اطبع هذه الصفحة


راية بنديكت 16 الجديدة ،
قيم أيديولوجية وتعليق

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


لقد تتالت ثلاثة أحداث فى النصف الأول من شهر اكتوبر 2010 لتلقى بظلالها الشيطانية المشئومة على مجريات الأيام الحالية والقادمة فيما يتعلق بالإسلام ومخططات الفاتيكان لإقتلاعه ، وهى : راية بتديكت 16 الجديدة (10/10/2010) ؛ "التأملات المرتجلة" التى القاها بمناسبة إفتتاح أعمال سينودس أساقفة الشرق الأوسط (11/10/2010) ؛ والرسالة البابوية المعنونة "فى كل مكان ودوما" (Ubicumque et semper) (12/10/2010). ثلاثة أحداث مصحوبة بخطاب فلسفى متحذلق النزعة لمداراة أهدافها ، بحاجة الى وقفة ليدرك المسؤلون فى العالم الإسلامى والعربى مدى الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين التى أعمت القلوب المتفحمة للمؤسسة الفاتيكانية ، ومدى خطورة الأيام القليلة القادمة.

ففى خلال صلاة التبشير المسائية يوم 10 اكتوبر تم الكشف عن راية بنديكت 16 الجديدة. وهى مكونة ، وفقا للنمط القديم، بالتاج الثلاثى الذى كان قد تم التخلى عنه. وهذا التاج الثلاثى الطبقات يرمز الى امتلاك سلطة المجالات الثلاثة وهى : المجال الدنيوى ، والمجال القانونى ، والمجال الدينى. وهو ما يعنى أن بتديكت 16 قد منح نفسه بالنسبة للمرحلة القادمة ، سلطات القوى الثلاث التى تسمح له بأن يتصرف كرئيس أوحد وبلا منازع للعالم المسيحى. والغريب ان احدا لم يُعلق حتى الآن على هذا التغيير فى الغرب.

وتتكون هذه الراية من وحدات لها مغزاها ، هى : رأس أحد العبيد يعلوها التاج ، رمز العبد الذى تم تحريره وتنصيره ويطلق عليه اسم "مور" الذى كان يُطلق ولا يزال على مسلمى اسبانيا فى القرون الوسطى. والرمز هنا شديد الوضوح ، فالبابا ينوى تحرير المسلمين ، عبيد الإسلام فى نظره، لتنصيرهم مثلما تم تنصير المسلمين فى اسبانيا ايام حرب الإسترداد .. والوحدة الثانية تمثل دُب القديس كوربينيان ـ اسقف القرن الثامن الذى قام بتنصير مقاطعة بافاريا. وهو رمز ليس بحاجة الى تعليق. والوحدة الثالثة لإحدى الأصداف المعروفة باسم القديس يعقوب ، وهى التى يمسكها القس ليسكب الماء على رأس من يتم تعميده.

أما الجزء الخارجى للراية فمستوحى من راية البابا اوربان الثامن (من 1623 الى 1644). وارتباط اوربان الثامن هذا بحرب الثلاثين عاما "وصمه بالخيانة فى كافة الميادين" على حد وصف "قاموس البابوية" باشراف فيليب لوفيان. ويقول المقال الخاص بذلك البابا : "لا يزال ليومنا هذا اسمه مرتبط فى كثير من الأذهان على انه البابا الذى أدان جاليليو والذى تسبب فى أزمة الجنسينية الممتدة". ومن الواضح ان بينديكت 16 لم يقم ياختيار شعار ذلك البابا من اجل هذه الأسباب ، وإنما لأنه "كرس كل جهوده وسلطانه لخدمة مصالح الدولة البابوية والكنيسة فى زمن لم يخلو من التهديدات والمخاطر (...) وقد اهتم فى إدارته للكنيسة بالبعثات التبشيرية لكثلكة أوروبا وبالبعثات التبشيرية فى البلدان البعيدة. كما انه قد أعطى الدفعة الرئيسية للجنة عقيدة الإيمان ، محاكم التفتيش سابقا" ..

فهل من ضرورة لتلخيص معنى هذه الرموز التى اختارها بنديكت 16 لرايته الجديدة ؟! تلك الراية التى هى فى واقع الأمر عبارة عن صيحة حادة لحملة صليبية كاسحة ضد الإسلام والمسلمين ، حملة ضارية لا شرف ولا أساس لها إلا معاداة الآخر الى درجة الإقتلاع التام ..وهو ما سيلقى بظلاله على الأحداث الجارية والقادمة لإقتلاع الإسلام بزعم حماية الأقليات المسيحية فى الشرق الأوسط !
أما الحدث الثانى الهام هنا فهو ذلك الخطاب المزعوم البراءة والمسمى "تأملات مرتجلة" ، الذى القاه بمناسبة إفتتاح سينودس أساقفة الشرق الأوسط فى الفاتيكان. وهذا البنديكت 16 الذى لا يعرف العشوائية على الإطلاق والذى يزن كل حرف من احرف كلماته قد تلفع هذه المرة بعبائة "التلقائية المرتجلة" بدلا من الباليولوج المزعوم الذى استعان به ليسب الإسلام فى محاضرة راتيسبون ،ليعلن عن حربه المستمرة الضارية ضد الإسلام والمسلمين.

فبعد مقدمة طويلة حاول خلالها تخطى الإنقسانات العقائدية بين الكنائس المجتمعة فى السينودس ، بدأ هجومه مستعينا باسلوب بهلوانى ليقفذ من الشطحات المكونة لعقيدة مريم أم الله ، ليختار نموذجا تاريخيا لسقوط الآلهة، قائلا : "إذ ان هذه الوسيلة التى تمت طوال مسيرة اليهود وتم تلخيصها هنا على أنها رؤية متفردة تعد وسيلة حقيقية فى تاريخ الأديان ، وهى : سقوط الالهة". أى ان سقوط الآلهة أمر عادى فى تاريخ الأديان ، وهو ما حدث بالنسبة لليهود. وهى عبارة استخدمها ليقفذ الى جوهر خطابه وهو : إقتلاع الإسلام والمسلمين قائلا : "ان الأمر يتعلق بقوى هدامة ، تهدد العالم. ولنربط ذلك بالقوى الأيديولوجية الإرهابية ، فالعنف يمارس شكلا باسم الله ، لكنه ليس بإله : أنها آلهة مزيفة لا بد من كشف زيفها ، أنها ليست بآلهة (...) إن السلطة والقوة تسقط جميعها وتصبح خاضعة للرب الوحيد يسوع المسيح". ترى هل من ضرورة لإضافة أنه منذ أحداث 11 سبتمبر ،التى قامت بها الأيادى المحلية العليا، قد أدت الى شيطنة الإسلام ولصقه بلا رجعة بالإرهاب لندرك أبعاد هذه العبارة ؟
وهنا لا يسعنى إلا أن اقول لذلك البنديكت 16 إن كانت هناك ثمة آلهة مزيفة فهو قطعا ذلك الإله المدعو يسوع المسيح الذى تم تأليهه فى مجمع نيقية الأول سنة 325 ، وليس إله المسلمين ! إن كان هناك ثمة إله مزيف لا بد من كشف زيفه وهدمه فهو بلا شك ذلك الذى قامت المؤسسة الكنسية باختلاقه. فما من إنسان يجهل أنه من بين الرسالات التوحيدية الثلاث القرآن الكريم وحده هو الذى ظل محفوظا مثلما أنزله المولى عز وجل ، وسيظل محفوظا الى يوم الدين. فالإسلام وحده هو الذى ينزّه الله بصورة مطلقة، فليس كمثله شئ.

أما عن عمليات التحريف والتزوير التى أدت إلى إختلاق إله مزيّف ، فلا يسعنى إلا أن أورد لذلك البابا الشديد الأدب ، ذو الذاكرة الحادة ، بعض الجمل من كتابه المقدس المعروف بطبعة القدس سنة 1986 :
* "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلونى وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله..." (يوحنا 8 : 40)
* "فقالت الجموع هذا يسوع النبى الذى من ناصرة الجليل" (متى 21 : 11)
* "فلما رأى الناس الآية التى صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم" (يوحنا6 :14)
* "فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين قد قام فينا نبى عظيم..." (لوقا 7 : 17)
* "فقال المختصة يسوع الناصرى الذى كان إنسانا نبيا مقتدرا فى الفعل والقول... ( لوقا 24 : 19)
* "...والكلام الذى تسمعونه ليس لى بل للآب الذى ارسلنى" (يوحنا 15 : 24)
* "... ولكن اذهبى الى إخوتى وقولى لهم إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم" (يوحنا 20 : 17)
* "... لأنى قلت أمضى إلى الآب لأن أبى أعظم منى" (يوحنا 14 : 28) ، (الكتاب المقدس طبعة 1966)

فوفقا لذلك الكتاب المقدس، الرسمى ، الذى قام بترجمته الى الفرنسية المعهد الإنجيلى بالقدس التابع للفاتيكان، نطالع أن يسوع كان إنسانا ، ونبيا عظيما فى القول والفعل ، ويُفرق بينه وبين الله بصورة قاطعة. وهو بالضبط ما يقوله عنه القرآن الكريم . ورغمها لقد آثرت الكنيسة المبجلة تأليهه فى مجمع نيقية الأول سنة 325 ، ونصّت فى عقيدة الإيمان الأولى "أنه إله ، من نفس كيان الله ، إله من إله " !! لذلك لا يجب أن تُدهش هذه المؤسسة التحريفية من رؤية أتباعها يغادرون الكنيسة ، خاصة وان هذه النصوص لا تزال متداولة. ولعله من أجل ذلك يطالب بنديكت 16 بالترويج لكتاب التعليم الدينى الجديد ، الصادر سنة 1992 ، بدلا من الكتاب المقدس.

والحدث الثالث الهام هو الخطاب الذى اقر فيه البابا بالتكوين الرسمى للمجلس البابوى يوم 12 أكتوبر ، الذى يعلن ببدء تفعيل المجلس البابوى للتبشير الجديد ، فى كل مكان ودوما ، أى أنه ستتم عمليات التنصير فى كل مكان ليبتلعها المسلمون كرها او طوعا ..

ويأتى هذا الخطاب بعد الإعلان رسميا عن تكوين ذلك المجلس البابوى منذ ثلاثة أشهر لدعم عملية تنصير العالم ، لتتوالى الأحداث الثلاثة دفعة واحدة. وهو خطاب يحدد دور وأهداف وسلطات ذلك المجلس الخاص بتبشير "الصحارى القائمة فى عالم علمانى تباعد عن الدين" ؛ كما أنه يعمق وينشر ويساند كل العمليات المرتبطة بالتبشير الجديد، وخاصة يقوم بدراسة الأشكال الحديثة للإتصالات لتطبيقها كوسيلة فعالة للتنصير ، وتدعيم الترويج لكتاب التعليم الدينى الجديد الذى يتخطى أو يعتّم على كل المتناقضات الموجودة فى الكتاب المقدس.

ويقول بنديكت 16 إن هذه الأحداث الثلاثة المتواكبة تسير على نفس خطى تعاليم المجمع الفاتيكانى الثانى. ذلك المجمع الذى برأ اليهود من دم المسيح ، وقرر إقتلاع الإسلام وتنصير العالم ، وفرض عملية التنصير على كافة المسيحيين وعلى كافة الكنائس المحلية ، وإختلق بدعة الحوار بين الأديان لكسب الوقت حتى تتم عملية تنصير العالم .. فهل من الممكن أن يكون المرء أكثر إجراما فى تطبيق مقولة "حب القريب" ؟!

ليت قادة الإسلام والمسلمين يفيقون من غفلتهم ، أو من إنصياعهم ، جهلا أو عن عمد ..

16 أكتوبر 2010
 

Le Nouveau blason du Pape,Valeurs idéologiques et commentaires


 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط