اطبع هذه الصفحة


خطاب كاشف !

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


يا له من خطاب كاشف ، يوضح إلى أى مدى تعتصر الكراهية والعنصرية قلوب المنصرين وقد تشبعوا بأحقاد الفاتيكان والمؤسسة الكنسية بكل ما يتشربوه من أكاذيب ، ويا للعار ! فلقد اكتشفت بمحض الصدفة فى أحد المواقع الكاثوليكية ذلك الخطاب الذى كتبه الأب الفرنسى شارل دى فوكو (Ch. de Foucauld) ، المبشر الذى تم إرساله إلى الجزائر للعمل فى شبكة التنصير هناك، وكان قد كتبه إلى رنيه بازان (R. Bazin) ، بالأكاديمية الفرنسية ، عام 1916 . و"قداسة" الأب فوكو ، الذى قام بنديكت 16 بإضفاء صفة القداسة عليه فى 13/10/2005 لكل ما أنجزه فى مجال التبشير ، يفتح قلبه للسيد بازان ، دون أن يدرك أنه بذلك يكشف اللؤم المنفّر والتعامل بوجهين والعنصرية البغيضة لكل المبشرين الذين يقومون بمحاولة إقتلاع المسلمين من إيمانهم ، كما يكشف الموقف المهين والفاضح لعبارة "العنصر النقى" التى يتشدق بها بعض الفرنسيين وهم يصفون أنفسهم. أنها عنصرية تكشف الكثير من المواقف الحالية للمسئولين الفرنسيين والغربيين الصليبيين تجاه الإسلام والمسلمين.
وقد تم نشر الخطاب فى النشرة رقم 5 الخاصة بالمكتب الصحفى الكاثوليكى ، فى اكتوبر 1917 ، كما تم نشره فى موقع مؤسسة الخدمة السياسية بمناسبة إضفاء صفة القداسة على الأب فوكو فى اكتوبر 2005. والتعليق بأسفل الخطاب لصاحب الموقع المنشور فيه، وهو لا يقل كشفا للعنصرية الوقحة عن الخطاب نفسه الذى يحمل عنوان :
"هل المسلمون يمكنهم أن يكونوا فرنسيين حقا ؟ "
محبة يسوع
تمانراست، من إنسالة، عن طريق بسكرا، الجزائر فى 29 يوليو 1916
سيدى ،
أشكرك بشدة لتكرمك بالرد على رسالتى وبهذا الترحاب ، رغم مشغولياتك،. وتطلب منى ان أحدثك بصورة مفيدة عن حياة المبشر وسط الشعوب المسلمة ، ورأيى فيما يمكن توقعه من سياسة لا تبحث عن تنصير المسلمين بالمثال الطيب والتربية و هى بالتالى لا تتمسك بديانة محمد، وأن أقص عليك أحاديث مع شخصيات من الصحراء حول الأعمال فى أوروبا وعن الحرب.
حياة المبشر وسط الشعوب المسلمة :
فى رأيى أنه إذا لم يتم تنصير المسلمين رويدا رويدا ، وبالتدريج، فإن مسلمى إمبراطوريتنا الإستعمارية فى شمال إفريقيا ، ستقوم حركة وطنية مثل تلك التى تمت فى تركيا : نخبة من المثقفين ستتكون فى المدن الكبرى ، وقد تم تثقيفها على الطريقة الفرنسية ، دون أن يكون لهم لا الروح ولا القلب الفرنسى ، نخبة تكون قد فقدت كل إيمانها الإسلامى لكنها تحتفظ بالإسم فقط حتى يمكنها التأثير على الجماهير؛ من ناحية أخرى فإن مجاميع الرحالة والريفيين ستظل جاهلة بعيداً عنا، متمسكين بدينهم بشدة ، ميالين للكراهية والإحتكار ضد الفرنسيين من تأثير دينهم وشيوخهم وعن طريق العلاقات التى لديهم مع الفرنسيين (ممثلو السلطة ، جنود الإستعمار ، التجار)، وكلها علاقات ليست جديرة بأن تجعلهم يحبوننا. إن الشعور بالقومية أو بالبربرية سيتألق فى النخبة المثقفة : فعندما تجد الفرصة سانحة ، مثلا عند الصعاب التى تواجه فرنسا فى الخارج او فى الداخل ، ستستخدم الإسلام كمنطّ لتستثير الجماهير الجاهلة ، وستبحث عن خلق إمبراطورية إفريقية مسلمة مستقلة.
إن الإمبراطورية الفرنسية فى شمال غرب إفريقيا ، الجزائر والمغرب وتونس ، اعنى إفريقيا الغربية الفرنسية ، الخ..، بها 30 مليون نسمة ؛ وفى غضون خمسين عاما سيتضاعف العدد بسبب السلام. وستكون المنطقة فى ذروة التقدم المادى، ثرية ، يعرج فيها خطوط السكة الحديد، مليئة بالسكان المنكسرين بفضل أسلحتنا ، والتى ستكون النخبة فيهم قد حصلت على التعليم فى مدارسنا. وإن لم نكن نجحنا فى أن نجعل من هذه الشعوب فرنسيين ، سوف يطردوننا. والوسيلة الوحيدة لأن يصبحوا فرنسيين هى أن يتم تنصيرهم.
ولا يعنى ذلك أن ننصرهم فى يوم وليلة عنوة ، وإنما باللين ، وخلسة ، بالإقناع، والمثل الطيب، والتعليم الجيد ، والعلم، بفضل تقارب شديد عطوف ، وهو عمل يقوم به خاصة المدنيين الفرنسيين الذين هم أكثر عددا من الرهبان ويمكنهم ان يكونوا أكثر قربا.
هل يمكن للمسلمين أن يكونوا فرنسيين حقا ؟ بصفة إستثنائية ، نعم. وبصورة عامة ، لا. فكثير من العقائد الأساسية المسلمة تحول دون ذلك ؛ مع بعض منهم يمكن الوصول بالتحايل ؛ مع البعض الآخر، من أتباع المهدى ، لا يوجد : فكل مسلم (ولا أتحدث عن اللادينيين الذين فقدوا إيمانهم) كل مسلم يؤمن بأنه عند إقتراب يوم القيامة سيظهر المهدى ، ويعلن الحرب المقدسة ، ويقيم الإسلام على الأرض كلها ، بعد أن يكون قد إقتلع أو أخضع كل من هم غير مسلمين. وفى مثل هذا الإيمان فإن المسلم ينظر إلى الإسلام على أنه وطنه الحقيقى وأن الشعوب غير المسلمة مصيرها إن عاجلا أو آجلا إلى الخضوع للمسلم أو لأبنائه ؛ وإذا خضع لدولة غير مسلمة، فتلك محنة عابرة؛ وإيمانه يؤكد له أنه سيجتازها ويخرج منتصراً على الذين يفرضون عليه أن يخضع لهم الآن. فالحكمة تجعله أن يقبل المعاناة بعقل ، على حد قول المثل الذى يقولونه : "الطائر الذى يقع فى الفخ ويجاهد لفك أسره يفقد ريشه ويكسر جناحيه ؛ وإذا ظل هادئاً سيكون سليماً يوم التحرير". وقد يمكنهم تفضيل دولة على غيرها ، أو يؤثرون الخضوع للفرنسيين وليس للألمان ، لأنهم يعرفون أن الفرنسيين اكثر عطفا ؛ ويمكنهم التعلق بأحد الفرنسيين كما يتم التعلق بأحد الغرباء ؛ ويمكنهم أن يحاربوا بشجاعة كبيرة من أجل فرنسا ، بدافع الشرف ، والطابع المحارب ، وروح التضامن ، والإخلاص للكلمة ، مثل العسكر المرتزقة فى القرن السادس عشر والسابع عشر ، لكن بصفة عامة ، إلا بعض الإستثناءات ، طالما سيظلون مسلمين لن يصبحوا فرنسيين ، سينتظرون بصبر، بصورة أو بأخرى ، يوم المهدى الذى سيقودهم لإخضاع فرنسا.
وهذا ما يفسر كيف ان جزائريينا المسلمين ليسوا فى عجالة لطلب الجنسية الفرنسية : فكيف يمكن أن يطلبوا أن يصبحوا جزءاً من شعب أجنبى يعرفون يقينا أنه سيهزم ويخضع بأيدى الشعب الذى ينتمون إليه ؟ إن تغيير الجنسية هذا بمثابة نوع من الإرتداد ، نوع من التخلى عن الإيمان بالمهدى ...
منطقة القبائل :
أنا مثلك تماماً أتمنى بشدة أن تظل فرنسا للفرنسيين ، وأن يظل شعبنا نقياً . ورغمها يسرنى أن أرى كثير من القبائليين يعملون فى فرنسا ؛ فهم لا يمثلون خطورة بالنسبة لجنسنا ، لأن غالبية القبائليين محبّون لبلدهم ولا يعنيهم سوى كسب بعض المال. وإذا كانت صلات المسيحيين الطيبين القائمة فى منطقة القبائل قادرة على تنصير وفرنسة بعض القبائليين ، فإن حياتهم الممتدة وسط مسيحيين فرنسيين قادرة على تحقيق هذه النتيجة !
(...) (هذا الجزء محزوف من الرسالة الأصلية فى الموقع ، ولا بد وأنه كان أكثر فضحاً للإستعمار الفرنسى وجبروت منصّريه)
إذا كان جنس البربر قد أعطانا القديسة مونيك وإلى حد ما القديس أغسطين ، فهاذ أمر مطمئن. لكن ذلك لا يمنع أن القبائليين اليوم ليسوا ما كان عليه أجدادهم فى القرن الرابع : فرجالهم ليسوا ما نحتاجهم لبناتنا ؛ وبناتهم غير قادرات على أن يكونوا أمهات للأسر التى نريدها.
لكى يصبح القبائليين فرنسيين ، لا بد أن تصبح الزيجات ممكنة بينهم وبيننا : فالمسيحية وحدها، بتقديمهما نفس التعليم ونفس المبادئ ومحاولة بث نفس المشاعر ، يمكنها الوصول إلى ملء الفراغ القائم حاليا ولو جزئياً .
وإذ اوصيك أن تتذكرنى فى صلواتك، وكذلك التابعين لنا من القبائل ، وأكرر لك شكرى على خطابك، وأرجو ان تتقبل تعبيرى المتديّن وإخلاصى لإحترامك.
خادمك المتواضع فى قلب يسوع
شارل دى فوكو.
أما التعليق المنشور تحت هذا الخطاب ، بقلم صاحب الموقع ، فيقول : "هذا الخطاب المكتوب سنة 1916 بعيد النظر بصورة مذهلة. فالخطوط العريضة للأحداث التى تمت منذ ذلك الوقت واردة فيه : إنطلاق الحركة القومية الجزائرية ، كراهية الفرنسيين والرغبة فى الإنتقام ، أهداف الإسلام وعدم توافقه مع فرنسا ، الجهاد ، التوسع الديمغرافى ... كل شئ موجود. ليت رجال "السياسة" اليوم يبدون مثل هذا الوضوح للبصيرة ! فمعرفة تاريخ بلدنا لا يعنى أن ننظر إلى الخلف بمرآة عاكسة ، ولكن على العكس أن نستلهم الدروس من الماضى لنستخدمها لبناء المستقبل".
هذا هو أحد أهم جوانب الغرب المسيحى الإستعمارى المتعصب ، الذى يتوارث الأحقاد والإصرار على تنصير المسلمين ليضمن ولاءهم وليضمن مواصلة إستعماره .. ليتنا ، أو بمعنى أدق : ليت المسئولين فى العالم الإسلامى يفيقوا من صمتهم وتخاذلهم ، ليكى لا أضيف ومن تواطوء بعضهم المهين ..

رابط الموقع :
http://jean-marielebraud.hautetfort.com/archive/2010/09/25/une-lettre-de-charles-de-foucauld-a-rene-bazin-en-1916.html
22 / 12 / 2010
 

Une lettre fort révélatrice !


 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط