اطبع هذه الصفحة


حين يهيم العقل.. بالقدَم!

 أ.سحر المصري

 
حين يرتبط العقل بكرةٍ وقدَم.. ماذا يمكن بعدها أن يُقال..
رياضة؟ حدث عالمي؟ جنون؟!!
يقول: “خُلِقتَ لتُدير الكرة الأرضية.. لا لتُديرك كرةٌ دائرية”.. وددتُ لو وصلت هذه الجملة لمسامع أبناء الأُمّة علّهم يشعرون ببعض خجل من المبالغة بما يسمّى “مونديال” وردود الفِعل عقب تسجيل هدف أو فوز فريقهم الذي يشجّعون..
بات علينا أن نتحمّل المفرقعات والألعاب النارية وأحياناً الرصاص الحي وأبواق السيارات التي تجوب الطرقات حتى ما بعد منتصف الليل لنشارك –غصباً عنا- فرحة فوز فريق بلد ما لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد..
حضارة؟ أستبعد أن يكون مفهوم الحضارة يكمن في متابعة كرة تنقلها أقدام يمنة ويسرة وتجوب بها ملعباً كبيراً فإذا ما دخلت الشبكة هللنا وكبّرنا وكأن الأقصى قد تحرر!
ولو توغلنا –قليلاً- في عمق تاريخ هذا البلد الذي نصفق له لوجدنا أنه كان يستعمرنا يوماً ما أو يدعم أعداءنا اليوم أو يستهزئ بنبينا صلى الله عليه وسلّم.. ولكن كل هذا يهون من أجل كرة دائرية!
وتعلو صرخات.. لمشجّعي فريق الأرجنتين.. ألم تروا مارادونا كيف أهدى كأس المونديال سنة 1986 لما يسمّى بإسرائيل؟! وصور صلاته مرتدياً “القلنسوة” أمام حائط البراق “مبكاهم” تنتشر في الانترنت! فيردّ فريق آخر هو ليس بيهودي إذ أهدى قميص رقم 10 للرئيس الإيراني نجاد وأعلن عن رغبته بالتعرف عليه..
وإن كان يهودياً أو لم يكن، فهل يرتقي ليكون قدوة لشباب المسلمين وتاريخه المفعم برائحة المخدرات يزكم الأنوف؟!
وغيره الكثير.. ينقبض القلب حين يجد شباب الأمّة يعظّمونهم ويرفعونهم مكاناً عليّا وهم على ما هم عليه من الكفر والذنوب والفواحش!
إلى أي درك وصلنا وما زلنا نهوي؟!

تخبرني أخت.. وقد كانت تتابع إحدى المباريات التي تشارك فيها فرنسا لتأتي جدتها الجزائرية الأصل وتطلب منها تغيير المحطة.. فهي لا تتحمل رؤية ألوان العلم الفرنسي! فالدماء التي أُسيلت والاغتصاب الذي عايشته حين كانت شابة لا يمكن أن تنساه!
تسييس الرياضة أمر واقع شئنا أم أبينا.. فحتى الكرة لم تعد رياضة فقط.. وإنما باتت متنفّساً للانتقام “معنوياً” ولو بتشجيع فريق نكره خصمه.. فالبعض يدعو للمنتخب الجزائري لأنه الفريق العربي الوحيد.. والبعض يشجع هذا الفريق لأنه ضد الفريق الذي يدعم الصهاينة.. وبعضٌ آخر لا ينتمي إلى عربٍ أو إسلام أو عِرق.. فالكرة عنده قضية محوريّة تفوق أهميتها أي اعتبار آخر!
وحقيقة لا أستغرب ليبياً يكره المنتخب الإيطالي.. أو عربياً يكره المنتخب الإنكليزي والأميركي.. واللائحة طويلة.. إذ أعرضنا عن ديننا فتكالبت علينا الأُمم.. وإن كانت هويتنا هي إسلامية لا عربية ولا قومية.. فحيث ذُكِر الله فثمَّ بلادي..
لسنا ضد الرياضة.. ولسنا ندّعي حرمانيتها كما بدأ البعض بالاستهزاء حين قالوا: “لم يعد ينقصنا إلا تحريم كرة القدم ممّن يحرّمون كل شيء ويفتون بإرضاع الكبير”!.. فساعةٌ وساعة.. وقد يكون متنفّس بعض الشباب متابعة هذه المباريات للترويح عن النفس.. فالحبيب عليه الصلاة والسلام مرّ بقوم من الحبشة يلعبون بالحراب فوقف ينظر إليهم ووقفت أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها تراقبهم حتى إذا ما أعيت جلست.. ولكن المبالغة في الشيء يصبح منفِراً وغير طبيعي..
ولا أدري حقيقة ما بال قوم كلما أرادوا انتقاد الشرع أتوا على الفتاوى المنحرفة الشاذة ليضربوا بها الإسلام وخسئوا أن يفعلوا! فتراهم يلجأون لفتوى شاذة من شيخ يجيز فيها إرضاع الكبير ويحاولون إتيان الدين من خلالها!
وفي زاوية أُخرى من العالم.. تجد التطرف قد بلغ مداه حين يُعتقل شباب وأطفال.. ويُعذّبون.. ويُقتَل بعضهم.. وتُحلق رؤوسهم.. ويُجلدون تسعة وثلاثين جلدة.. كل ذلك لأنهم انتهكوا حظراً فرضه متشددون في الصومال على مشاهدة مباريات المونديال! أيّ دين هذا وأيّ فقه وأيّ التزام؟! أما فقهوا أنهم كلما تشددوا كلما غُلِبوا؟!
من المبادرات الإيجابية الرائعة التي قرأت عنها، عزم (الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض) نصب ثلاث خيم دعوية للتعريف بالإسلام في بطولة كأس العالم لكرة القدم.. وهذه الخِيَم مجاورة لأكبر ثلاثة ملاعب، كما ستكون للندوة معارض وفعاليات مجاورة للملاعب الستة الأُخرى.. أليست هذه خطوة للأمر بالمعروف والدعوة للإسلام في أكبر تجمع يمكن نشر الدّين فيه؟
وأُنهي بالقول.. مَن يريد أن يتابع المباريات فليتابعها وليقضِ وقته الثمين بمغازلة أقدام اللاعبين..
كل ما نحتاجه هو فقط بعض راحة ينتزعونها منا حين يفقدون العقل بعد تسجيل هدف أو فوز منتخب!
فكما أنه من حقكم المتابعة.. فمن حقنا أيضاً النوم!
ولو أني وددتُ لو ثارت “ربع” ثائرتكم هذه المبالغ بها حين تسمعون عن حصار غزة أو تهويد القدس!!!..


 

سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط