اطبع هذه الصفحة


أنت حبيبي (1)

صباح نوري محمد الضامن
شبكة المسك الإسلامية النسائية


بسم الله الرحمن الرحيم

 
في مستهل نثر عنك يا حبيبي أتقدم باستئذان من حبيبتي الأولى , أمي ,
يا حبيبتي ملأت صحافي عنك وتكلم قلمي بأغاريد فرحة كعمري معك , وما تركت غيمة إلا وحملتها قطرا من مدادي لتنسكب في أرضك وعلى خطوك لعلي أفيك حقك وأظن أني مقصرة .
ولكني هذه المرة ومع تقصيري معك سأحول البوصلة الوجدانية قليلا لترتفع بنبض يصل إلى حبيبك وحبيبي .. أبي
إليك , أحس بقلبي يبتسم , وعيني تدمع , وعمري كله يكتب سطوره بصور ماض كان وكنت معي فيه .
إليك أبي فوالله ما وفيتك حقك
سأكتب عنك , خلقك , حنانك , رعايتك , عزتك , أنفتك , رقتك , إيمانك
سأكتب عنك يا أبتي , في كل سويعة جمعتنا ما وعيت قيمتها وأثرها إلا لما رأيت في مرآتي خطوط زمن كتبت أنت بريشتك العفوية تفاصيلها لتكون لي معلما وهاديا .
أبتي , كسبت لما احتويتني بحنانك فسجادتي صارت تترنم لما أدعو لك بهمس ويوم تنسيني الدنيا أراها بقلب الشعور تعاتبني , أين دعاؤك لحبيبك أين ؟؟ فإذا بذكراك تحتل كياني فأدعو لك .
كسبت أبي بطيبتك , أنا كنزك الذي أقمت الجدار له لأغرف منه الآن عبارات حب لك .
هذه تقدمة يا حبيبي يا أبي فاقبلها لأكتب بين الفينة والأخرى كلما حن القلم ودنا من ورقي بعض منك وعنك ولك ....
 



1
حول الموقد


النار الدافئة تجعل من ليالي الشتاء رفيقا محتملا , وقصص أبي الأسطورية تجعل من برودة الفكر موقدا للخيال تحترق فيه الجمل لتخرج دفئا يبقى أثره .
أجمل مكان كان عندي حضنك , أجلس فيه وأنت تحرك بملقط الحديد جمر النار وتحدثنا عن أبي نواس وأبي زيد الهلالي وتروي لنا كيف حفظت المعلقات ..
الآن , والشتاء يمكث في حجراتنا وعلى أبوابنا
الآن وعواصف تكمن مختبئة وراء أسوارنا
الآن والموقد خال منك يا أحب الناس , أتساءل أتراك يا أبي كنت تحب أن أجلس في حضنك لتروي لي القصص ؟؟ فقد كنت أسابق الريح حتى أفوز بهذه الجلسة وأشتم رائحة القهوة التي تحتسيها ..وأنتظر قبلة المساء على جبيني لما يكون النوم هادم الجلسة حول الموقد .
الآن أتذكرها وأثرها في جبيني لا زالت تذكرني أن أبعث لك بين كل سجدتين دعوة مشرقة بدفء حضنك ..
أبي أدفأت أيامي , وموقد بيتك أشعل بداخلي عطاء دافئا أنت منشئه ..
لله درك ويرحمك الله
 



2
أرضك


كل شيء في مساحات الحب مباح , وحب أبي لأمي لم يكن إلا مساحة امتدت جغرافية بلا حدود , وانتهت بتاريخ عرفني معنى الحب العميق المؤثر المتفاني .
يعمل بساعده في أرض الغير , وأرض أمي تمتد كلؤلؤة في بحر يهاب الغوص فيه ..
- لم وأرضي ملكك ؟
- أرضك لك ولا تدوسها قدماي فأنا عزيز بساعدي
حوار طالما دار بين المحبين أبي وأمي
أبي لم أفقه أبدا سر عزوفك عن أرض أمي إلا لما كبرت مساحات فهمي لأعلم حقيقة شاسعة الوضوح .
كم كنت تحب أمي وتريدها أن تحبك بما عندك
آه يا أعظم الرجال , أتراك تسمع وقع عزفي عنك الآن بترنيمة فيها رونق الإعجاب وارتفاع الهامة لما أذكرك .
كثير منا يرتفع بعلم أبيه ومال أبيه وجاه أبيه
وأنا ارتفعت وتعلمت بعزة أبي ,
يا من جعلت في قرارة نفسي فهما لاحترام الذات والاعتماد على النفس .
لله درك ويرحمك الله
 



3
سؤدد


هل يمكن لطفلة في الحادية عشرة من عمرها أن تعرف معنى كلمة سؤدد ؟
أبي يرحمه الله اول من أخرج هذه الكلمة من ثقافته إلى ورقي الغض في مدرستي .
عندما تسترجع امرأة في الستين مثلي لها بعض من جولات في الكتابة , عندما تسترجع صوت وقع أقدامها في عالم المعرفة الكلمي لا بد وأن يكون هناك من بذر في قاموسها الحروف ورواها لتخضر جملا مستقبلية .. ولا ألوم إلا نفسي إن لم تكن يا أبي أول من أصنع له هذه الشهادة .
نعم , السؤدد كلمة كتبتها أنا وأنت في موضوع انشائي لا زلت أذكره تحدثت معي فيها عن الفرحة في الدنيا كيف تكون ..
أبي لو أني أعرف يا من لم يكمل تعليمه من أين أتيت بكل هذه الثقافة ؟ كيف كنا نباريك في الشعر وتفوقنا , كيف ؟
كأن كلمة السؤدد كانت عنوانا متفردا لكتاب حياتي , فلولا أنك زرعتها بيديك المرهقتين من عمل أسبوعي لما عرفت كيف أغذي قصصي وبعضا من مقالاتي بسطور من سؤدد .
سؤدد علمتني أن الثقافة التي اختزلتها أبي في جلساتنا القصيرة على عتبة البيت في ليالي قمرية هي غرسة مفرحة لا يمكن أن تنمو بدونك , فأنت مؤسسها في قلبي , علمت ببساطة ومهدت بألق ..
لله درك ويرحمك الله
 



4
كيف أنسى !


ذات يوم , ولم يكن بالبيت غيري جاء الحبيب من عمله وهو خارج المدينة , جاء و معه ضيف .
ليس في البيت إلا طفلة في التاسعة . قال لي :
- أيوجد طعام فضيفي قادم من سفر ؟
- وأمي ليست هنا ولا يوجد طعام للضيف
رأيت الدمعة في عينيه الزرقاوين الحبيبتين, وأخذ يضرب الكف بالكف
غاص قلبي في داخلي وابتلعت دمعتي فقلت له :
- أتذكر يا أبي لما كنا وحدنا مرة وقمنا بعمل طعام سويا ؟
- ذكريني ما هو ؟
- صينية كفتة بالبطاطس قلتها بابتسامة وفرح الذكريات تنعشني
وهنا برقت عيناه وأخرج من جيبه مالا وقال اركضي واشتري كلما يلزم وانطلق هو لضيفه .
وقفت حيرى , ولم تطل حيرتي إذا به يأتي مبتسما ويقبلني قائلا :
- أنت أروع وأذكى ابنة في الدنيا .. وكأنه أحس بحنانه الكبير حيرتي فأراد أن يشجعني
هنا ارتفع رأسي وغاب الخوف وطرت للمطبخ حيث الأواني لأختطف صينية كبيرة وذهبت للحام قريب من البيت ومد لي اللحم وأخبرته بالقصة فتعاون معي في بسط الخضار , وحملت الصينية للفرن المحلي لأشوي لأبي الطعام وما أن أتيت بالصينية ويداي محمرة من السخونة والعرق يتصبب مني لأجده ينتظرني بالساحة ويأخذ الصينية ليقدمها لضيفه ويأتيني بصحن لي ...
لم ينسني في خضم احتفائه بضيفه
وما أن غادر الضيف الغرفة حتى سمعته يقول له :
- أتعلم لم أذق بحياتي أطيب من هذا الطعام !
استدار أبي لي , حضنني وجثا على ركبتيه , رفع يديه للسماء لأسمعه الآن بمفرداته البسيطة تغزو قلبي لتكون لي معلما طول حياتي
- ياربي أحمدك وأشكرك أن مكنتني من إكرام ضيفي ولم تخزني
ما أروعك يا أبي علمتني معنى شكر من يجب شكره وأحطتني ببساطتك فكنت نعم المعلم
لله درك وليرحمك الله

أنت حبيبي (2)
 

صباح الضامن
  • مـقـالات
  • أدبيات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط