اطبع هذه الصفحة


خواطر وشجون في عيدك الميمون!

الدكتورة شميسة خلوي


قالوا: إنَّه العيد! فلتفرحي ولتمرحي، ولتلبسي أجمل ما عندك، ولتُعبِّري عن ابتهاجك، إنَّه عيدُك، عيدُ المرأة!

قلتُ: كلا، وألف لا.

قالوا: ألستِ امرأة؟!

قلتُ: بلى، وربِّي، لكنَّني لن أرضى بأن أكون جزءًا من خُطط الآخرين! لستُ بحاجة ليومٍ كي أكتشف أنَّني أنثى!

وأنتِ يا أخيّة، هل ستلتفِتين لدعواهم، وتمتثلين لرغباتهم، وتجعلين الثامن من مارس عيداً لكِ؟

تعالي -يا رعاكِ الله- إلى حديث أسرُّه إليك لعلّ وعسى!

حديثُ أنثى لأنثى ... حديثُ قلب لقلب... ورُوح لرُوح.

ولعلَّ جولة تاريخية سريعة في تاريخ الثامن من مارس، تُساعد على فهم القضيَّة، فما تعرفين عن هذا المسمى (عيدُ المرأة)؟

معلوم أنه باقتراب يوم الثامن من مارس/آذار، تستعدُّ المجتمعات الدوْلية للاحتفال بما يُسمى بـ(العيد العالمي للمرأة)، في هذا اليوم يُحتفى بإنجازات المرأة في مختلف مناحي الحياة، السياسية والثَّقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

ترجع الحكاية إلى أوَّل احتفال تمَّ تكريما للمرأة الأمريكية، في كامل القطر الأمريكي في 28 فبراير/شباط من سنة 1909م، وأصبح الاحتفال بهذا اليوم كل آخر أحد من ذلك الشهر، وهذا وِفقا لإعلان الحزب الاشتراكي الأمريكي.

وتمَّ الاتّفاق على تدويل اليوم بإعلانه يوما دوليا مُوحَّدا لتكريم المرأة، تشريفا للحركة الداعية لحُقوق المرأة، وذلك إثر اجتماع كوبنهاغن للدول الاشتراكية، العام 1910م، ولم يحدِّد المؤتمر تاريخا للاحتفال بيوم المرأة.

ليتم الاحتفال رسميا بعيد المرأة يوم 19 مارس/آذار من سنة 1911م، في كل من ألمانيا والدانمرك وسويسرا والنمسا، حيث شاركت ما يزيد عن مليون امرأة في الاحتفالات، وطُرحت مجموعة من القضايا التي تخصُّ المرأة، كالحقِّ في التصويت والعمل في المناصب العامة، والتدريب المهني وإنهاء التمييز في العمل.

أما في روسيا فقد حُدِّد آخر يوم أحد في شهر شباط/فبراير 1917م، لتنظيم الإضراب من أجل الخبز والسَّلام، هكذا قرَّرت النساء الروسيات حينها، ونجح إضرابهن، ووافق يوم الأحد ذاك يوم 25 شباط/فبراير من التقويم اليُوليُوسي المتَّبع آنذاك في روسيا، والموافق ليوم 8 آذار/مارس من التقويم الميلادي المتَّبع في غيرها من الدول، ثم أخذ اليوم الدولي للمرأة بُعدا عالميا جديدا بالنسبة للمرأة في مختلف بلدان العالم، حين أصبح الاحتفال بهذا اليوم يحظى برعاية منظمة الأمم المتحدة[1].

وصار ذلك اليوم رمزا لنضال المرأة، تخرج فيه المرأة في مختلف دول العالم للمُطالبة بحقوقها وتثبيتا لدورها، وتكون فيه المنظمات النسائية حاضرة بقوة.
وفيه أيضا، تنتظر المرأة علامات احتفاء من شقيقها الرجل، بهدية أو زهرة أو كلمة لطيفة، تذكِّرها بأهميتها!
هكذا هو حال يوم المرأة العالمي، فأين أنتِ من هذه الأحداث كلِّها يا أخيّة؟
فإذا كان هذا اليوم يرمز لإنجازات المرأة الغربية، فما شأنك وما علاقتك التاريخية به؟ وما يدعوكِ لهذا الفعل؟ وقد ميّزك الله بالإسلام، وجعل لكِ حقوقا وواجبات تختلف عن نساء العالم الغربي، وكرَّمك قبل 15 قرنا؟ وهل فوق تكريم الله تكريم؟!

قد تقولين: لا تهمُّني المقدِّمات بل تهمني النتائج! تلك كانت تباشير صحوة نسائية، فلِمَ لا أحتفلُ الآن؟ وأقلِّد بنات جنسي في ابتهاجهن، ألستُ امرأة مثلهن؟

أقول: إنَّه بيتُ القصيد وربي! تلك هي المصيبة وذاك هو الدَّاء بعينه! إنه الاتِّباع المهين والخضوع والخنوع المبتذل! ألم تتدبّري يوما قول الحقِّ تبارك وتعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153]؟

احذري اتّباع هواكِ، بمجاراة الكافرات في عيدهن، احذري أخيّتي من هذا الفعل الشائن، ولله درُّ ابن القيِّم -يرحمه الله- حين قال: «لكلِّ عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتِّباع الهوى، كانت نهايته الذلُّ والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتَّبع مِن هواه»[2]، فالدَّاء كله في اتباعه، والدَّواء في مخالفتكِ إياه.


اسمعي يا أمة الله إلى كلام من لا ينطق عن الهوى،
تفحَّصي كلام الرَّحمة المهداة إلى البشرية وهو يخاطب أُمَّته عليه صلوات من ربي وسلام، قائلا: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ»[3].

كم هو شديدُ الوقع هذا الحديث على نفسي، وأنا أراكِ تقلِّدين المرأة الغربية في عيدها، غفر الله لي ولكِ.

وازدادت العقدة تعقيدا، حينما اعترفتِ به عيدا، فقلتِ غير مبالية: إنه عيد المرأة! متناسية أن الأعياد من خصائص الأديان، والإسلام الذي ارتضاه لنا ربنا دينا، قد أكمله وأتم نعمته علينا، فكيف تبتغين الهدى وترجين السلامة في غيره؟

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -يرحمه الله- معرِّفا وموضِّحا: «العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجهٍ معتاد، عائد، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك»[4].

وقد كرَّمنا الله تعالى نحن المسلمون بعيدين لا ثالث لهما، عيدُ الفطر وعيدُ الأضحى، عن أنس، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ»[5].

وسبحان من جعل العيدين سببا لفرح المؤمن وحُبوره، يقول ابن عابدين في حاشيته: «سُمِّيَ العِيدُ بِهذا الاسم لأَنَّ لِلَّه تَعالى فِيهِ عَوَائِدَ الإِحْسَان أي أنواع الإحْسَان العَائِدَة على عِبادِهِ فِي كُلِّ عامٍ: منها الفِطرُ بعد المَنعِ عن الطَّعَام وَصَدَقَةُ الفِطرِ وإِتْمامُ الحَجِّ بِطوافِ الزِّيارة ولُحُوم الأَضَاحِيِّ وغير ذلك، ولأنَّ العادةَ فيه الفرح والسُّرُور والنَّشَاط وَالحُبُور غالبًا بسبب ذلك»[6]

وباحتفالكِ بعيد المرأة تكونين قد شاركت في استحداث بدعة، وتشبهت بالكافرات في صنيعهن، أوَ لم تعلمي أن هذا الفعل محرّم في ديننا ممقوت في شريعتنا؟ يقول ابن تيمية -يرحمه الله-: «لا يَحِلُّ لِلمُسلمينَ أن يتشَبَّهُوا بهم فِي شيءٍ مِمَّا يختصُّ بأعيادهم لا من طعامٍ ولا لباسٍ ولا اغتسالٍ ولا إيقَادِ نيرانٍ ولا تبطِيلِ عادةٍ من معيشةٍ أو عبادةٍ أو غيرِ ذلك».

ويُضيف: «وبالجُملة ليس لهم أن يَخُصُّوا أعيادَهُم بشيءٍ من شعائرهِم بل يَكُونُ يومُ عيدِهِم عِند المسلمين كَسَائِرِ الأَيَّامِ لَا يَخُصُّهُ المسلمون بشيءٍ من خصائصهم»[7] .
ومن ثمة، فما يُسمَّى بـ(عيد المرأة) تجري عليه الأحكام السابقة نفسها، بعودته كل سنة من نفس اليوم من الشهر، مع اجتماع واحتفال يخصُّ به عن سائر أيام السَّنة، مع إظهار للفرح، وما شانَه أكثر التشبُّه بالغرب.

وعليه، أجمع علمائنا على بُطلان كل عيد مُستحدث، مُخالف للأعياد الشَّرعية أو تخصيص يوم في السنة للاحتفاء برمز من المحدثات الجارية في عصرنا[8]


فليس لكِ إذن، أخيتي أن تحتفلي بعيد غير الذي سمح به الشرع، وإلا فأنتِ تُشاركين في الاحتفال بأمر مُبتدع.


والآن؟!
تشبُّه بالكافرات واستحداثُ بدعة وتخصيص وقت لها، أبَعْدَ هذا حديث؟
أي والله، أعيريني اهتمامك للحظات، ثم احكمي يا كريمة الشمائل.
في هذا اليوم تدعوا المنظمات النِّسوية لتطبيق مجموعة من الشِّعارت المخالفة لشرع الله الحكيم، على رأسها، (نَعَمْ للمُساواة مع الرجل في جميع الحقوق والواجبات).
يا لها من دعوة زائفة، وشعار أجوف، وتمرُّد على الأخلاق والطبيعة الإنسانية وانتكاس للفطرة!
أصوات علمانية تحاكي الغرب وتنعق بما اتَّفق!
بل تمرد على المصطلحات أيضا، فأي مُساواة يقصدون؟ وإلى أيِّ هدف يصوِّبون سهامهم المسمومة؟


لعل الجواب المختصر هو: تغريب المرأة المسلمة.


لحاها الله من دعوة!

من قال يا أخيَّة أننا معشر النساء في حرب مع الرجال؟ ومن قال أن الرجل هو منافسك اللَّدود وندك العنيد؟
إنهم يريدون إبعادك عن دورك الأساسي في مملكتك يا أخيَّة، وتقويض نظام الأسرة التي تُبنى بها المجتمعات، إنهم يودُّون منكِ مُزاحمة الرجال في الوظائف التي لا تستقيم لأنثى ولا تتوافق مع طبيعة المرأة، إنهم يريدون إشاعة روح العداء والتحدّي بينك وبين الرجل، دعوة أطلقها الغرب وتلقفتها عقول أذيالهم من دُعاة تحرير المرأة في مجتمعاتنا.
ويحهم! أيريدون مخالفة الطبيعة الإنسانية؟ وليس الذَّكَرُ كالأُنْثى، سبحان الله! أَلا يعلمُ من خلق وهُو اللَّطِيفُ الخبير؟!
﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 27].
إنَّ الإسلام قد أعطاكِ حقوقا وفرض عليكِ واجبات، ولم يفرِّق بينكِ وبين الرجل، فقال جلّ وعلا: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 228].
فحُقوقكِ مع الرجل مُتبادلة، كل طرف بما يُلائمه ويتَّسق مع خِلقته وفِطرته التي فطره الله عليها، أمّا الدَّرجة الزائدة للرجل في الآية، فهي درجة القوامة، وهذا لا يتنافى أبدا مع حُريَّتك، فليست القوامة تسلط الرجل عليكِ ولا إلغاء لشخصيتك، بل هي حفاظٌ عليك يا أيتها الدُرَّة المصونة واللؤلؤة المكنونة، إنها مساواة تكامل، لا مساواة تنافر، وإنه العدل الإلهي!
في هذا اليوم تتعالى الهتافات: نعم لحريّة المرأة!
أي حُريَّة يقصدون؟ وأي عُصَارَة لؤْمٍ فِي قرارةِ خُبْثٍ يرمون؟
إنهم يريدون ترك الحبل على الغارِب للنِّساء، يريدون أن ينفلت زمام الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة من المجتمع المسلم، وإن انفرط عقدُ الفضيلة، فستتهاوى حلقاته، حلقة حلقة، حتى تُحقِّقي الحريّة المزعومة، ويعلو صوتك حينها: مرحى، لقد صرتُ حُرّة ... كسرتُ قيود التخلُّف والرجعيّة، يا له من نصر تاريخيّ!
ذاك أبعد من النَّجم مرقبا!
ألا بُعدا لدُعاة التغريب، إنه غزْوٌ كوَلْغِ الذَّئب، ألا سُحقا لهم!

حُريَّتُك في انقيادك لله، حُريَّتُك في امتثالك لأوامر دينك وتطبيقها، حُريَّتُك في برِّك وطاعتك لوالديك، حُريَّتُك في حُسن تبعلك لزوجك، حُريَّتُك في حشمتك ووقارك وحجابك وحياءك، فلا تكوني يا أخية من اللواتي لسان حالهن يُردّد ويقول:
قالت: أنا بالنَّفسِ واثقةٌ
حرِّيتي دون الهوى سَدُّ
فأجبتُها -والحزن يعصفُ بي-:
أخشى بأنْ يتناثر العقدُ
ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا
دينُ الهدى والفسقُ والصَّدُّ
والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا
إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ[9]

فتحرَّري من الهوى الفاسد ومن الشهوة في غير محلِّها، تحرَّري من أنانيك وسلبيتك، تحرَّري من قيود التَّبعية، كُوني أمةً لله ، تأتمرين بأوامِره وتقِفين عند حُدوده التي شرعها لكِ.
حينها فقط قولي ولن يلومك أحد: إنَّني حُرَّة!
اللهم غَبْطاً على هكذا حريّة، لا هبطاً!
بالله عليكِ كُوني صادقة مع نفسك، وأجيبيني، كم من مُنكر يُقترف في هذا اليوم؟ وكم من بلوى تعُمُّ حين يُحتفل به؟
إن نسيتِ أعْلمتك، وإن تناسيتِ ذكَّرتك، وإن جهلتِ أخبرتك، ولستُ بأحسن منك ولا أفضل، على الأقل ما عايشتُه بنفسي، وشاهدتُه بأم عيني، وفيِ الاعْتبار غِنى عن الاختِبار!
في هذا اليوم تتزيّن النساء ويتحلين بأجمل ما عندهن من ملابس وزينة، عارضات لمفاتنهن، وقد خرجن متعطرات، فتحلو الواحدة منهن في عيون الآخرين، وتسرُّ الناظرين! والتبرير: إنَّه العيد!
وربُّنا يقول: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33].
في هذا اليوم تنتشر الحفلات التي تجتمع فيها بنات حواء، وتسُود المنكرات أجواءها، وتدعو النساء بعضهن البعض بدعوى الاحتفال، وقد تكونين سببا في جرِّ أخريات لمثل هذه الأفعال من حفلات وتجمعات، والتبرير: إنَّه العيد!
وربُّنا يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].
في هذا اليوم تصبح المرأة هائمة على وجهها وكأن همَّها حُصِر في التعبير عن مكبوتات تحجَّرت طيلة سنة كاملة، وبعدها فليكن الطوفان! والتبرير: إنَّه العيد أيضا!


ما بالُك يا ابنة الإسلام؟!

كانت بناتُ جنسك في ما مضى تمتهن وتتخذن للمُتعة والتسلية عند اليونان، بل كانت المرأة منهُن تُباع وتُشترى كأيِّ متاع صالح للبيع!
ولم يختلف الأمر عند الهنود، فقد حَرَموا المرأة من حقِّ العيش بعد ممات زوجها، فكان الحرْق مصيرها!
ونظر النصارى في أمرك، ورفعوا السؤال: أتُراها المرأة إنسان حقا؟ ليخرجوا بقرار: إنها إنسان، لكنها مخلوقة لخدمة الرجل! أما اليهود فقد حمَّلوك ذنب الغواية!
وعند العرب كان ابن الزَّوج يرثُ زوجة أبيه مثلما يرث دابَّته!إن بقيت على قيد الحياة ولم يئدها والدها حيّة!
بالله عليكِ، من منحَك الحقَّ في الحياة يا أخيّة؟
من رفع عنك الغُبن، وكرَّمك وأعلى شأنك؟
من منحك حقَّ النفقة وجعلها واجبة على والدك حتى تتزوّجين، وعلى زوجك بعد زواجك؟ وعلى أبنائك حتى مماتك؟
من رفع قدرك وأعطاكِ الحقَّ في الموافقة على الخاطب أو رفضه؟
من جعل لك ذِمَّة مالية مستقلة عن الرجل؟ وجعل لك حقًّا في الإرث بما يناسب وظيفتك الأنثوية في المجتمع؟
ومن حثَّ على حُسن معاملتك والرفق بك، صغيرة وكبيرة، بنتا وزوجة وأُمّا؟
مَن؟ ومَن؟ ومَن؟


إنه الإسلام يا أخيَّة، إنه دينُ الله القويم الذي جعلك محفوظة الحقوق مصُونة القدْر،
تذكَّري... كانت من وصاياه عليه الصلاة والسلام: « ... اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»[10]، فهلا أدركتِ قدْر الوصية؟ وكنتِ خير خلف لخير سلف؟

وبعد هذا، أما زال في القلب شكُّ؟

قد تقول قائلة من أخواتي بعدما نفذت مبرّراتها: إن وضعية المرأة في مجتمعاتنا تدعو لثورة وليس فقط لتذكير الرجل بحقوقٍ هُضمت، وعيد المرأة فرصة للتعبير!
أقول: عُذرٌ لم يَتَولَّ الحقُّ نَسْجَهُ، وهل الإسلام منحك أم منعك؟ رفعك أم خفضك؟ فلمَ تتحجَّجين بوضعيتك لموالاة كافرة وإحداث بدعة؟
لا أنكر مظاهر الظلم، ولا أشكال القهر التي تُسلَّط على أخواتنا هنا وهناك، لا أنكر وجود من يسلبون بعض حقوقك جهارا، بطرق مباشرة أو ملتوية، وباسم الدين أحيانا!
بكل مرارة أقول: إنه المجتمع المسلم حينما يزيغ عن غير ما رَسم الشَّرع له، إن كانت المرأة ظُلمت بحرمانها من حقوقها التي أقرَّتها الشريعة الإسلامية، وحثَّ عليها ديننا الحنيف كتابا وسُنة -ليس هذا موضع بسطها- فذاك حيفٌ من الرجل والمجتمع، والإسلام بريء منه، فالله حرّم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرَّماً.
إنها نتائج تراجُعنا الحضاري، والتغيير المُرتقب الذي به تعودين لسالف عهدك، يشمل تغييرا كليا، يمسَّ جميع مناحي الحياة، بما في ذلك أنتِ يا رعاكِ الله.
بل حتى الرجل يعاني ويقاسي في ظلِّ غياب تطبيق منهج الله في أرضه، وكفى بحرق "البوعزيزي" نفسه شاهدا.
القضيَّة إذن، هي قضية أُمّةٍ، القضيَّة هي انحراف المسلمين عن حقيقة دينهم ومنهج ربهم.


رُبما بقيَ شيء؟


قد تكونين يا بنيَّة الإسلام قد بهرك النموذج الأوروبي وتحسَبين أن المرأة الغربية في أحسن أحوالها.
إذا كان الأمر كذلك، فلا يغرنَّكِ النموذج الحضاري الغربي، ولا تتشدّّقي بهذا الوهم يا عزيزتي، إنه نموذج زائف، لستُ أنا القائلة وإنما شهد شاهد من أهلها، وما أكثرهم! هذه "سالي جان مارش" التي عاشت بعيدة عن الله سنوات من عُمرها حتى هداها الله وأنار بصيرتها تقول: « إنَّنا نخشى أن تخرج المرأة الشرقية إلى الحياة العصرية، ينتابها الرُّعب لما تشهده لدى أخواتها الغربيات، اللائي يسعين للعيش وينافسن في ذلك الرجل، من أمثلة الشقاء والبؤس كثيرة»[11].

وهذه الكاتبة "مس إترود" تستهجن ما آل إليه المجتمع الإنكليزي، مع بداية تحقيق مبدأ المساواة، وخروج المرأة من مملكتها فتقول: «إنّه لعارٌ على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلا للرَّذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالُنا لا نسعى وراء ما يجعل بناتنا تعمل على ما يُوافق فطرتها الطبيعية، من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها؟!»[12]

أبَعد هذا يطاوعك قلبك وتحتفلين بعيد تكونين فيه تابعة للمرأة الغربية؟ وكيف تغضين الطَّرف عن كل هذا، وتقبلين ما تمليه عليكِ سيّداتُ الغرب وأبواقهن من بني وبنات جلدتنا؟ فاليوم عيد المرأة وغدا لا ندري ما يكون؟!


أختاه
لا تغرنَّك الألوف من النساء اللواتي زَيَّن لهن الشيطان الابتعاد عن هدي خير البريّة، واحتفلن بيوم ما أنزل الله به من سُلطان، ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة: 100].

أيتهن الحرائر، إنكن منبع صلاح الأمة، فلا تجعلن الفساد على أيديكن، واتباع الضَّلال بإرادتكن.


فمهلا أخيّتي مهلا...


مهلا، رُويدك، أعيدي حساباتك هذه السنة، إنني لِنفسي ولكِ واعظة، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37].
تلك آهات تحشرجت بين جوانحي، فلم أعدم الوسيلة لنشرها بين يديك، وهمسات أخوية من القلب إلى القلب، لم أجد مناصا من إلقائها على سمعك، وفي الفؤاد أمنية، أن لا تنهزمي أمام يومٍ ليس لكِ فيه شيء.

فما أنت فاعلة في أمر استبان لكِ خطؤه وبُعده عن دينك؟

والله أسأل أن يُعيذني وإيَّاكِ من الشُّرور والفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلّم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.


-----------------------------------
[1] الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
[2] ابن قيم الجوزية، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1403هـ/1983 م، 483.
[3] صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة ط1، 1422هـ، 4/169.
[4] تقي الدين ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق: ناصر عبد الكريم العقل، ط7، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان ، 1419هـ - 1999م، 1/496.
[5]سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت،
1/295 ومسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط1، 1421 هـ - 2001 م، 1/434، (صحّحه الألباني).
[6] ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ط2، دار الفكر-بيروت، 1412هـ - 1992م، 2/165.
[7]تقي ابن تيمية، مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م، 25/329.
[8] مثل ذلك عيد الأم وعيد الحُبّ وما شاكلهما، ويمكن مُراجعة فتاوى كبار العلماء في هذا الصَّدد.
[9] شعر: الدكتور عبد الرحمن العشماوي.
[10] البخاري، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، 7/26 ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، 2/1091.
[11] عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1412هـ/ 1992م، 433.
[12]منصور الرفاعي عبيد، المرأة ماضيها وحاضرها، ط1، أوراق شرقية للطباعة والنشر والتوزيع ، 1421هـ / 2000م، 167.

 

د.شميسة خلوي
  • بوح القلم
  • رمضانيات
  • قضايا أمتي
  • نسائيات
  • همسات لكِ أخية
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط