اطبع هذه الصفحة


نصيحة ...!!

سارة بنت محمد حسن


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
وبعد..،
كم من مرة تحدثتَ مع شخص فاختلفتما واشتد الخلاف في وجهات النظر ، ثم بعد أن خلوت إلى نفسك وتفكرت في الحوار في تعقل وتروٍ وجدت أن كلاكما متفق في الرأي لكنكما اختلفتما في انتقاء الألفاظ وأسلوب العرض؟؟!
الشق الأول من الحادثة متكرر آلاف المرات ..كثيرا ما نختلف وكثيرا ما يشتد الخلاف ونحتد لنثبت وجهات نظرنا ، وقد تصل حدة المناقشة إلى الخصومة .
الشق الثاني قليلا ما يحدث ، أو فلنقل نادرا .....أو إحقاقا للحق ....لا يحدث أبدا إلا ما رحم ربي وإلا ممن رحم ربي.
كم من مرة قرأت مقالة لشخص فظننت أنك ذكي وسريع البديهة وتستطيع التقاط الأفكار بسرعة وحنكة ومهارة فتقرأ أول كل سطر وتمر مرا غير كريما ، بل قل مرا شحيحا على بعض أحرف بعض الكلمات من بعض الأسطر ، ثم تبرق عينك في حبور وذكاء وتهتف : وجدتها !!
ثم تسارع في اتهام صاحب المقال ببعض التهم ثم تذهب لتأكل وتشرب وتضحك تاركا الكاتب يتميز غيظا ويشد شعر سوالفه ولا تكلف نفسك أيضا بقراءة رده أو سماعه ، فكل كلماته دفاعا عن نفسه ولا داعي لمتابعة المرافعات الدفاعية طبعا ، لأن النتيجة معروفة ومحسومة من قبل ، فأنت الأذكى والأصوب والأكثر عقلا وفهما ورأيك صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيرك هو عين الخطأ ولا يحتمل أبدا الصواب ......!!
هذا كثيرا ما نفعله جميعا ، أنا وأنت وكلنا ....إلا من رحم ربي سبحانه ..
فكم من مرة تابعتُ نقاشا علميا محترما في مسألة محترمة ووجدت الردود خارج الموضوع وتنم عن عدم قراءة متأنية للكاتب أو عدم سماع منصت المتحدث ...
لماذا نشك دائما في قدرة الآخرين على إصابة الحق ، ولا نشك للحظات قليلة في قدرتنا على الفهم ؟؟
فالقراءة السريعة والاستماع بنصف أذن تنفع في كثير من الأحيان ولا شك وتختصر الأوقات ....إلا عند الاختلاف ، فعند الاختلاف لابد أن نعود فنقرأ الكلام عدة مرات ، ونعود فنستمع منصتين للحديث عدة مرات ثم نجزم بوجود اختلاف أو تضاد ، ثم يأتي بعد ذلك مرحلة البحث عن صحة الرأيين بصورة موضوعية بدون تعصب شخصي.
فلو أولى كل مناقش أذنه وعينه لمحدثه وقرأ مرة بعد مرة وسمع الحديث مرارا وتكرارا وسأل الكاتب والمتحدث عن قصده ...- أقول لو – لأطحنا بربع الخلاف ..!!
وإذا لم يكن ثمَّ فرصة لسؤال المتحدث والكاتب عن قصده فأعملنا حسن الظن في الكلام – قدر المستطاع- لأطحنا بالربع الثاني من الخلاف ...!!
وإذا أعطى الإنسان نفسه فرصة ووقتا بعد النقاش ليفكر في الحوار وليتدبر ويفهم الكلام على حقيقته ومراد صاحبه لا على مراده الشخصي ولا يترك فرصة لنفث الشيطان ، ولا يترك فرصة لحديث النفس غير السوي الذي يسارع بالاتهام قبل أن يسارع بالعذر ...لأطحنا بالربع الثالث من الخلاف...!!!!
ويبقى ربع من الخلاف يطيح به حسن الخلق والبسمة وحسن الأدب في النقاش والاختلاف ، ثم الود الواجب بين المؤمنين!!
فقد روى الترمذي عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ، ولكن في التحريش بينهم صححه الألباني - صحيح الترمذي
ولا شك أن الاختلاف -لا الخلاف العادي- من أشد التحريش بين المصلين فالخصومة تنشأ في الأصل من الجدل وما يتبعه من التباغض وذلك منهي عنه شرعا لقوله صلى الله عليه وسلم : أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا" السلسلة الصحيحة – قال الشيخ الألباني حسن لغيره.
والاختلاف وإن كان سنة كونية إلا أنه مذموم لقوله تعالى : "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ " سورة هود الآية رقم 118-119 ، فمن رحم ربك هم الذين اتفقوا على التوحيد كأصل وعلى رد الخلاف لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه وسمته وفهم صحابته فيعود الخلاف اتفاق ورحمة وود ومحبة – ولو تمسك كل منهما برأيه - لأن الذي جمعهم هو المحبة في الله والخضوع لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا شك أن الخلاف عندما يتحول إلى حوار غير متصل بين المتحدثين فلا يفهم الأول عن الثاني ولا يبذل الجهد في إدراك مقصد الكاتب أوالمتحدث فيصير النقاش عقيما ويتحول إلى مجرد محاولات لاثبات صحة وجهات النظر الشخصية فهذا ولا شك هو الجدال المذموم الذي ليس له من أثر طيب بل آثاره المتوقعة هي مزيج من البغضاء والتناحر والشحناء والخصومات بين الخلق بالاضافة إلى كم مروع من أمراض القلوب بدءا من العجب ومرورا بالغضب والبغض للمسلمين وحب الانتصار للنفس ثم الرسوخ عند الكبر ومن ثمَّ قتل الاخلاص في مهده فلا يستطيع أن يشب على قدميه أبدا!!
وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رجلا قرأ آية ، سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم خلافها ، فأخذت بيده ، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : كلاكما محسن . قال شعبة : أظنه قال : لا تختلفوا ، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا .
فهناك كثير من الأمور قد يكون الطرفين فيها على حق من زاوية لأننا لا نستطيع الجزم لفرد أن معه الحق المطلق ، كما أن أغلب خلافاتنا مع الأخر تكون في وجهات نظر بحته ولكننا نحولها لأمر فصل بين الحق والباطل وقد نختبر عليها الأخرين ونمتحنهم بها رغم أنه لم يرد في الكتاب والسنة الأمر بعقد هذا الاختبار.
ونحترز في هذا المقام من التساهل في عقائد أهل السنة والجماعة فهي غير قابلة لأن تكون مجرد وجهات نظر يسع فيها الخلاف ، كذلك لابد أن ندرك أن الخلافات الفقهية الحق فيها واحد لا يتعدد لكن كل مجتهد مأجور مادام أهلا للاجتهاد ، فمن المؤسف جدا أن نجد مسلما من أهل السنة يعادي مسلما من أهل السنة لأنه خالفه في وضع اليدين في الصلاة ! وترى هذا يختبر الناس عليها ويبني عليها أصول الولاء والبراء!
عذرا قد أطلنا في الكلمات نصحا لأنفسنا قبل أنفسكم ورغم أنها نصيحة معروفة ومألوفة لكن نسأل الله تعالى أن ينفعنا وينفعكم بها فتكون لنا حجة يوم القيامة ولا تكون حجة علينا نسأل الله لنا ولكم السلامة.


 

سارة بنت محمد
  • الأسرة
  • وسائل دعوية
  • درر وفوائد وفرائد
  • تربية الطفل المسلم
  • قضايا معاصرة
  • عقيدة
  • رقائق
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط