اطبع هذه الصفحة


صديقتي (1)

سارة بنت محمد حسن


أحدثكم اليوم عن صديقتي..وهذا يعني أنني أكشف لأخواتي قطعة من دواخلي...وهذا لا يحدث في المعتاد إلا لمن له في قلوبنا مهاد!!

صديقتي تلك مختلفة عني في كل شيء ...في
مظهرها وجوهرها..

دعكن من المظهر ولنتحدث عن
الجوهر......

هي
هادئة جدا جدا جدا ....وأختكم عصبية إلى درجة أنني أتوقع أن أنفث اللهب كالديناصورات وأن تنفث هي حبات من لآلئ الجليد !!

أنا أعشق
الرياضة والهندسة والنحو

....وهي تبغضهم كما نبغض
الموت والفقر والمرض!!

وهي تعشق
التاريخ واللغات و كل المواد الأدبية ...وأنا أشعر مع هذه المواد بأنني غبية !!

وهذا هو جوهر
الاختلاف ....لكن أبدا لم يكن جوهر الخلاف ...

بل كان جوهر التوافق المدهش..........

تماما كما تتجاذب أقطاب حجر المغناطيس المختلفة..وتلك تشبيهات فيزيائية مؤتلفة!

أول لقاء بيننا - كالمعتاد - كانت تشعر أنها لن تستطيع التعامل مع كتلة
النار الحارقة التي هي أنا! هذا وهي لم تراني بعد متألقة بشذرات الغضب الحارقة ...ورغم ذلك كانت ترتجف فرقا

كان أول لقاء في الجامعة وأنا بعد
ساكنة هادئة! ...لكنها رأت النيران المشتعلة تحت رماد الابتسامةالمفتعلة

لم أعرها اهتماما...لأني رأيت
برودا سميته في الحال سلبية ..

وكانت معاملتي معها من قبيل هز
الرءوس بالتحية والابتسامة الباردة المنسية!

وعندما يزداد (
الوداد) تقول أو أقول في اشمئزاز : أهلا! ...والأفضل أن نسلم بتحية الإسلام على جماعة الجالسين كي لا تخصني أو أخصها بالتحية!!!

ثم جمعني بها لقاء في نفس العام ...ثرثرنا فيه كثيرا ..وصدق من قال :"تكلم حتى أعرفك!!"

وقد انتهى هذا اللقاء بأن كان لبنة صداقة ومحبة في الله لا انفصام لها إن شاء الله ...

انبهرت هي بأن عرفت أن هذه
النار المشتعلة التي هي أنا ..قد يكون منها منافع كالتدفئة وانضاج الطعام!
وانبهرت أنا حين أدركت أن هذا
الجليد له العديد من الفوائد الكرام!

كانت الثرثرة عن الدعوة ...فهي كانت داعية من النوع
الهادئ اللطيف الذي يتلطف للناس ويكلمهم بالحسنى وتتحرج جدا أن تحرج أحدا ..
وكنت أنا أميل للدعوة
بالتوبيخ والتخويف وأغلظ الأقوال والتعنيف ويا ويلها يا ويلها من يوقعها سوء حظها في طريقي!!

والآن قد مس
الجليد النار...ومست النار الجليد ..

فلابد أن
جبال ذابت وحدث طوفان ...ولابد أن الماء الذائب قد أطفئ قليلا من النيران ...

فلسوف أقص عليكم تأثير هذا المس العظيم بين
النار والجليد ........فماذا حدث ؟؟؟

 

*****

صديقتي!
يا لها من
ذكريات ..!!
* * *

عندما رن الهاتف واتصلتي بي لأسألك في روتينية...لماذا كنت غائبة؟! (هي
المتصلة!!)

فتقولي كنت على سفر!!

فأهتف في دهشة والآن عدت؟!

لتهمسي في نفسك في
سخرية: الحمقاء تظن أنني أهاتفها ما أن عدتُ من السفر!

ثم تقولي في لباقة بصوت عال: بل عدتُ من يومين! ثم تنتقلي للسؤال عم كنتِ تريدين!!........

ما كنتِ تتوقعين أن تسارعي يوما إلى الهاتف كلما عدتِ أو خرجتِ من البيت ...
لتتصلي بي!
وما كنتُ أتوقع أن أفعل ذات الأمر
معك!!

* * *
من أين أبدأ ومن أي
منحنيات الذكريات أمر؟!...أمِن حين تغيرتُ أم من حين تغيرتي؟؟..أم من .........؟؟!

لعل المناسب أن أبدأ من
البداية......

حين جلستُ أستمع في
ملل بعد انتهاء دوام الدراسة إلى قصة حياتك!

لستُ أتذكر ملابسات الجِلسة..
كما لستُ أدري ما هي الخصلة الحسنة في أخلاقي التي دفعتني يومها للجلوس أستمع في
سأم حقيقي لما تقصيه عليّ، وأشرد بذهني وأتسائل ...متى ستنتهي؟ وماذا تريد؟!

لستُ
صديقتها وليست صديقتي!!

* * *

لم تكن وقتها ترتدي النقاب...وكنت وقتها قد مر على دخولي عالم الالتزام عامان!

عامان قضيتهما بين أوراق المذاكرة في مدارس الراهبات...أتحداهم ويتحدونني.....

عامان لم أتخلق فيهما بخلق إلا
التحدي..
والغضب...
والشدة...
والجفاوة...
والوحدة...

عامان ما بين الأوراق والكتب...ونظرات التحدي...والابتسامات القاسية...

وتلك نقطة مشتركة بيني وبين
صديقتي!!..هي كذلك كانت في مدارس الراهبات ..

العلم الشرعي الذي حزته فقط هو أن من ليس
معي فهو ضدي..

من لا ترتدي النقاب فهي بالتأكيد حمقاء متساهلة مفرطة في أمر دينها...

ترجيح
الحرام واجب شرعي....والأخذ بالأصعب والأشق...هو الراجح دوما..

الترهيب حتى يقنط السامع من رحمة الله...أما الترغيب فهو أمر ينم عن ضعف الدين والتقى!

وأشرق بعدهما أمل جديد...أن دخلت جامعة الأزهر! وسطعت نفسي وأنا أمنيها بالعلم الشرعي!! لأتلقى صدمة قاسية...

لا علم
ولا شرعي

فما ظنكم في ظني بــــــ
ها؟!
* * *

جلستُ يومها أستمع لها في
ملل ويسقط جل ما تقول من ذاكرتي وأنا أتظاهر بالاهتمام...

ثم افترقنا..وأتتني في اليوم التالي تقص علي بهدوئها المعهود وأستمع لها بسأم مفروض..

قرعت أذني
كلمات..."الكلب...طفقت أجري.......تذكرتُ أنني نسيت الأذكار ....صرخت يارب...انصرف...قال أحدهم ......"

قلت لها وأنا لا أفهم:
ماذا حدث؟؟!
......

فماذا حدث؟؟!!

* * *
 

كانت تقص بنبرة...لا أثر فيها للانفعال!!

ابتسامتها
متألقة كما هي ..

لا أدري ما الذي يربطني دائما بهذا النمط
الهادئ ..ولكن الحقيقة أن أقرب صديقاتي دائما ما يكن هكذا! وكأن الأقطاب المختلفة تتجاذب

حسنا ..لأني أوقن الآن أنكن تأكلن كلماتي أكل الجائع للطعام..ولن تستشعروا جمال حكاياتي لأنكن في الواقع تردن معرفة .......القصة..!! : ))


قالت صديقتي:" سهوت يوم جلست معك بعد دوام الدراسة عن ذكر الله تعالى بما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم في المساء..

ورغم ذلك كانت الجلسة سعيدة ومفيدة

وفي طريق العودة كنت أسترجع كلماتي وكلماتك وأتعجب لماذا كنت أظن فيك ظن السوء (
المسكينة غيرت فكرتها عني!!)

فشردت ثم ... (هنا سقط من الذاكرة)

ومشيت في الشارع وأنا أفكر وأفكر..ولم أنتبه إلى على صوت
الكلب والنباح ..

التفت خلفي فرأيت...يا رباااااه أغثني!

كلبا كبيرة
شرسا يجري خلفي..

ولا تسأليني عن دروس الأمن وأنك إن رأيت كلبا فلا تجري..

فما أن رأيته إلا وأطلقت ساقي للرياح ...

وقفز الكلب على ظهري فوقعت أرضا ...وشعرت
بأسنانه الحادة على نعل حذائي

لم أدر إلا وأنا أصرخ ياااااااارب (
صوتها علا قليلا ها هنا ..يلاحظ المستمع انفعالا خفيفا يكاد يكون غير ملحظوظ!!)

تذكرت أنني لم أذكر الله بأذكار المساء...عاهدت ربي في ثانيتين ألا أترك الذكر أبدا أبدا أبدا ...واستسلمت لقدري ولا يردد لساني إلا قولي: يارب ...وقد تعلق قلبي
بالله وحده! وملأ فؤادي اسمه سبحانه وتعالى وغاب عني كل حبيب وكل بشر ولم أتذكر إلا هو سبحانه وأنني ليس لي رب سواه...


الثانية الثالثة..!!

انسحب الكلب!!!!!!!!!!!


وأقبل رجل أمن يحرس بنكا بالشارع ليهنئها على السلامة ويقول :
سامحيني يا أختي !!ما كان لي أن أتدخل يا أختي! لقد فتك هذا الكلب برجل بالغ من يومين فقطعه إربا!! وأنا لا أدري كيف تركك ومضى دون خدش!"

جعلت صديقتي تنظر إلى حذائها الذي كان في فم الكلب من لحظات..

وتتفحص جسدها مندهشة...

وتقلب كلام الرجل في ذهنها...

ثم أكملت طريقها ...

وجعلت تحمد الله وهي توقن أنه هو سبحانه الذي أنقذها ..


ثم جعلت تردد أذكار المساء ....بمنتهى الأدب!


وها قد لاحت ساعة الرحيل وإن قصص صديقتي لم تنتهي!
وتوضيح ذلك طويل المدى...فأستمحيكم عذرا وإلى الملتقى!!

--------------

ملحوظة : الحوار ليس باللفظ بل بالمعنى...ولا ريب أنني تصرفت في الألفاظ تصرفا شديدا ..

صديقتي (2)
 

سارة بنت محمد
  • الأسرة
  • وسائل دعوية
  • درر وفوائد وفرائد
  • تربية الطفل المسلم
  • قضايا معاصرة
  • عقيدة
  • رقائق
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط