اطبع هذه الصفحة


نحو نصرة دائمة لفلسطين..

 أ.سحر المصري


كان هذا هو شعار المؤتمر الشعبي العالمي لنصرة فلسطين الذي انعُقِد في تركيا خلال يومَي 22 و23 مايو 2009 والذي احتشد فيه المئات من محبّي فلسطين والناشطين لخدمة قضيتها من كل الأطياف.. صورٌ كثيرة تلتقطها وأفكارٌ تترى تراودك مذ تضع قدمك في مطار اسطنبول الدولي.. والشعور الذي يجتاحك حين ترى أرض تركيا الطيبة هو مزيجٌ من غبطةٍ وسعادةٍ وحنين.. فهذه أرض السلطان عبد الحميد الذي رفض بيع فلسطين لليهود والتخلي عن شبرٍ واحد من أرضها.. وهي أرض أردوغان الخير الذي وقف بعزِّ وثبات بينما انبطح الحكّام العرب لأميركا والكيان الصهيوني فأنصف العرب.. وهي أرض الخلافة التي ما إن غاب شعاعها حتى تكالبت علينا الأمم من كل حدبٍ وصوب وتسوَّد علينا أراذلها.. راحةٌ تسري في أوصال روحك حين تشمّ نسائمها فلا تشعر إلا وأنك على أرضك.. ثمّ تضمحل الغربة حين تجد شباباً يتحركون بسرعة وحِرَفية ليستقبلوا أحبّاء فلسطين ويوصِلونهم إلى فنادقهم مع ابتسامة لا تكاد تفارق وجوههم..
ثم يبدأ المؤتمر لينتهي بسرعة دون حتى أن يستأذنك بالتقاط أنفاسك.. وهي هكذا دوماً الأوقات حين تُشغِلها بما يفيد وترغب تمرّ مرّ السحاب فكيف إن اجتمع فيها همّة وعمل وإنجاز وتعارف وتقارب وتضامن ولقاء يتوّج هذا كلّه حب الإسلام والقضية!

كان المؤتمر منظَّماً بطريقة رائعة في كل تفاصيله وعناوينه ما يُنبئ عن احتراف المنظِّمين وإتقانهم.. وهذا ما عكس ارتياحاً وتفاعلاً كبيرَين.. وقد لفت الانتباه تخصّص المحاضرين في الندوات الثلاث مع اختلاف مشاربهم وجنسياتهم ودياناتهم ما أعطى بُعداً إنسانياً للتجمّع وهذا ما ترجمته الوثائق الثلاث التي صدرت عن المؤتمر.. وقد أضفى وجود الغربيين من مناصري القضية نكهة خاصة وإفادة ودعم له.. فقد حضرالسويدي ماتياس غارديل والأميركي توم نيلسون واليوناني نيكوس كليتسيكاس والبريطانية ماريا هولت وغيرهم ممن يحمل الهمّ الفلسطيني ولو بمنظور إنساني بحت فأعطت شهاداتهم ونصرتهم للقضية زخماً كبيراً للنصرة وأكّدت على توجّه المؤتمر لعقد “حلف فضول” جديد .. وحين استعراض تحرّكاتهم في هذا الجانب تجد أفعالهم تجاوزت الكلمات إلى حدود مواجهة الكيان ومَن يوفِّرون لهم الغطاء اللوجستي والسلاح ولم تقف عند حدود الهرطقات الإعلامية.. وذلك من خلال المتابعات القضائية والملاحقات الجنائية ضد الكيان وفضح للممارسات الأميركية المتمثِّلة في دعمها غير المحدود للكيان الصهيوني على حساب شعبنا ومقدّساتنا وقضيتنا..
خليّة نحلٍ على مدار يومين سعى العلماء الدعاة والناشطون إلى تكريس جهودهم ومهاراتهم وطاقاتهم لعقد جلسات وحوارات والمشاركة في وِرَش عمل أنتجت برامج ومشاريع عمل جديّة لديمومة النصرة لفلسطين الحبيبة..
يتبادر إلى الذهن أحياناً تساؤلات عن جدوى مثل هذه المؤتمرات وما هي أهميتها الفِعليّة غير رفع الشعارات وسماع الخطابات ثم فضاض قد لا يعقبه لقاء.. قد يكون هذا الأمر طبيعياً ولكن ليس مع هذا المؤتمر الذي استشعرتُ فيه العمل الدؤوب لحشد وربط كل الراغبين الصادقين في تحقيق النصرة ضمن مشاريع مدروسة مُتَبَنّاة لها آلية تعاطي وبروتوكلات محددة وليس فقط عبر سرد توصيات رائعة نحلم بوضعها في حيِّز التنفيذ.. كان ذلك جلياً في تقسيم العاملين لفلسطين إلى وِرَش عمل تناولت مختلف مجالات القضية بلغ عددها عشرة بعناوين مختلفة؛ وفي كل ورشة تم انتخاب لجنة تنسيقية لتتابع إنجاز المشاريع والمبادرات العمليّة التي طُرِحَت والقيام بمهمة التواصل بين الجمعيات في مختلف دول العالم..
فمن خلال هذه المشاريع المنبثِقة عن وِرَش العمل والتنسيق التكاملي بين الجمعيات والمنظمات المشارِكة والعامِلة لنصرة القضية سيتم تأمين استمرارية التحالف بين الجميع لتحقيق التضامن والعمل الدائم لأجل فلسطين.. والخطوة الرائدة هي الطروحات في هذه الوِرش حيث أنها تناولت كافة المجالات حقوقية ونسائية وطفولية وشبابية وأُسريّة وإعماريّة ومالية وإعلامية واقتصاديّة وغيرها.. وقد اعتُمِدَت حملات في ختام المؤتمر وأهمها حملة “كلنا مقدسيون” التي أعلن عنها الدكتور علي بادحدح حفظه الله تعالى..
وهذا حقيقةً هو أقل القليل في حق شعبٍ قدَّم النفس والمال وصمد في مواجهة أعتى عدوّ تسانده قِوى مدججة بالحقد والسلاح.. ففي ذكرى النكبة وبعد محرقة غزّة ومسلسل تهويد القدس ومحاولة طمس الهوية وحق العودة كان لزاماً على الأمّة أن تجتمع لتُشكِّل درعاً قوياً في وجه العدو ولتُؤمِّن النصرة الدائمة لفلسطين وشعبها..
فإن قدَّر الله جل وعلا لهذه المشاريع والفعاليات الاستمرار والنجاح فستكون خطوة مباركة في طريق التحرير وزرع شوكات في خاصرة العدو.. الطريق طويل وهو بحاجة إلى تضحيات وجهود ولن يألُ أبناء الأمّة الشرفاء وأحرار هذا العالم جهداً لنصرة القضية كجسدٍ واحد وبنيان مرصوص وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون..
لم يخلُ المؤتمر من عبق أهل غزة العزّة.. فقد أبى القائد اسماعيل هنية إلا أن يشارك بكلمة شكر وعرفان لتركيا والمشاركين.. وحضرت الأخت أم محمد زوجة القائد الشهيد الرنتيسي فجلجلت كلمتها أركان القاعة بقوتها وإصرارها على الثوابت وخيار المقاومة.. حقيقةً يصعب أن تحضن هذه المرأة من دون أن تفيض مشاعرك فتترجمها دموعك حباً وفخارا..
و”نساءٌ من أجل فلسطين”.. اجتمعت في تلك الورشة شيحا المقدسية وسعاد الكويتية وحياة الأردنية وشيماء اللبنانية وعزّة الخليلية ومؤمنة الغزاوية وسوسن اليمنية ونعيمة المغربية وسامية المصرية وفاطمة البحرينية وهالة السعودية وحصة الإماراتية وزهرة التركية وإيكويو الإندونيسية والكثيرات غيرهنّ لتسليط الضوء على واقع المرأة الفلسطينية وعرض رؤية عربية وغربية للمنظور المستقبلي للأسرة الفلسطينية.. فتكاتفت الجهود وتلاقحت الأفكار لوضع استراتيجيات وآلية مناسِبة للتنسيق وإطلاق مشاريع محددة للنصرة..
لكل شيءٍ أجَل.. وما من شيء يبتدي إلا وينتهي إلا الحق جل وعلا.. انتهى المؤتمر وتفرّقت الجموع بآمالٍ عريضة ولم تتفرّق القلوب التي ما اجتمعت إلا على حبّ الله جل وعلا ونصرة القضية.. تقرأ في عيون كلّ من ودّعته عزماً أكيداً وإصراراً على إكمال المسيرة وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه دون هوادة.. فالعدو شرِس ونحن بالحق أشرس.. تنافسٌ على خدمة الأمّة وقضاياها ورهن قدراتنا وطاقاتنا جميعاً للنصرة.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون..
وتتردّد كلمات قليلة عند كل وداع.. بوركت الجهود.. وملتقانا غداً في القدس محرّرا.. وما ذلك على الله بعزيز..


 

سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط