اطبع هذه الصفحة


زوجي رجل مواقف

أ.سحر عبد القادر اللبان

 
صديقتي تقول لي :
زوجي رجل مواقف، لا يعرف الرومانسية وكلمات الغزل،جديّ وعملي، هو يكبرني بست عشرة سنة، تزوجته وأنا على مقاعد الدراسة في الجامعة ، هو كان يعمل معيدا لنا ، أخذت بعلمه واتزانه، وفرحت لأنه اختارني من بين جميع زميلاتي الجميلات.
مازلت أذكر عندما زارنا في البيت لأول مرة، حينها أوقعت العصير على ملابسه وأنا أقدمه له من شدة ارتباكي وخجلي، قال لي عن هذه الحادثة بعد أن تزوجنا أن موقفي أفرحه لأنّه شعر أنّه تزوّج من فتاة خجول.
زواجنا حصل بسرعة وبهدوء، لم يرد فرحا كبيرا ، كل الذي أراده مأدبة عشاء ضمّت الأهل المقربين، وتزوّجنا وسافرنا إلى بريطانيا ليحصّل من هناك شهادة الدكتوراه.
لا أخفي عنك أنني بقيت لأكثر من سنة أخشاه وأخجل منه كثيرا، هو كان يتعامل معي بهدوئه الدائم وكأنه أب لي لا زوج.
في سنتي الأولى جلست في البيت، لم يكن أمامي إلا قراءة الكتب وانتظاره حتى يعود من جامعته لأقدّم له الطعام وأخدمه حتى يذهب للنوم، كنت في هذه السنة كأني أعيش لوحدي، هو دائما مشغول بالجاااامعة وبالدراسة وانا في البيت لوحدي، لم يكن أمامي أي مجال لأكسر الحاجز اكبير الذي كان بيننا، ولك أن تتصوري كم كانت فرحتي بالعمل كبيرة لم توازها فرحة الا فرحتي بولادة ابني البكر، عملي هنا في الجامعة والذي كانت قد أخبرتني عنه زميلتنا غادة عندما قابلتها صدفة في المسجد يوم العيد .
شعرت وأنا أخطوأولى خطواتي نحو عملي الجديد وكأنني ولدت من جديد، وأصبح عملي هو محور حياتي والأوكسجين لأيامي ، وانخرطت فيه وبدأت بالتغير يوما بعد يوم.
كان زوجي حينها مازال منشغلا جلّ نهاره وقسما من ليله في دروسه وأبحاثه، وكانت علاقتي به بدأت بالتغيّر، فما عدت أشعر بالخجل أو الخوف منه بل تحوّل شعوري إلى ما يشبه الحنق والسخط عليه من قلة كلامه وغزله ومن عدم اشعاره لي بجمالي وأنوثتي.
وصرت أقارنه بأزواج صديقاتي، ففي حصص الفراغ والاستراحات حيث كنا نجلس، كن لا يتوقفن عن الكلام عن أزواجهن وعما يفعلونه لهن، هذه تتكلم عن سهرة دعاها اليها وتلك عن هدية قدمها لها مع بطاقة حب، وأكثر ما كان يغيظني ويشعرني بنقص زوجي وتقصيره الشديد تجاهي كلام زميلتنا غادة عن عشق زوجها لها وعن رسائله الملتهبة عبر الجوال تلك التي كانت لا تنقطع حتى أثناء الدوام، كانت تشعر بغيرتي فتزداد عرضا لرسائل زوجها ولمواقفه معها.
كل هذا جعلني أشعر بضيق من زوجي وفتور ترجمتها معاملة قاسية نحوه.
لا أنكر أنه كان كثيرا ما يحضر لي أشياء أحبها وأفضلها، كعطري الفرنسي الغالي الذي لا أحب سواه، لكنه كان يضعه في كيس في المطبخ بين أكياس الفاكهة والخضار.
مرة كنا عائدين من وسط المدينة مشيا وذلك لأن أحوالنا المادية كانت في الحضيض فهو لا يعمل وما انتجه من العمل كان زهيدا ويذهب قسم منه لحاضنة الاولاد وآخر لفاتورة الكهرباء او الغاز.
بينما كنا عائدين مشيا لفت انتباهي في واجهة لمحل غال معطف جميل جدا، جعلني أقف أمامه مبهورة من جماله ومن سعره المرتفع، لم أتكلم عنه وأكملنا طريقنا.
بعد أيام وجدت المعطف نفسه في كيس منزو في ركن المطبخ مع أكياس الخضار.
فرحتي كانت فيه لا تقدر، لبسته وركضت إلى مكتب زوجي حيث كان يدرس، فتحت الباب دون استئذان من شدة الفرحة وهتفت ونبرات صوتي كنبرات طفلة حصلت على أجمل لعبة كانت تتمناها: انظر...أليس جميلا علي؟؟
رفع زوجي نظره عن كتابه ونظر الي نظرة طويلة ثم هز رأسه ليعود مجددا الى الكتاب فيغرق فيه.
تصرفه هذا صدمني، هزّني من الأعماق وأفقدني فرحتي بالمعطف.
صرت في عملي أرتقي سلّم النجاح والتفوّق فوليته كلّ اهتمامي علّه يعوّضني افتقاري لحبّ زوجي لي وحنانه.
وصارت نقمتي على زوجي كبيرة، فكنت أغضب لأتفه الأسباب، ولا أرحمه من نقدي اللاذع، وكثيرا ما كنت أفكر بالفكاك منه، وكانت زميلاتي يحرضنني عليه.
إلى أن أتى يوم مرضت فيه مرضا شديدا، وأصبت بحمى غيبتني عن الوجود لساعات طوال، وما ان صحوت منها ليلا الا وفاجأني منظر زوجي وهو نائم على كرسي قبالة سريري وكفي بين راحتيه.
حركتي الخفيفة أيقظته فرنى إلي بلهفة وفي عينيه خوف وارتياع وحب شديد.
أوّل خاطر خطر لي حينذاك هو أنه يحبني،شكرت الحمى التي زارتني وأيقظتني على حقيقة كنت غافلة عنها، ومنذ تلك الحادثة وحياتنا تغيرت، صرت أرى زوجي بمنظار آخر ، أي نعم هو مازال كما هو صامت لا يعرف كلمات الحب والغزل ، لكنني تعلمت ترجمة المواقف والأفعال إلى أجمل وأرقّ كلمات غرل في الدنيا، فكل حبة فاكهة كان يحضرها لي لاني أحبها كانت بمثابة كلمة أنا احبك
وكل عطر أو هدية كان يضعها في المطبخ وبين أكياس الخضار كانت بمثابة أنا أعشقك
وحادثة المعطف ذلك الذي أحضره لي ولم يكن معه من المال الا القليل القليل كانت بكل قواميس الغرام في الدنيا.
صرت أنظر غلى مواقفه وأقيسها بمواقف أزواج زميلاتي
زوجي كان يساعدني في البيت وفي الاولاد، يحضر لي الخضار وحتى يجمع معي علامات الطالبات، أما أزواج صديقاتي خاصة غادة فأزواجهن لا يساعدونهن مثل زوجي، فغادة مثلا أجدها منهكة من الركض من البيت إلى العمل إلى مدارس الأولاد، وزوجها في البيت مستريح، لا يتكلّف إلا ثمن رسائله لها وكلمات غزل جوفاء منه.

بالله عليك أخبريني، أليس الزوج بمواقفه وليس بأفعاله؟؟؟

ضحكت من سؤالها الذي تعرف اجابته، فكل منا تحب رجل المواقف اكثر من رجل الكلمات ولكن حبّذا لو اجتمعت في الزوج مواقفه مع كلماته الرقيقة فكم ستكون الحياة ممتعة معه وسعيدة.

 

سحر لبّان
  • مقالات
  • قصص
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط