اطبع هذه الصفحة


رفيقة الـروح

د. رقية بنت محمد المحارب


أرسلت لي إحدى الأخوات ـ عبر مجلة "الدعوة" الصادرة في 15صفر 1424هـ ـ رسالة تشكو فيها حالها مع زوجها، وهذا نصها:
"ترددت كثيراً في الكتابة لمجلتي الحبيبة "الدعوة" كلما اشتد حزني وبكيت وددت لو شق القلم عن قلبي وسطر لكم ما فيه.. حتى فت الحزن في قلبي هذه المرة وتأثرت حالتي النفسية، وقطع الحزن ترددي بسيف من العزم.. فأمسكت قلمي لأبثكم الشكوى وأنتم إخواني في الله.
أتمنى أن تمنحوني شيئاً من وقتكم لتسمعوا شكواي وتنقدوني من حيرتي.
أنا فتاة تزوجت من رجل لا يعرف أنه مخطئ أبداً، أو ربما يعرف ولكنه لا يعترف، بل لا يعرف الاعتذار ولا تطبيب الخواطر ولو بكلمة أو هدية..
إنه يجرح و لكنه لا يداوي أبداً.. يترك جرحي ينزف ثم يزيد الجرح نزفاً بجرح آخر.
أظل أياماً حزينة وعاتبة ولا أكلمه، ولكنه أبداً على مدى ثماني سنين لا يعتذر أو يطيب خاطري على الرغم من أنه المخطئ.. أتساءل كثيراً هل أنا مذنبة وعليَّ السخط من الله رغم أنني لست المخطئة عليه.. أتذكر كثيراً حينما أخاصمه أو أهجره أياماً بأنه زوجي الذي له حق عظيم علي.. انه جنتي وناري.. أن لعنة الله وملائكته ستحل علي لو بات وهو غضبان عليََ.. أتذكر الهجر وأنه لا يحل لمسلم هجر أخاه فوق ثلاث.. أتذكر البشرى للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس أتذكر انه رجل وأن الله يحب الرجال وفضلهم علينا.. انظر إليه وهو يغط هانئا في سبات عميق فأغبطه فلا شئ يقلق رقاده فهو يرى بأنه المفضل عند الله وأن حقه هو الحق العظيم يا ترى ما الذي يخشاه لو بتُ أنا غاضبة؟! أيخشى لعنة الله كما نخشاها نحن النساء؟! أيخشى حقي العظيم عليه؟! كلا لا شئ من ذلك.. كل ذلك يدفعني لأعود إليه مرة أخرى وأنا اخفي دموعي واكتم لهيب القهر والإحساس بالظلم والذل في قلبي.. نعم أعود إليه ولكنها ليست عودة الرضا والحب وإما خوفاً من الله واحتساباً للأجر أعود وجرحي في قلبي ما يزال نازفاً.. ولكن يبدو أن الكأس تفيض عند امتلائها.. وهو ما شعرت به قبل شهر ونصف أي في منتصف شهر ذي القعدة حين تخاصمت معه لإهماله حق أحد أبنائه في العلاج فهجرته في الحديث تماماً. وبدأت كالعادة تلك الخواطر والأفكار تراودني وكلما راودتني خاطرة لطمتها بقوة حتى تبتعد عن طريقي لكني بدأت أتساءل ما الذي جرى؟! اهو ضعف الإيمان في قلبي وضعف الخوف من الله؟! اهو مخزوني من الصبر قد نفد؟! لا أدري.. لكن الشيء الذي هربت إليه هو الدعاء أصبحت أبكي كلما سجدت و أدعو الله بقولي يارب ارحمني ولو كنت امرأة وهو الرجل الذي تحبه والمفضل عليَ ذو الحق العظيم.. كنت أتساءل بحيرة شديدة: يارب هل ينبغي أن أهان وأذل وأظلم لأني امرأة؟! أتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "نساءكم من أهل الجنة الودود الولود العؤاد على زوجها والتي إذا آذت أو أوذيت وضعت يدها في يده وقالت لا أذوق غمضاً حتى ترضى".
إن دخول الجنة مطلبي وهو ما كافحت وصبرت عليه على مدى ثماني سنين ولكن ماذا أفعل بقلبي الذي مرض ونفسيتي التي تعبت.
أحبتي:
أكتب سطوري هذه وأنا مقاطعة لزوجي منذ شهر ونصف فما عدت تلك الزوجة التي تعود سريعاً وهو الرجل الذي ما عاد يوماً ولا اعتذر.
اكتب سطوري هذه وأنا لا أنتظر منكم حلاً لمشكلتي مع زوجي وإنما إجابة لتساؤلي هذا.. أنقذوني من لجج الحيرة والضياع... أنقذيني بإجابة نسائية فلعل دعوة بعدها تصلك مني ولا تنقطع".

أسيرة الحزن
أم هشام


أختي الكريمة رفيقة الروح وليس أسيرة الحزن:
قرأت رسالتك وحزنت لحزنك وتألمت للألم الذي يعتصر قلبك، ولمست عقلاً دلَّ عليه عباراتك المتزنة الهادئة، وحمدت الله أنك تبحثين عن حل وتستشيرين، وهذا علامة التوفيق بإذن الله.
أختي العزيزة: أشكرك على حسن ظنك، حيث تطلبين مني كلمات حول هذا الموضوع، والموضوع يحتاج إلى اختصاصيين في الشؤون النفسية والاجتماعية، ولكنني سأدلي بدلوي حول هذا الأمر، لعلَّ الله أن ييسر أمرك، مع وصيتي لكِ باستشارة أخريات متخصصات في الشؤون الزوجية.
أولاً: لا أتفق معك أنَّ الله يحب الرجال، بل يحب المؤمنين من رجال ونساء، ويبغض الكافرين من رجال ونساء، وتفضيل الرجل على المرأة ليس في مجال الأجر أو المنزلة عند الله، فالله جلَّ وعزّ يقول: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
بل التفضيل في القوة وصفات أخرى طبيعية، يعني أنَّ الرجل أقوى في خلقه من المرأة في التحمل وقلة التأثر السريع بالعاطفة، وهذا على الجملة؛ لذا كان له عليها درجة في القيادة والولاية، لما دلَّ عليه قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } .
قال ابن كثير: "ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال والملك الأعظم بقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة" (رواه البخاري من حديث عبدالرحمن بن أبي بكر عن أبيه، وكذا منصب القضاء وغير ذلك).
وله عليها الطاعة في المعروف، وعليه الإحسان إليها والرفق بها.. وهذه المعاني مجملة عامة قد ترى المرأة أنها أدتها، ولكن الرجل لا يراها كذلك، وقد يرى الرجل أنه يحسن لها ويرفق بها وهي ترى ذلك، ولذا فهي لا تبرح تعتب عليه وتشكوه، ولا يرى هو مبرراً لذلك، وأرى أنَّ السبب في عدم المعرفة من كليهما بما له وما عليه قلة الكلام بينهما حول طبيعة علاقاتهما، ولا أبالغ إن قلت إنَّ كثيراً من الأزواج والزوجات لا يخصصون جزءاً من أوقاتهم للحديث حول تاريخ زواجهما والمحطات الجميلة في مسيرتهما، ومن هنا تكون العلاقة جافة لا يمكن أن تصمد أمام متغيرات الحياة الطبيعية، وقد وقفت على حالات بين أزواج كان الحوار بينهما مستمراً والتفاهم دائماً، وقعت مشكلات كبيرة تمَّ التعامل معها بيسر وسهولة، وهذا لا يأتي في يوم وليلة، بل لا بدَّ من تاريخ من اللغة المشتركة والتعبير عن المشاعر الحقيقية التي لا تكون حباً بالضرورة، وإنما عتاباً على موقف أو كلمة أو تصرف.. والمشاعر المكبوتة لا تموت، بل تتراكم حتى تأتي اللحظة التي تنفجر فيها ويصعب حينئذٍ الإصلاح..

ثانياً: في هذا الزمان تعقدت الحياة بين الزوجين، فلم يعد يقنع الرجل من زوجته بشيء، كما لم تعد المرأة تعذر الرجل كما يرغب، وأرى أنَّ السبب في ذلك يعود لاستغناء النساء في كثير من شؤونهن عن أزواجهن، فهي ترى أنها أصبحت نداً له لأنها شريك في النفقة والبيت مثلاً.. وهو أصبح يتطلَّع إلى مزيد من الجمال والمعاملة اللطيفة والمجاملة. ووقت المرأة اليوم ليس كالسابق، فهي تعمل، ومعنى هذا أنها تخرج صباحاً ولا تعود إلا بعد الظهر متعبة تحتاج إلى الراحة ثم تنصرف إلى شؤون أولادها التي لا تنتهي، وربما لا يساعد المرأة على ذلك بكثرة تحطيمها ورفض التجديد في حياتها، وعدم قيامه حتى بشراء متطلبات البيت، فالمرأة هي كل شيء وللأسف، وهذا بسبب قلة الحوار وانعدام التعبير عن المشاعر الإيجابية بكل صراحة، مع الاكتفاء بإبداء المشاعر السلبية

ثالثاً: أرى أنَّ المؤسسات المعنية بالأسرة نادرة أو قليلة على أقل تقدير، والمؤسسات التي تقدم الخدمات الاجتماعية كذلك، لذا فلا أحد يحمل على عاتقه تثقيف الرجل والمرأة بمسؤولياتهما وطريقة تعاملهما مع بعضهما وفقاً لتطور الحياة وتعقيدها، بل وقليلات من النساء اللائي يبحثن عن التأهيل للحياة الزوجية، فإذا وقع الفأس في الرأس وفسدت العلاقة بينهما بدأت تبحث عن حلول، وربما يكون التفكير في الحل جاء متأخراً.
لذا فأنصح الأخوات والسائلة خصوصاً أن يلتحقن بدورات تعيد التأهيل، مثل "تجديد الحياة الزوجية" "فهم النفسيات" "احتواء المشكلات الزوجية" إلى غير ذلك، وتبذل الوقت في ذلك لأنها تجنبها بإذن الله كثيراً من المشكلات، وليكن ذلك عاجلاً.

رابعاً: لتعلم أختي الكريمة والنساء أجمع أنَّ الحياة لا يمكن أن تسير بلا تنازلات، وأنَّ الحياة بلا حب ولو بنسبة معقولة لا يمكن أن تستمر، ولذا فعلينا أن نفكر بالأهداف والأسس، ونتجاوز الفروع والهوامش.. وأستطيع أن أقول إنَّ المرأة الذكية هي التي تستطيع أن تدير زوجها دون أن يشعر.. ومتى شعر بذلك استعصى عليها ووقعت ضحية السطحية وثقافة خذ وهات، ولم تفلح محاولاتها الدائبة في تغيير نمط تفكيره.. والمرأة كذلك تستطيع أن تجعل من الخطأ الصغير كبيراً، والكبير صغيراً، كما أنَّها قادرة على إيجاد الحلول لكل مشكلاتها، فمثلاً كثير من الأزواج بطبيعته كسول لا يمكن أن يذهب لشراء متطلبات المنزل الأساسية أو إصلاح الكهرباء أو غير ذلك، فهل يحصل الطلاق بسبب هذا؟ أم أنَّ المرأة تحتاج إلى التفكير في بدائل تحقق المقصود؛ خاصة في هذا الزمن الذي تيسرت فيه الأمور في الغالب.. تحتاج المرأة إلى الموازنة بين المفسدتين، وتختار أقل الأمرين، وفي الوقت ذاته تحاول الإيحاء لزوجها بواجباته في أوقات الرخاء وتحسن الكلام وتكثر من مدحه، فلربما يتأثر ويصلح حاله.. وأنا هنا في خطابي للمرأة أطالبها دائماً بالتنازل، ولكنني عندما أوجه حديثي للرجل يختلف الحال وأطالبه أيضاً بأن يكون عاقلاً حكيماً مدركاً لواجباته.. المقام هنا هو الحديث مع النساء.. والمشاهد اليوم أنَّ النساء كما الرجال بحاجة ماسة إلى مهارات التعامل وطرق كسب الناس وتعلم وسائل الإقناع، وهذه كلها تحتاج إلى جهد، والحياة الزوجية الطيبة تستحق بذل هذا الجهد وأكثر..

خامساً: لا أستطيع أن أفصح عن كل ما يمكن أن يسعدك في حياتك على ملأ، فأحتاج حديثاً خاصاً بالنساء، وعليهن أن يبقين هذا الحديث خاصاً؛ لأنَّ معرفة الرجل به تجعله بادراً تجاهه، وبإمكانك مراجعة الكتب المفيدة في هذا المجال، أو الالتحاق بالدورات التي تعالج هذه الموضوعات كما قلت سابقاً.

سادساً: يبدو لي من رسالتك أنَّ زوجك لا يقوم بدوره، بدليل أنه رفض الذهاب لعلاج أحد أبنائه، وهو ما يثير لديَّ علامات استفهام.. هل لأنه لا يرى أنَّ ابنه بحاجة إلى علاج لأنَّ الأمر هين مثلاً؟ أم أنه يريد أن يذهب به في وقت آخر، أو أنَّ أسلوبك معه أدى به إلى هذا الموقف؟

سابعاً: قرأنا مشاعرك ولكننا لا نعلم رأي زوجك في هذا الموضوع، فربما نسمع أموراً من تقصيرك تجاهه أو نوعاً من الشدة في الكلام عند حدوث اختلاف في وجهات النظر أو عدم تقديره.. لا ندري رغم أنَّ رسالتك تقول العكس، ولكن الإنسان عندما يتحدث عن نفسه فإنه أحياناً قد يبالغ وصولاً إلى تبرئة نفسه وتقوية حجته، لذا فإنَّ من الضروري السماع من الطرفين، ولذا أقدم توصيات عامة لما يجب أن تكون عليه العلاقة بينكما.

ثامناً: لا تنسي أنَّ الحياة تحتاج إلى صبر واحتساب، فاحتسبي في تضحيتك وارضي بواقعك مع العمل على بذل الأسباب في تغييره، واقنعي برزقك ونصيبك تكوني أسعد الناس، وليست هذه دعوة للتواكل، ولكنها وصية مهمة حتى تستقر النفس وتقبل على العمل الجاد، وهذا جزء من العلاج، وأعتذر في النهاية عن تأخري في الرد.

أسأل الله أن يصلح بينك وبين زوجك، ويعينكما على نفسيكا، ويؤلف بين قلبيكما.
لا تنسي أنَّ الحياة تحتاج إلى صبر واحتساب، فاحتسبي في تضحيتك وارضي عن واقعك ورزقك ونصيبك تكوني أسعد الناس.
أسأل الله أن يولف بينك وبين زوجك ويعينكما على أنفسكما.
وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.

المصدر : لها أون لاين
 

د.رقيه المحارب
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط