اطبع هذه الصفحة


أنا والكورت!

 أ.سحر المصري


منذ أسابيع قليلة قصدتُ جمعية ثقافية تقوم بتنظيم دورات في التنمية البشرية والمهارية وكانت بغيتي دورة تدريب مدرّبين لهدف محدّد استدعته الجمعية الوليدة التي أديرها.. ولكن في ذلك الوقت لم يكن متاحاً إلا دورة في CoRT فشدّني الفضول للتسجيل فيها بعد ثناء كبير من المسؤول عنها.. وهذا ما حصل بالفعل.. تسجلت وبدأت أول أيامي فيها بترقّب.. وكان الدكتور الذي ابتدأ معنا الدورة هو المدرّب الوحيد المُعتَمَد في لبنان والأردن فباشر بالتعريف عن هذا البرنامج وأنه يساعد على توسيع الإدراك العقلي وإنتاج الأفكار الإبداعية واستخدام التفكير النقدي والمعرفي الأساسي وفوق المعرفي ثم إدارة المشاعر والمعلومات وحلّ المشاكل على نحو ممنهج وعلمي.. فبلغَت توقّعاتي عنان السماء وتصوّرتها دورة دسمة سأخرج بعدها مثقلة بستّين مهارة نافعة في الحياة الخاصة والعامّة والمهنية..
وطبعاً بدأنا بالمعلومات الأساسية عن هذا الكورت وأن مؤسِّسه هو ادوارد دو بونو من مالطا تفتّق علمه سنة 1970 عن وضع برنامج لتعليم التفكير مؤلَّف من ستة أقسام في كل واحد منها عشر مهارات والاسم كورت اختصار لكلمات معناها بالعربية “مؤسسة البحث المعرفي”.. وهذا البرنامج منتشر بشكل كبير في كل العالم ويخضع له الملايين في أغلب الدول الأجنبية والآن العربية!

كان أغلب الحاضرين مدراء وأساتذة ومتخرجين من الجامعات.. فكانت حلقات ورش عمل حيوية في كل نشاط تدريبي.. إلا انني خرجتُ من اليوم الأول بعد أربع ساعات وأنا أتساءل: ثم ماذا؟! ولكنني أقنعتُ نفسي أنني ربما لم أستسِغ الموضوع لأنه جديد عليّ مع أنها ليست المرة الأولى التي أخضع فيها لدورة في التنمية البشرية.. وعدتُ في اليوم التالي وكلّي أمل أن أنخرط في الجو ولكنه لم يكن الوضع أفضل بأي حال.. حتى إذا ما جاء اليوم الثالث وكان عن “التفاعل” فكان مما أعطتنا المدرّبة يومها مهارة في أسس التفاعل واحترام آراء الآخرين وسألتنا في آخر الدورة: كيف ستطبّقون ما أخذتم اليوم في حياتكم فكانت الردود متشابهة مفادها “أننا اليوم تعلّمنا كيف نحترم الآخر ونقدِّره رغم اختلاف الرأي” فلم أستطع كبح لجام نفسي فتكلمت بعد أخذ الإذن وقلت أنّ هذا الأمر ينبثق من الذات ومن داخل الإنسان ومن تربيته ومن ايمانه وعقيدته فإن لم يدفعه هذا - حتى هذا السِن - في احترام الآخر فلن يفعل ذلك ولو بعد مئة دورة في الكورت! لا أدري لِم انتفضتُ حينها وشعرتُ أنّ هناك أحد أمرين: إما مجاملة الحضور للمدرّبة وإما جهل مركّب!
بعد تفكير قليل وجدتً أنه ربما ادوارد دو بونو هذا كان يفتقد إلى الكثير فجمع نفسه وأخرج هذا البرنامج لأنه لا بديل.. إلا أننا – كمسلمين - وفي الأمور الإنسانية بالذات فإننا نملك كنوزاً في ديننا أهملناها وبتنا نهرول وراء كل ما هو غربي! فحين يأمرني الله جل وعلا باحترام الآخرين فحينها يكون الدافع أكبر وأعظم وأؤجَر على نيّتي أنني أطبّق شرع الله جل وعلا وفرق كبير بين أن أقوم بالعمل لأنه أمر إلهي وبين أن أقوم به لأن ادوارد دو بونو قال لي أن أفعل!!
عدتُ قليلاً إلى الوراء.. فمنذ سنوات درج الناس على تمجيد دورات البرمجة العصبية اللغوية.. وقد استخدمها البعض لأهداف سامية كحفظ القرآن الكريم ولكنني وإن كان الهدف سامياً في تلك الدورات إلاّ أنني شعرت أن هناك ما يحيك في الصدر! حتى أن بعض العلماء حذّروا منها ومن خطرها على العقيدة! وما حصل هو أن بعض الإسلاميين حاولوا “أسلمة” ما يُعطى في دورات البرمجة العصبية اللغوية باستعراضهم أحاديث نبوية ومواقف للصحابة رضوان الله عليهم لتأصيل تلك البرمجة! ولا أدري ما هو المانع من نشر مباشِر لهذه الأحاديث والمواقف واستخلاص الفوائد منها بدل أن يقوموا بالعكس!!
ومرةً أُخرى في الكورت شعرت أن الموضوع لا يتعدّى تقليد صرعة غربية قد تكون نافعة مادياً للقائمين عليها! فدورة الكورت تكلّف مئات الدولارات ونتيجتها على الأرض ماذا؟! بالطبع ليس بالكثير كما رأيت وعايشت على مدى أيام! فأغلب ما تم طرحه معروف ومع أن الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها إلاّ أنني لم أجد شيئاً جديداً يمكن اقتناصه من هذه الدورة!
قد يستفيد من هذه الدورة الطلاب الصغار حين يكونون في سِنٍّ صغيرة لتعليمهم مهارات تساعدهم في حياتهم فتنمو عندهم الطاقة الإبداعية وطرق التفكير المعرفي وتوسعة الإدراك وأسس التفاعل والتخطيط وأخذ القرارات ولكن حين يكون الشخص قد بلغ من الكبر عتيّا فماذا يُتوقَّع منه أن يبدِّل من مفاهيم ورؤى وإدراك وقد تأصّلت في شخصيته؟!
فإلى متى نلهث وراء كل ما هو غربي نجده يبرق في أعيننا وكنوزنا الإسلامية وتراثنا الذاخر مخبّأ تحت أنقاض الغفلة وأحياناً الرفض!
أم تُراني أنا من يرفض التقدّم الآتي بأثواب غربية باهتة وأعيش في قوقعة نظرية الإنبهار بكل ما هو غربي؟!

 

سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط