اطبع هذه الصفحة


حول خطاب أوباما.. أدندن!

 أ.سحر المصري


للسياسة أهلها وللتحليلات السياسية أربابها ولن أستطيع منافستهم في ميادينها.. ولكنني مسلمة من هذا العالم الإسلامي الذي تكبّد أوباما عناء السفر والحضور إلى مصر ليخاطبه فمن حقي أن أعلّق على ما أتحفنا به.. ولا أدري هل كتب خطابه بنفسه أم اجتمعت عليه أكابرها هناك ليخرج بهذا الثوب المطرّز بالمفاخر والأمجاد الإسلامية فدغدغ به مشاعر الأمّة وخدَّرها حتى لا تلحظ الفجوات والألغام وما نسي وما تغاضى عنه في زحمة الكلمات والمواقف؟!
خرجت مني كلمات عفوية مباشرة بعد اطّلاعي على خطاب أوباما التاريخي فكانت: مكرٌ وخداعٌ ومواربة.. أتراها تنطلي كلها على أهل القلوب الواعية؟ أعتذر إليك أوباما فلستُ أصدّقك ولا أتوقع منك شيئاً لإسلامي! أرِنا ما أنت فاعل في فلسطين وبعدها تفلسف !
كنت حانقة ابتداءا على مَن استضافه من بني الإسلام فالحفاوة التي استُقبِلَ بها توحي أنه نصير الإسلام وحامي الحِمى! وكأنّه ليس هو نفسه الذي يدعم الكيان إلى أبعد الحدود ويمدّه -مجاناً- بأحدث الأسلحة ليهتك أجساد إخواننا في فلسطين! استقبله علماء الأزهر وصفقوا! وتسابق الملوك على عناقه وتقديم القلائد له وكأنها هدايا على مفاخره في المساهمة بطعن جسد الأمّة التي يريد مخاطبتها اليوم ليخدِّر مواضع الطعنات التي أحدثها وحلفاؤه في جسدها!
قالها يوماً سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه “لستُ خُبّاً ولا الخبُّ يخدعني”.. فأين عمر الذي لم يأخذوا من تاريخه وسيرته إلا الاسم فقط! وتراهم يسارعون لحوار الحضارات وِفقاً لتعليمات الأميركي! وكأنه لم نكتفِ بتلميع وجه أميركا الأسود فكان لزاماً أن نطمس ما تبقى من آيات الجهاد وننفتح للحوار مع الآخر على حساب ديننا وعقيدتنا ومنظومة الولاء والبراء!!

لفته متطرّفو العالم الإسلامي فهم من يزرعون الكراهية والعنصرية ويروِّجون للصراعات! إن نفس هذا التطرف الذي جعل بلادك يا أوباما تعتبر الإسلام معادياً هو الذي جعل المسلمين يعتبرون أميركا معادية للإسلام.. وانظر -إن بقي نظر- في العراق وأفغانستان وفلسطين لترى مفاخر بلدك نقوشاً في المقابر! وصراحة ضجرنا من شماعة الحادي عشر من سبتمبر ففتشوا عن غيرها للتجديد فقط! وإن كنت لا تزال تراها مناسِبة في الوقت الذي بات فيه الجميع يشكّك أنها من فِعل القاعدة فمعنى هذا أنكم لا تزالون تكذبون على أنفسكم وعلينا! وإن كان مات 3000 شخص يومها فقد مات منا مئات الآلاف على أيدي جيوشكم ومَن توالونهم واغتُصِبَت نساؤنا وقُتِّلَ أطفالنا وأُبيدَت قرىً بأكملها وانتُهِكت محارمنا ألم يشفَ غليلكم بعد أم أن العيون تعامَت إلا عن مصالحكم؟!
ثمّ إن امتلاك السلاح النووي عند المتطرّفين هو خطر وضميركم لا يسمح بذلك فأين الضمير الذي غاب عن تقديمكم السلاح للصهاينة ليقتلوا العزّل في غزة؟! ويستولوا على الأرض في فلسطين؟
وتخريب العراق وانتهاكاتكم فيه كان متوازناً مع تغييب طاغية مسلم أعدتمتوه يوم الأضحى؟! لِم لا تتكلم عن أطماعكم في العراق وعن النفط والآثار والأموال والموارد والأرض؟! تريدون إعادة إعمار العراق وتسليم سيادته للحكومة المنتخبة؟ أتقصد تلك التي أحكمت السيطرة عليها العمامات السوداء المتعامِلة معكم؟! يا أصحاب القداسة!
البداية الجديدة لا تكون بالكلام والشعارات الجوفاء فقط ولكن بالأفعال الحقيقية.. فاحترموا كرامة المسلم وعاملوه كإنسان في البلاد التي تنشرون فيها ديمقراطيتكم الخرساء! أفلستم ترفضون قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال كما تفضلت في خطابك؟ أم أن أميركا ومن فيها أبرياء والمسلمون هم المجرمون أينما كانوا؟
وفي سياق الكلام عن الديمقراطية حبذا لو علّمتم صاحبكم الذي استضافكم على أرضه معانيها السامية.. أم أن لا شأن لكم بهذا الشعب المقهور المضطهد المعدوم الذي يرزح تحت نير الديكتاتورية المباركة! ألستم مَن نصّبتم أنفسكم حماة الديار والعوالم فأين صوتكم في مصر ليفكّ عنها قليلاً ويتنفس الشعب؟!!
ودعني أطمئنك على حال الموارنة في لبنان فهم أكثر من يعيش في رفاهية عندنا.. ومع أنهم لا يشكّلون أكثر من ثلث الشعب إلا أن لهم نصف الكراسي في البرلمان لحمايتهم من بطش المسلمين! ولهم رئاسة الجمهورية ليطمئنوا أيضاً في بلدٍ أكثريته مسلمة.. والمناصب الكبرى من الفئة الأولى لهم! وبرعايتكم ورعاية أوروبا هم في أمان فاطمئن..
إن حقيقة الصراع تتمثّل بين المسلمين المضطهدين وبين أنظمة الحكم الأميركية وليس بين الإسلام وأميركا.. والصور النمطية السلبية التي تُنشَر عن الإسلام فإنّ إعلامكم الغربي هو المسؤول عنها ابتداءًا لتحقيق المصالح الشخصية الضيّقة ولتخبو شعلة الإسلام وبعده الجهاد في سبيل الله..
نعم أوباما صدقتَ وأنت تداهن.. “إن أي نظام عالمي يعلي شعبا أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سوف يبوء بالفشل لا محالة” فانتظر فشلكم في فلسطين وغيرها.. ونهاية الكيان الصهيوني قادمة لا محالة فارتقب وإنّا معكم مرتقبون!
وإن أردنا مجاراتك فلنتوافق أن لا نبقى سجناء أحداث مضت وسننسف من الذاكرة كل المجازر والمحارق المنتشرة على كامل الخريطة الإسلامية.. وبعدها.. ما أنتم فاعلون تجاه قضايانا الكبرى؟ وما هو موقفكم من قضية فلسطين وهي عصب قضايا الأمّة الإسلامية؟!
فتشتُ في خطابك عن محرقة غزة فلم أجد! فتشت عن اعتذار، عن وعود لفك الحصار، عن حل عادل غير تسليم القدس لليهود فلم أجد! فعن أي مستقبل بين أمّتي وبينكم تتكلم أخبرني!! لم أجد إلا لعاباً يسيل عند نطق كلمة “يهود”! وعند كلامك العاطفي عن تاريخهم المأساوي والمحرقة المزعومة وعن حقهم في وطن خاص بهم! على أرضنا!! بعد اغتصابها!! أليست وقاحة أن تطالبنا بقبول اغتصابهم للأرض وقتلهم وتهجيرهم وترحيلهم لأبناء الأرض من أجل أن يجمعوا يهود العالم فيها؟! دمتَ حنوناً على القتلة المغتصبين ذوي الطموحات “المشروعة”!..
هالَك ما رأيت من ضرب صواريخ على أطفال الصهاينة ومن تفجير حافلات فيها مسنّات ولكن لم تحرّك فيك شعرة تلك القنابل الفوسفورية المحرّمة دولياً التي انهالت على رؤوس أطفال ونساء غزة! ولا أقضَ مضجعك صور الضحايا والشهداء الذين تفحّموا.. ولا المرضى الذين قضوا جراء الحصار.. أترانا لسنا بشراً ونحن لا نعي؟!!
وتدافع عن المحرقة وتعتبر نفيها قمة في الكراهية وأمامك أصحاب العمائم كالخشُب المسنّدة!! وتطالب بدولتين للفلسطينيين واليهود وأفواه السامعين مكمّمة! وتطالب المقاومة بوقف الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام والألسن معقودة! وددتُ لو كان فيهم منتصر زيدي واحد!
وأبشّرك.. لن تنعم لا أنت ولا هؤلاء بالسلام على الطريقة الأميركية الصهيونية.. وستبقى المقاومة حتى تحرير آخر شبر من فلسطين وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم صريح إذ قال “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله.. إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود” وقد بدأ اليهود بزرع شجر الغرقد منذ زمن أفلا تؤمن بهذا الحديث نتيجة تجوالك على ثلاث قارات استقيت منها تعاليم الإسلام الحنيف وسمعت فيها نداءات الصلاة ورأيت تسامح المسلمين؟!! ووالله إننا ندرك في قرارة أنفسنا –عكس ما قلت- أن ما يسمّى بإسرائيل هي إلى زوال.. ولننتظر..
أعجبني استشهادك بالآيات القرآنية الكريمة ودعني أضيف واحدة لعلها تدغدغك كما دغدغتنا “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ”.. لا يلزمني توضيحاً لها أليس كذلك؟!
تخيّلت عالمنا الإسلامي طفلاً صغيراً يعطيه أوباما لعبة يُلهيه بها.. ثم يحذِّره بالعقاب إن هو أخطأ.. ترغيب وترهيب مبطّنان بكلماتٍ مزركشة..
ولكنني أوقِن أننا من زجّ نفسه في هذا الجب حتى بتنا في الدرك الأسفل بين الأمم.. ننظر إلى “زعماء” العالم بانبهار وكانّ نوراً أعمى أبصارنا! وما ذلك إلا نتيجة بُعدنا عن نهج ربنا جل في علاه وسنّة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلّم والهدي القرآني.. فتفرّقنا وتشرذمنا واختلفت قلوبنا وإن كان الله جل وعلا هو القائل “ولا تنازعوا فتفشلوا” وهو القائل “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا” فكيف لا يكون فشل وقد أتقنّا فن الاختلاف والبُعد عن الشرع وشغلتنا الدنيا وأنستنا الآخرة!
دعوةٌ للعودة إلى السبيل الذي ارتضاه الله جل وعلا لنا وتحكيم شرعه.. فلن ننال العزة إلا باتّباع القرآن والسنّة ” وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ”..
ولتكن ذكرى احتلال القدس والأقصى في السابع من يونيو مناسبة لإعادة التأكيد على خيار المقاومة لتحرير الأرض كاملة والتمسك بالثوابت وحق العودة.. “يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم” والله معكم ولن يتِركم أعمالكم..

 

سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط