين عدو أمريكا التقليدي، والتي بدورها استخدمت لتحسين أداء الصواريخ الوطنية..

لم يكن غريبا أن تحصل المملكة العربية السعودية على صواريخ أكثر فاعلية جراء رفض أمريكا إتمام صفقة بيع تلك الصواريخ، ولم يكن غريبا أن تقبل الصين على هذا التعاون مع المملكة العربية السعودية، ولكن الغريب أن تنتهي هذه الصفقة بوقوف أمريكا على خيانة الكيان الصهيوني الذي ما فتئت تستنصره ولو على حساب مصالحها الوطنية.. الغريب أنها ما زالت إلى يومنا هذا على ولائها له مع خيانته..
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط