اطبع هذه الصفحة


زوجان

سارة بنت محمد حسن


دخلت البيت، مرتَّبة هي زوجتي، لكن هناك العديد من الملاحظات التي تضايقني منها امممممممم، ها هي ذي أقبلَتْ مبتسمة بشوشة، آه كالمعتاد! شعرها معقوص خلف ظهرها، قلتُ لها ألفَ مرة ألاَّ تعقصه خلف ظهرها؛ لن أبتسم في وجهها، راحت تتحدث إليَّ وتتجاذب أطراف الحديث؛ لكني مصرٌّ على عدم الحديث معها، ألقي لها بعض الكلمات الجافة فقط، لابُد أن تتعلم كيف تتعامل معي.

وضعَتِ الطعام، طعام شهي حقًّا، من النوع الذي أحبه وأشتهيه، سَأَلِينُ لها وأُخبرها أنَّ الطعام جيد، فزوجتي تُحبني حقًّا، وتُحاول أن ترضيَني؛ لكنها تقصر في أمور، أعلم أنها لا تقصد، لكن لا بُد أن تتعلَّم طاعتي، لا لن أعترف لها أن الطعام جيد، سأظلُّ على عبوسي.

مرَّ يومان، تُحاول الزوجة أن تتجاهل ضيقَ زوجها تارة، وتارة تسأله عن سبب ضيقه، فينفي في برود، تحدِّثه وتضحك وتتصل به في عمله، تكلِّمه تحكي له تستشيره... والزوج مصمِّم على الخصام!

في النهاية سألته: أنا أثق أنَّ هناك شيئًا جعلك مُستاءً مني بهذه الطريقة؛ لكني لا أعرف ما هو، أرجوك أخبرني! وبكَتِ الزوجةُ.

هنا، وهنا فقط قرَّر الزَّوج أن يتحدَّث، قال لها: لقد حذَّرتكِ ألف مرة من أن تعقصي شعرك خلف رأسك؛ ولكنَّك أصررت. نظرتْ له الزوجةُ غير مصدقة، قالت: هل كل هذا النكد والخصام والضيق في البيت من أجل هذا السبب التافه؟!

ثار الزوج وأرعد وأبرق: تااااااااااافه؟! أنا تافه؟ ورأيي تافه؟ ما هذا الكلام؟!

أهذا الكلام يصدر من زوجة محترمة؟! ثُمَّ إنَّنا لنا عام كامل وكل يوم أقول لك لا تعقصي شعرك خلف رأسك، وأنتِ لا تطيعيني!

قالت له: أحقًّا ما أسمع؟! هل أطالبكَ بالقَسَم أنَّني منذُ أن تزوَّجْنا أعقِصُ شعري؟ أنا أغيِّر تصفيفةَ شعري يوميًّا!

قال الزوج في برود: وأنا أمرتُك ألاَّ تغيِّري تصفيفتَه، دعيه هكذا منسدلاً، لا أحبه معقوصًا، ثم... ثم هذا الرّداء، طلبتُ منكِ ألاَّ ترتديه، أليس كذلك؟

قالت الزوجة: لي شهر لم أرتدِه، والآن وجدتُه ملائمًا للجو، كما أنني كنتُ أعمل في المطبخ؛ ولهذا لا أستطيع أن أترك شعري منسدلاً طوال الوقت!

قالت الزوجة في ضيق: هلاَّ توضَّأنا وصلَّينا ركعتين؛ لنطرد الشيطان؟!

قال لها: أنتِ مَن جلبه، ولو أطعتِني لما جاء. انطلقت الزوجة تضحك فجأة وقالت: زوجي العزيز ألاَ تَجد أنَّه لو سمع أحد ما يدور بيننا من حوارٍ لقال عنَّا أننا أطفال؟! ثارت ثائرةُ الزوج مرة أخرى وقال: لا، ثم لا، ثم ألف لا! أنا حرٌّ في بيتي أقول ما أشاء، وليس عليكِ إلا التنفيذ، أنتِ زوجتي؛ فيجب عليكِ طاعتي في كل وقت.

استفزَّ كلامُه الزوجةَ، وشعرت أنه يريد افتعال مشكلة، قالت له: أطيعُكَ إلا في معصية الله!
ماذا تتوقَّعون؟! وقت غضب، ونفث شيطان، واستفزاز...
قال الزوج: لا تقولي هذا!
قالت الزَّوجة: بل سأقوله؛ أليس هذا من كلام النبي - صلي لله عليه وسلم؟!
قال ثائرًا: وهل آمرُكِ بالمعصية؟! ثم ولو كان هذا صوابًا لا تقوليه، أنا آمرك بهذا!

تصاعدتْ حدَّة الكلمات، وتصاعدت، وتصاعدت، وتفاقم الأمر، وأعلنت الزوجة أنَّها تُريد أن تذهب عند أهلها، وأن يكون الانفِصال! فهذه المشكلة هي القشَّة التي قصمت ظهر البعير! ورفض الزَّوج، ودخلت غرفتها وأغلقت الباب.

بعد أن هدأَ الزوجُ قليلاً وصلى ركعتين طرق الباب، وقال لها في خشونة مصطنعة: هلاَّ قمتِ فتوضأتِ فصلَّيتِ ركعتين؟!

كانت تبكي بِحُرقة، ولم تَرُدَّ، قال لها وهو يُلِين الكلام: صلِّي وسنتحدث حديثًا طويلاً نتقي فيه الله تعالى أنا وأنت.

فماذا دار بينهما بعد الصلاة؟!

بعد أن صلَّتْ قال لها: حسنًا هل يُعْجِبك ما حدث؟! ألم يكن من الأفضل أن تطيعيني؟

قالت وهي تكظم غيظها: ممكن تُعِيرني آذانَكَ قليلاً؟ ابتسم وقال: تفضلي.

قالت وهي تمنع عَبراتها: كنت لك نِعْم الزوجة...

فتح فمه ليعقب، فوضعت يدها على فمه في رقة، وقالت: اسمعني مرة في حياتك من غير مقاطعة.

كنتُ لك نعم الزوجة، أنا أعلم هذا، أنا أطيعك في كل كبيرة وصغيرة، ليس هذا مدحًا في نفسي، لكنك تتعمَّد أن تقهرني، أنتَ تتركني طوال اليوم ولا تكلف خاطرك أن تتصل لتسأل عني، أكلِّمُك فتردُّ عليَّ بجفاء، الخطأ الصادر مني كبييييييييييييير، وما يعجبك قليل، إن أعجبك شيء ما - أراه في عينك - تبخل عليَّ بكلمة ثناء، وإن قلتَ كلمة ثناء تقتصد في الكلام.

وتكتفي بأن تقول: جيد - مقبول - معقول، وفي الذَّمّ تتخيَّر المبالغات وتذمّ بشدَّة، لا تُحاوِل الإصلاح قدر ما تُحاول الذمَّ والنقد، نقدُك غير بناء، أظل طوال النهار أدور في البيت وحيدة، فأحاول إعداده؛ ليكون في أبهى صورة عندما تأتي في المساء، فتدخل لتدور بعينك وتنسى أن تشكرني على تعبي؛ لتبحث عن شئ تنتقده، ويثير بيننا الخلافات والمشاحنات، أرتدي أفخر الملابس وأحسنها وأتزيَّن وأتعطَّر فلا ترى إلا ما لا يعجبك، وإذا اعترضتُ على ما تقول تثور وترغي وتزبد، وتندِّد بالفتن في الشوارع، وأنَّني يَجِبُ أن أُعِفَّكَ، وهل قصرت في التزين؟! لكنَّك تُريد أن تَجعلني آلةً حديدية: تبتسم عندما تريد، وتتحرك عندما تريد، ثم لم تسأل نفسك لحظة: كيف أعفّ أنا زوجتي؟!

أرسل لك خطابات أبثُّك فيها حبي، فتُقابل كلَّ هذا بجفاء، وتدَّعي أنَّ الرجولة هو ألاَّ تظهر لزوجتك حبَّك، وأن تقسوَ عليها، وتظهر لها الجفاء، فأين عفَّتي؟!

أحيانًا يأتيني الشيطان فيقول لي: انظري إلى الفتيات المنحلاَّت في الشوارع، يسمعْنَ كلمات الغزل والمديح والحب، وأنت لأنَّك عففتِ نفسك محرومة! أطرده وأصبر؛ فأنا أعلم أنه ابتلاء من الله؛ ليعلم مني الرضا والصبر، أحاول استمالتَك فلا تميل!

أين أنا منك؟ لماذا لا تفكر إلا في السيطرة عليَّ، وإثبات أنَّك مطاع؟! وهل قصرتُ أصلاً في طاعتك؟ لماذا تتحدث دائمًا كما لو أنَّك تشْعُر أنَّني لن أُطِيعَك؟ أين ثقتك في نفسك؟! هل الرجولة أن يعلوَ صوتُك؟ هل الرجولة أن أخشاك؟!

الرجولة أن أَحْتَرمك، أن أحبك، أن تحتويني، تُقوِّمني برفق وحنان، الرجولة أن تترفق بالقوارير، الرجولة أن تُشعِرَني بالدّفء والأمان، الرجولة أن تُحِبَّني وتبثني غرامك، الرجولة أن تكثر مدحي على ما أفعله من أجلك، الرجولة أن تضطرني اضطرارًا لطاعتك؛ لأنك تعمل على مراعاة الشرع والصالح العام، وليس لأنَّك تقول كلامًا غير ذي معنى، وتريد مني أن أطيعك وحسب، الرجولة أن تكون أنت الصديقَ والحبيب والمعلِّم والزوج.

لماذا يا زوجي الحبيب... لماذا تشعر بالنَّقص؟! لماذا تظنّ أنَّ قسوتك رجولة؟

كانت الزوجة تتحدث ودموعها تسيل على وجهِها، وحين رفعت عينها إلى زوجها وجدتْ وجهًا غير الوجه الأول، وسالتْ دموع الزوج، وامتَزَجَتْ دموعُهما! ثم أشرقتِ البسمةُ من جديد، وبدأ عهد جديد.

أسأل الله العظيم أن يجعل في بيوت المسلمين عهدًا جديدًا من الحب والوئام والمودة والرحمة {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

 

سارة بنت محمد
  • الأسرة
  • وسائل دعوية
  • درر وفوائد وفرائد
  • تربية الطفل المسلم
  • قضايا معاصرة
  • عقيدة
  • رقائق
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط