اطبع هذه الصفحة


لا تحسبوه شراً لكم

د. رقية بنت محمد المحارب


في عام 1411 للهجرة جاءتني إحدى الفتيات من قسم اللغة الإنجليزية وقد لملمت شعرها الذي كان يصعب أن يجتمع لقصره، ولكنها اجتهدت في جمعه، وكانت قصتها تحمل ندماً وأسفاً كبيرين على حالها، وانطلاقها في طريق التقليد المحموم دون شعور.. وكأنما أفاقت بعد صدمة.. ما هذه الصدمة يا ترى..؟

إنها انطلاق ثلة من نساء بلدهن يطالبن بقيادة السيارة.. وقد انفعلت بعضهن وخلعت الحجاب.. تقول الفتاة: لم أكن أتصور أن تصل بهن الجرأة لهذه الدرجة.. وأدركتُ الآن أنَّ القضية أكبر ممَّا نتصوَّر.

وفي عام 1424هـ وللأسف على مشارف شهر الحج اجتمعت بعض النساء تحت شعار النمو الاقتصادي وسيدات الأعمال وإشراك المرأة.. وهلم جراً من الشعارات.. فما رأينا إلا الصور المزرية.. اختلاط.. سفور.. خروج بالمنتدى عن إطاره الرسمي إلى إطار لا يمثل إلا تطلعات مشوهة لا تمثل رأي المجتمع السعودي المحافظ، بل والمتدين في أغلب أحواله.

والدليل على أنَّه خرج عن إطاره الرسمي له؛ هذه الهبة المباركة وبيان سماحة المفتي وتصريحات كثير من العقلاء، أمثال الأستاذ الفاضل عبدالرحمن بن علي الجريسي، رئيس مجلس الغرف السعودية، وقد تابعنا تصريحه وتلقيناه بكل الفخر والسرور حيث قال إن نساء الأعمال اللاتي شاركن في المنتدى بهذه الطريقة المرفوضة لا يمثلن المجتمع السعودي بل يمثلن أنفسهن، وبيَّن أن الموسيقى الصاخبة التي بدأ بها المنظمون كانطلاقة لفعاليات المنتدى أساءت كذلك، وتسببت في ألم لدى الحضور، بحكم أن عقده جاء على بوابة مكة المكرمة، الأمر الذي يجب أن تراعى فيه الخصوصية الدينية.

نعم صدمنا.. وصدمنا كثيراً بهذه الطلة المستهجنة من بعض النساء، لا سيما ما نُشر في جريدة عكاظ.. ولكن جزى الله النوائب كل خير.. تحققت لنا جملة من الفوائد، فقد اجتمعت الكلمة من جميع طبقات المجت مع على النفرة من هذا التصرف والامتعاض من أهله.. وصار واضحاً المقصود من وراء الكثير من المقالات التي تشعر النساء بأنهنَّ مظلومات.. مقصيات.. معطلات.. غير فاعلات.. إلخ من عبارات غسيل الدماغ، إن هي إلا إرجاف، ودفع بعجلة شوهاء لا تبلغ بصاحبها مراده، وإنما تجعل الراكبين في المركبة يبحثون عن بديل.

وجمعت أولي العقول والنهى مع علمائهم ليقفوا سداً في وجه هذه الفتنة، فصدر بيان سماحة المفتى، وتنفسنا الصعداء، فقد نمنا تلك الليلة قريرات العيون؛ لأننا شعرنا بأننا ما زلنا بخير، ولكننا لن يهنأ لنا بال حتى نرى كل من في قلبه مرض لا يجد له في هذه الأرض الطيبة مكاناً.

وحرَّكت هذه الخطوة الكثيرين والكثيرات ليدركوا الخطر، ولينذروا قومهم مغبة الركون وترك أهل الفساد يسرحون ويمرحون ويخططون ليفاجؤونا بمثل هذه التصرفات الحمقاء..

وجعلتنا نتساءل: كيف نسيغ لأنفسنا ـ ونحن مسلمون ـ الرجوع إلى الصهاينة ليدلونا على ما يصلح مجتمعنا وما لا يصلح له؟!

فكيف يرضى المجتمع المسلم بأن يقف "كلينتون" على بوابة مكة ليقول.. "لو كان محمداً حياً لأذن لزوجته بأن تقود السيارة.." فهل أفتانا؟ وإذا كان من حضر المنتدى وصفق لهذه الكلمة رضي بها، هل هو بحاجة للحكم الذي يبيح له؟
صحيح أننا نركب الطائرة من الصنع الأمريكي، ونتداوى بالعلاج من الصنع الأمريكي.. وتسقط القنابل على إخواننا في العراق وأفغانستان من الصنع الأمريكي.. ولكن أن تصنع لنا الفتاوى من الإدارة الأمريكية، فهذا غاية في الذل والفساد العقلي، والتبعية المتناهية وفقدان الهوية!!

إنَّ هذا الحدث لهو البداية لنا جميعاً، فلا تحسبوه شراً لكم، بل هو خير لكم؛ لأننا يجب أن نشهد بعده انطلاقة لترتيب صفوفنا والذود عن ديننا والاستعداد لهذه الهجمات التي رسمتها أمريكا وبدأت تمارس دورها في إرهابنا فكرياً واجتماعياً، وهو بداية انكشاف المنافقين.

وهي فرصة لكسب الأجر والصعود في سلم المجاهدة والبذل، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة، وورثة الرسل، والقائمون به أفراد من العالم، والمشاركون فيه، والمعاونون عليه، إن كانوا هم الأقل عدداً، فهم الأعظمون عند الله قدراً" (زاد المعاد 3/5).

وفي هذا الصدد فإننا نحمل قضية أخواتنا المظلومات في الدول العلمانية، واللائي يُحرمن من أدنى حقوقهن، كحقها في التعليم.. فأين هؤلاء المتبجحون بحقوق المرأة، وأين الحريصون على الحريات الشخصية؟ لماذا لا يتوجهون بخطابات استنكار لتلك الدول التي تمنع المرأة أدنى حقوقها؟

من هذا الحدث، اتضح لنا أننا بحاجة إلى المتخصصات في كل جانب من جوانب الحياة والحاملات للهوية الإسلامية، فليس صعباً أن تكون المرأة المحتشمة بنقابها استشارية في الجراحة، ولا مستحيل أن تكون اقتصادية ولا سيدة أعمال.. ولكن المستحيل أن تعيش سعيدة وقد نبذت شريعة الإسلام وراء ظهرها.

المصدر : لها أون لاين
 

د.رقيه المحارب
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط