اطبع هذه الصفحة


قبل أن تُطوى الصفحة..

 أ.سحر المصري


ويتوقف المدّ الإعلامي عن إثارة موضوع حرق القرآن الكريم على يد قسٍّ متزمّت.. أحببتُ أن أخطّ بعض كلمات أبَت إلا أن ترى النور.. في زمن الظلام المطبق.. وانقلاب الموازين.. وادّعاء الحريات.. وانتشار الأقنعة.. وهوان الأُمّة!
بدايةً كان لخبر حرق المصحف وقع عظيم جعلني أختنق.. لعجزي ولهوان أمّتي حتى بات أراذلهم يستخفّ بكتابها.. أول ما دعوتُ به هو أن تُشلّ يدَا هذا القسّيس المريض ليكون عبرة لمن تُسوِّل له نفسه المسّ بكتاب الله جل وعلا.. ولكن الله سبحانه شاء أمراً آخرا.. فقد اجتاحت الحرائق ولايته وأوقعت ما أوقعت.. ولعلهم يتّعظون!
تساءلتُ لوهلة.. في أي عصر ظلامي يعيش هذا الجونز؟ ألم يقرأ الدراسات والأبحاث الأميركية والغربية قبل العربية والتي تؤكّد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي من أفعال أكابر مجرمي أميركا وغيرهم ممن لهم مصلحة في شمّاعة “الإرهاب” التي يعلّقون عليها انتهاكاتهم ضد المسلمين؟ أم على قلوبٍ أقفالها.. فلا تعي إلا الحقد والكراهية لكل ما هو مسلم؟
ابنته تتهمه بالجنون وتقول إن أبيها يحتاج إلى المساعدة إثر دعوته لليوم العالمي لحرق القرآن الكريم.. ويبدو أن خطوة جونز لها علاقة مباشرة بنيّة المسلمين إقامة مركز إسلامي ومسجد بالقرب من موقع هجمات 11 سبتمبر.. فوجد أنه لا بد للكنيسة من وقفة تجاه هذا الأمر ولم يجد أفضل من حرق المصحف!
في مقابلة مع ريك سانشيز في السي إن إن يؤكّد جونز إيمانه بأن الإسلام من الشيطان.. وفي سؤال عن ماهية هذه الرغبة في حرق كتاب حوالي 1.5 بليون مسلم في العالم يتبجح جونز بأن القرآن ليس كتاباً مقدّساً! والرسالة التي يريد إيصالها من خلال حرقه للقرآن هي: أوقفوا الإسلام.. أوقفوا تشريعاته.. فهو دين يسبب للناس الذهاب إلى جهنم.. وهو دين مخيّب للآمال.. ودين عنف.. واضطهاد وظلم وطغيان.. ويدعو إلى العودة للبلاد الإسلامية كالسعودية للتأكد من الظلم الذي ينتجه “الإسلام” فحتى المرأة لا يحق لها أن تسوق سيارة!!
كل ذلك.. ولم يكلّف هذا القِس نفسه بقراءة آية من القرآن الكريم.. ولا بالتعرّف على تشريع الإله الواحد.. واستقى كل معرفته عن ديننا الحنيف من المسلمين وممارساتهم.. وقد قال أحدهم يوماً: الحمد لله الذي تعرفت على الإسلام قبل أن أتعرف على المسلمين!.. وأردد ما قاله هذا الرجل.. فالحمد لله..
المهم.. بدأت التنديدات العالمية وتتالت الاتصالات بهذا القِس لمنعه من تنفيذ تهديده.. لماذا ؟ حرصاً على مشاعر المسلمين؟ من صرّح بأنه يستنكر ويشجب بسبب حرية المعتقد والأديان فهو مراوغ! لأن آخر ما يعنيهم هو مشاعر المسلمين.. بل قد صرح أوباما أن استنكاره كان بدافع من خوف على قوّاتهم الأميركية المنتشرة في العراق وأفغانستان.. وعلى مصالحهم الاقتصادية في أرجاء الخريطة.. وبدافع من رعب من ردّات الفِعل التي يمكن أن يقوم بها المسلمون وتنظيم القاعدة.. وضربهم للأمن القومي!
ولا أفهم حقيقة هذا التمسكن لمسؤولين أميركيين وأولهم هيلاري كلينتون.. فهل يخفى على عاقل أنها ومن حولها من أصحاب السلطة والمال والإعلام يحرقون أمّة الإسلام قاطبة وهم يضحكون! وما أمر العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها عنا ببعيد! ساءت وجوههم جميعاً !
طبعاً لا داعي للسؤال هل ندّد أحد القادة العرب؟ لأن الجواب معروف.. قد يكونون مشغولين بالعبادة ولا يسمعون الأخبار! ربما! أو ربما اقتدوا بعبد المطلب وقالوا مقولته الشهيرة: “للبيت ربّ يحميه”!
ثم لِم نعيب على جونز وهو الذي لا يدين بديننا عزمه على حرق المصحف.. بينما في سجون الدول العربية نفسها يُدنّس المصحف! ويُمزّق.. وفي العراق وفلسطين تُحرق المصاحف بالجملة ولا مَن ينبس ببنت شفة! أحلالٌ على بلابلهِ الدّوحُ.. حرامٌ على الطيرِ من كلّ جِنسِ؟!
حقيقة لا أكتب عن تيري جونز لأنه يستحق أن نكتب عنه.. فهو صغير وسيبقى صغيراً طالما أنه حاقد على دين الله جل وعلا.. ولكني أكتب للفت النظر إلى ضرورة تحديد بوصلة المسلمين والتحرك تجاه نهضة هذه الأمّة!
“إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون”.. لقد تكفل ربنا جل وعلا بحفظ كتابه.. ولكن ماذا عنا نحن؟ يُهيّأ لي أن إعراضنا عن كتاب الله جل وعلا أصعب من حرقه! لأننا مأمورون كمسلمين أن نقف عند حدوده ننتهي بنهيه ونأتمر بأوامره ويكون لنا شرعة ومنهاجا.. نحكم بما فيه ونتلوه حق تلاوته.. فمَن مِن المسلمين اليوم –إلا من رحم ربي- يطبق أحكام القرآن الكريم؟ ولا يتعدّى وجوده في بيته مراسم التقبيل وقراءة بضع صفحات وانتهى الموضوع! مَن مِن الدول حتى تلك التي تدّعي تطبيق شرع الله جل وعلا وحدوده تسير فعلاً على منهج القرآن الكريم فتُعادي أعداء الله تعالى وتُكرِم أولياءه ولو نقدوا النظام؟!
تُرى.. مَن يؤذي القرآن الكريم أكثر.. جونز.. أم المسلمون أنفسهم؟!
والآن.. في مدينة مورسية الاسبانية.. ملهى ليلي يحمل اسم “مكّة”! وتصميمه الخارجي مطابق لشكل مسجد تعلوه قبّة خضراء..
شتموا النبيّ صلى الله عليه وسلم.. استهزأوا به ورسموه وتهكّموا عليه.. منعوا الحجاب والنقاب.. اضطهدوا المسلمين.. أهانوا القرآن الكريم.. سخروا من قِبلتنا! وغيرها الكثير مما يستفز مشاعرنا كمسلمين! “قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر”!
فماذا نحن فاعلون؟! تعهّد اسماعيل هنية بتخريج أربعين ألف حافظ للقرآن الكريم كردّ على مهزلة جونز.. وكلّ واحد منا يستطيع أن يبادر ويجعل القرآن الكريم نبراس قلبه ومنهاج حياته!
وليكن في اعتبارنا أن الحل الأوحد لتقوم لهذه الأمّة قائمة هو بعودتنا أقوياء بإيماننا وحضارتنا وجهادنا.. ولن يجرؤ بعدها أحد على الاستخفاف بها أو أن يمس معتقداتها! فهلاّ بدأنا؟!
 

سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط