اطبع هذه الصفحة


ليلة لن أنساها

أ.سحر عبد القادر اللبان


كانت ليلة ليلاء اشتدّ فيها الألم، لم أكن أتصوّر أنّ الأمر سيتطوّر إلى مستشفى وغرفة عمليّات، كنت أظنّها نوبة ألم ستنتهي كسابقاتها، كوب من السائل الحار ويتلاشى الألم تدريجيّا، هذا ما كنت أظنّه وهذا ما فعلته.
كانت هذه الليلة هي ليلة السابع والعشرين من رمضان المبارك، أمس أخذنا الإجازة من العمل وهذا يعني لي الكثير، يعني أنّني يمكنني قيام هذه الليلة بطولها وكذلك ليلة التاسع والعشرين أيضا.
ومنذ الصباح قررت أن أقلّل الأعمال حتّى يخفّ ألم الظهر الذي بدأت أشعر به في اليومين السابقين، لا أعمال منزليّة، راحة تامّة ونوم في النهار كزوادة لليل.
وما إن اقترب المغرب حتّى بدأ الهاتف بالرنين، والكل يسأل أين ستقيمين الليلة، والردّ واحد: في المسجد العمري الكبير طبعا.
وتواعدت مع عدد غير قليل من الصديقات والقريبات على اللقاء هناك، ووعدت بإعادة البعض بسيارتي، فسيارتي كبيرة ولن يكون معي غير ابني وابنتي.
وجاء الليل، وأذن للعشاء، جهّزت نفسي للذهاب لصلاة العشاء والتراويح، ابنتي تتباطأ وابني يرفض ويتحجّج بالدروس .
لا، الليلة الشيخ سيختم القرآن، وأريد أن أكون موجودة، لا تحرماني من هذا..
ووافقا على مضض، كانا يريدان الذهاب عند الحادية عشرة وقت القيام، ولكنهما لبيا طلبي وأذعنا لرغبتي.
ولبسنا وتجرهزنا، وأنا متوترة حتّى لا نتأخّر على الصلاة. ولكن...ما ان وصلنا إلى أسفل العمارة حتّى فوجئنا أن سيارة تقف خلف سيّارتي وصاحبها غير موجود في العمارة، فقد خرج مع عائلته بسيارته الثانيّة..
شعرت بالحزن والإحباط
وحاول الناطور مواساتنا فقال إنّ الرجل لن يتأخّر كثيرا، لا بدّ أنّه ذهب للإفطار عند أقربائه وحان وقت عودته.
وعدنا إلى البيت على أمل الذهاب وقت القيام.
اقتربت الساعة منتصف الليل والرجل لم يعد بعد، وأنا أزداد توترا، متى سيعود؟
وهل ستضيع علينا الليلة؟ لنذهب بسيارة أجرة، لكن..هناك مطر..وهناك عودة في الفجر والأوضاع الأمنية غير مستقرة ومعي ابني وابنتي، ماذا علي أن أفعل؟
وسمعت الرد من ابني
وهل لا يمكن القيام إلا في المسجد؟ لنقم هنا، نصلي ونقرأ القرآن وندعو الله تعالى.
نعم، ما علينا إلا أن نفعل هذا، ولنحضر أنفسنا للقيام.
بدأنا الصلاة والدعاء بخشوع لم أشهده من قبل، وشعرت بسعادة تغمرني
الحمد لله رب العالمين على نعمة الإسلام والإيمان.
ونظرت إلى مصحفي وإلى مؤشر الصفحة حيث توقفت في ختمتي، علي أن أختمه الليلة ان شاء الله، نعم، علي أن أفعل هذا، وانزويت في ركن بعيد في الغرفة أقرأ القرآن واستشعر كلماته.
هناك سجدة للتلاوة علي أن أسجدها، وقمت من مكاني و...و...شعرت بدوار...ثم بألم حاد في معدتي وفي ظهري
يا الله ما هذا الألم، إنّه أقوى من كلّ المرّات، ماذا أكلت الليلة حتّى شعرت بآلام المعدة؟
لا بدّ أنّ السبب توتري الناجم عن عدم قدرتي على الذهاب إلى المسجد.
واشتدّ الألم، واسترقت نظرة سريعة إلى ساعة الحائط، إنّها الثانية بعد منتصف الليل... بقي ثلاث ساعات للفجر، عليّ أن أتحامل وأن أكمل التلاوة والصلاة، الليلة قد لا أشهدها من جديد.. لن أسمح لأي ألم أن يمنعني عن القيام...
وقمت وأنا أتلوى من الألم، وصليت معهما، وأنا أحاول ألا يشعرا بشيء، لكن الآلام ازدادت، وظهر الاعياء الشديد علي، ركضت ابنتي وصنعت كوب نعنع ساخن، وأسرع ابني يحاول مساعدتي بطرق بدائية، وأنا أطمئنهما، ألم معدة كالعادة، لا عليكما، سيذهب كما جاء باذن الله.
لكنه لم يذهب، ختمت القرآن والدموع تغسل وجهي، لم تكن هذه المرة دموع الخشوع، بل كانت دموع الألم الشديد، وانتظرت الفجر على نار، وأملت في النوم كمسكن للألم، لكنه لم يسكن، ونام كل من في البيت، وحدي لم أستطع النوم، وقمت أحاول المشي علّ الألم يخف، وشعرت برغبة في التقيؤ، وفرحت علّه يخفف من الألم لكنه زاده.
يارب...ما الذي حصل؟ آلام فظيعة لم أشعر بها من قبل، أتكون المنية قد حانت؟ الحمد لله أنني ختمت القرآن وقمت الليلة ، يارب إني أستودعك ديني ونفسي وأولادي ...يارب ارحمني...لا طاقة لي على مزيد من الآلام...
الآلام تمزقني...ياااااااااااااارب
ونظرت إلى الساعة إنها السابعة والنصف، أيقظت زوجي وقلت له إني أحتاج لمسشفى، وأسرع بدوره وأيقظ الأولاد.
الجار عاد والسيارة لم تعد محجوزة، وبسرعة البرق كنت أمام باب الطوارئ
أسرعت الممرضات واستقبلنني، وأتى الطبيب وبدأ بالفحص، وأنا أصرخ وأطلب المسكن...أرجوكم، مهما كان مرضي أريد مسكنا..ما عدت أطيق الصبر، وأجهشت بالبكاء فأجهشت معي ابنتي وابني.
أعطوني مسكنا سكن الألم ربع ساعة وعاد بعدها أقوى من الأول، ثم أعطوني آخر كان كسابقه تماما، وصار الأطباء يدخلون ويخرجون، نحتاج لدم، نحتاج لصورة أشعة ..
الصورة تقول إن المرارة ملتهبة ولا يمكن الانتظار إلى الغد، إلى العمليات فورا...
ماااااااااااااااااااااااااااااااذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عمليات؟ إلى غرفة العمليات؟ بنج عام، عملية جراحية، لم؟
ونظرت إلى أولادي أكحل عيني برؤيتهم قبل البنج، هذه طريق قد لا أعود بعدها وقد أعود
ورأيت الدموع تغسل العيون، ضحكت بوجوههم...انتبهوا إلى بعضكم البعض...ولا تنسوني من الدعاء.
ونظرت إلى زوجي وطلبت منه الرضا، فمن ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة..
وأدخلوني الغرفة وأبعدوني عمن أحب..
لا..كان معي الله تعالى، شعرت بوجوده أكثر من كل مرة
ناجيته، يارب
هذه نفسي بين يديك
ان أمسكتها فارحمها وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين
يارب أولادي، أستودعهم من لا تضيع ودائعه..
يارب..يارب
وسمعت صوتا ينادي باسمي ..فتحت عيني لألمح ابني وأختي ثم أغمضت عيني من جديد، ثم شعرت بهزة وأصوات تطالبني بأن أصحو، هل أنتهت العملية؟
نعم، الحمد لله على سلامتك، بعد قليل سنأخذك إلى غرفتك.
عذبتنا كثيرا، استغرقت ثلاث ساعات بدلا من ساعة
لكن الله رحمك.
الحمد لله لك يا الله
الحمد لله على نعمك التي لا تحصى
الحمد لله على الشفاء
الحمد لله على العافية
الحمد لله على كل شيء.

 

سحر لبّان
  • مقالات
  • قصص
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط