اطبع هذه الصفحة


رسائل إلى أختي المحجبة.. (2)

 أ.سحر المصري


صعدت إلى سيارة الأجرة.. انشغالي الفكري بأمور أهمّتني لم يترك لي مجالاً للتمحص بمَن فيها.. وما أخرجني من خلوتي الفكرية إلا كلام سيدة بجواري عن المحجبات.. كانت تتكلم عنهنّ بطريقة استفزازية بشعة.. جعلتني أدقق النظر فيها للحظات لأرى امرأة سافرة كل ما فيها يصرخ: “أنا اصطناعي”! لون شعرها الأصفر.. حواجبها.. رموشها.. أظافرها.. وكانت تلبس ملابس ضيّقة وقد أظهرت أكثر مما سترت! إلى هنا لم يكن ببالي إلا أن أدعو لها بالهداية دون أن أتضايق منها بل عليها لأنها لو أدركت كنه الإيمان وذاقت طاعة الله جل وعلا لما تمادت في “تحسين” مظهرها الخارجي ظناً منها أن هذا هو المطلوب الذي يورِثها الراحة والسعادة والقبول الاجتماعي.. وربما النفسي!
تدّعي صاحبتنا أنها لا تتحجب لأن كل المحجبات “رائحتهنّ سيئة” خاصة في الصيف.. وهي لا تريد أن يُستهزأ بها لأن الإسلام يمنع العطور وستخرج منها رائحة تجعل الآخرين ينفرون منها..
ثم عقّبت.. أن أغلب المحجبات يعتنين بالظاهر على حساب القلب.. فتراهنّ يقعن في الغيبة والنميمة ويتكبّرن على باقي النساء خاصة غير المتحجبات لأنهنّ يعتقدن أنهن يفقنهنّ مرتبة بسبب هذا الحجاب!
كانت هذه السيدة تتكلم بلهجة فيها استعلاء واضح.. وكانت تغالط نفسها في مواضع كثيرة لتُخفي ضعفها فتُلقي باللوم على الأخريات ظناً منها انها بمهاجتمها تلك تنفد من عقال المسؤولية واللوم.. وقبل أن أبرح المكان توجّهت إليها بالحديث فلم تستطع أن تردّ عليّ بكلمة واحدة بعدها.. قلت: “لِم لا تتحجبين وتحرصين على أن تكوني مسلمة متزنة مختلفة عن الباقيات وتعطي صورة صحيحة عن الإسلام؟”..

وحقيقة ما قالته تلك السيدة للأسف فيه وجهة نظر.. ولا أناقش هنا أسلوبها ولا تهكمها ولا هجومها على الملتزمات لأن الدافع معروف.. ولكنني أتوقف عند ثلاث نقاط أثارتها وهي فيها محِقّة!
الرائحة السيئة للبعض وهذا حاصل.. التركيز على الظاهر أكثر من الباطن وهذا موجود.. والنظرة غير الموضوعية لغير المحجبة وهذا منتشر!
الإسلام منع المرأة من أن تخرج متعطِّرة كي لا تثير الفتنة.. يقول الحبيب عليه الصلاة والسلام: “أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها، فهي زانية. وكلُّ عينٍ زانية”.. ولكن هذا لا يمنع أن تستعمل الأخت المحجبة ما يسمّى بالرول أون.. فإنه يمنع رائحة العرق دون أن تكون له رائحة هو نفسه.. كما أنه توجد خلطات لا رائحة لها تُصنع يدوياً من الأعشاب.. وهناك أشياء أُخرى يمكن للمحجبة استعمالها لإزالة رائحة العرق صيفاً وشتاء.. وليس عليها إلا أن تسأل في المحال التجارية التي تُعنى بمستحضرات التجميل النسائية..
أحياناً نقع في إشكال مع صويحباتنا.. خاصّة المقرّبات منهنّ.. فحين تكون لهنّ رائحة منفِرة لا نحن نجرؤ على مصارحتهنّ كي لا نجرحهنّ ولا نحن نريد أن نسكت كي لا يصبحن محط سخرية أو نفور ممن حولهنّ.. فحينها ما الحل؟! قد يكون الأمر قاسياً علينا ولكن لا بد من أخذ مبادرة قد تكون إهداءهنّ في مناسبة معيّنة مجموعة كاملة من هذه المساحيق.. أو إخبارهنّ بشكل عرَضي أن هناك “رول أون” جيد ويمنع الروائح الكريهة وأننا استعملناه وننصح به.. لن يكون الأمر سهلاً ولكنه يستحق منا تجربته لجبّ الغيبة عن أخواتنا المحجبات..
ولفتة إلى أختي المحجبة.. أنتِ محط الأنظار لفريقين.. فريق يراك قدوة في كل تحركاتك وسكناتك وفريق يضعك تحت المجهر ليُظهِر القبيح منك ويُرِي سوءاتك الاجتماعية.. ومع أن الظاهر للأخت المحجبة مهم جداً لتعطي صورة مشرقة عن المحجبة إلا أن الأهم هو إصلاح الباطن وتزكية النفس وترقية القلب.. “ولباس التقوى ذلك خير”.. فعليك بفضائل الأخلاق والأعمال لتكوني فعلاً شامة بين الناس.. تتّبعكِ مَن ضلّت وتهتدي بك الحائرات وتعشق الإسلام حين تصاحبك!
أما تلك النظرة لغير المحجبة فيجب أن تتغيّر عند أولئك اللواتي ينظرن إلها نظرة دون.. تأكّدي أختي المحجبة أن الكثير من السافرات فيهنّ خير كثير.. ولن نبلغ الجنان بكثرة صلاة وصيام وقيام وإنما بحسن الخُلُق وبفضل الله جل وعلا ورحمته.. وإن لم نرحم فلن نُرحَم!
وهذه النظرة تُحدِثُ أزمة عند الكثيرات من غير المحجبات.. تقول لي إحداهنّ قبل أن يمنّ الله جل وعلا عليها بالحجاب: “قد لا أكون محجبة ولكني أخاف الله تعالى فلِم تنظر إليّ المحجبات على أنني فاسقة عاصية؟! أنا أحب الله تعالى ولئن لم أتحجب إلى الآن فهذا لا يعني أنني ملعونة مطرودة من رحمة الله تعالى ليأخذن مني هذه المواقف!”..
قد تكون حساسية الفتاة غير المحجبة عالية وحين تشعر أنها مرفوضة من المحجبة سيؤدي ذلك إلى أحد أمرين.. إما أن تنفر من مجتمع المحجبات أو تنفر من الحجاب نفسه إن كانت ضعيفة الإيمان..
أختي المحجبة.. كوني داعية بسَمتِك.. وأخلاقك العالية.. وقلبك الطيب.. ومظهرك اللائق.. ورائحتك النديّة.. وتواضعك الجَم.. فقد كان الحبيب عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشي على الأرض.. فاقتدي!

 

سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط