اطبع هذه الصفحة


رسالة إلى البابا شنودة ..

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


من أهم ما كشفت عنه أحداث ثورة شباب25 يناير 2011 موقفك غير الأمين بالنسبة لمصر بعامة، وخاصة بالنسبة لشباب أتباعك الذين حرمتهم من المشاركة مع إخوانهم المسلمين، وفرضت عليهم الإنفصال وكأنهم ليسوا من أبناء هذا الشعب، وعزلتهم داخل أسوار الكنيسة التى تحولت إلى دولة مارقة ، كما فرضت عليهم مصادرة شرف التعبير عن الرأى من أجل إقتلاع النظام الفاسد، بل والأدهى من ذلك لقد قمت بترتيب مظاهرة تأييد ومساندة لمبارك يقودها ويسير فيها العديد قساوستك المتضامنين مع توجهاتك أو الخاضعين لك. وهو ما كشف عن تواطؤك الشديد مع ذلك النظام وفساده ، بل وبكاءك الحار على إقتلاعه ..

وما هى إلا أيام معدودة حتى إرتفع صوتك لتركب الموجة ، وتبارك نجاح هذه الثورة ، وتطالب فى نفس الوقت بكل جبروت بإلغاء المادة الثانية من الدستور !
وهنا لا بد من وقفة ، لا لإستعراض كل ما قمت به من محاولات منذ أن توليت مقاليد كنيسة الأقباط فى مصر ، سنة 1971، والإعلان عن محاربة الإسلام والمسلمين بزعم ان نظام الحكم فى مصر إسلامى معادى قائم على إضطهاد الأقباط ! ولا يسع المجال هنا للتحدث عن كل ما قمت به من خيانات فى حق الوطن، وفى حق المسلمين، بل وفى حق الأقباط الذين تضللهم بكل ما يتجرعونه منك من فريات وأغاليط ، وما أكثرها، من قبيل إجتماعاتك مع مليشياتك فى الغرب وترديد أن الأقباط فى مصر مضطهدون دينيا من قِبل النظام المصرى ، والعمل على قلب نظام الحكم فى مصر وتغيير دينها والمساس بأمنها بتقسيم البلاد لإقامة دولة دينية قبطية فى جنوب مصر ؛ أو القيام بتكديس الأسلحة فى الأديرة تحسبا لمعركة تعد لها؛ أو فضيحة الإتجار بالبشر أو بأطفال الزنا التى فجّرتها السفارة الأمريكية فى مصر وتورطت فيها ثلاثة أديرة، فى القاهرة وبنى سويف ومرسى مطروح، وجميع قياداتها من الأقباط ، والتربّح بالملايين من هذا الجُرم ، و تفتق ذهنك كالمعتاد والقيام بتوجيه زبانيتك فى الإعلام لتبرأة الكنيسة وإلقاء التهمة على المسلمين !..

لا ، لن أتناول مطالبتك بمنح الأقباط فى مصر حكما ذاتيا؛ أوالصمت على إنتاج الكنيسة مسرحية تسخر من الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ أو تدنى بعض القساوسة الى أقل درجة الإنحطاط والبذاءة فى بعض الفضائيات لسب الإسلام ونبيه الكريم ؛ ولن أتناول وصفك الشريعة الإسلامية بأنها الأكثر عنصرية فى العالم ؛ والمطالبة بحذف خانة الديانة من البطاقات الشخصية ؛ أو إقامة المؤتمرات وخاصة ذلك المعروف باسم "مؤتمر ضد التمييز" فى إبريل 2009 ، لمكافحة القرآن، والمطالبة بالغاء تعليم القرآن ومسابقات تحفيظه ؛ أو الإستقواء بالفاتيكان، ففى نوفمبر 2007 قام تنظيم مسمى "الأقباط الأحرار" بتقديم طلبا للفاتيكان لمساعدتهم من طغيان الحكم فى مصر وإضطهاده للأقباط مما يضطرهم إلى الهجرة ؛ أو أحداث العمرانية الإجرامية التخريبية واستخدامهم الأسلحة والحجارة فى ضرب رجال الأمن وتعطيل المرور وضرب مبنى المحافظة والمساس بأمن الشعب المصرى بكل ما واكب هذا الإجرام الفاضح من تنازلات إستفزازية من جانب الدولة المغلوبة على أمرها آنذاك والسكوت على كل ما قمتم به ..

لا ، سأترك كل هذا والمئات غيرها من الوقائع المشابهة، لأتوقف عند مطالبتك بإلغاء المادة الثانية من الدستور، التى تنص بوضوح على "أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة المصرية ، وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع".. وهذا المطلب الوقح لا يثير الفتنة فى الدولة فحسب، وإنما يزيد النار إشتعالا فى النفوس، فى نفوس المسلمين ، لكثرة ما قام به النظام الفاسد السابق من تنازلات فى حق الإسلام والمسلمين، ترضية لك وللغرب المسيحى المتعصب الذى تستقوى به وتغمره بالمعلومات الكاذبة المغرضة ليقوم بتأييدك وتأييد مطالبك. ولا يسع المجال هنا لتناولها ، وإنما سأكتفى بالإشارة إلى "مجمع أساقفة الشرق الأوسط" فى أكتوبر الماضى، الذى قام بناء على الطلبات المرفوعة من تلك الأساقفة الكذبة، إلى بابا روما، يشكون له ما يعانون من إضطهاد ويطالبونه بالتدخل هو والهيئات الدولية المسيحية لإنقاذهم ! وهو ما قام به البابا بنديكت 16 عند مطالبته رسميا للبرلمان الأوروبى بالتصرف، وهو يجاهد حاليا لإدخال حماية الأقباط والأقليات المسيحية فى جدول أعمال ومهام ذلك البرلمان والمؤسسات التابعة له، الأمر الذى يندرج تحت بند التدخل فى الشئون الداخلية للدولة ! ويا للظلم والجبروت، بل يا للوقاحة التى تعجز الكلمات عن وصفها ..

وللعلم ، فإن الدستور المصرى حين نص على أن الإسلام دين الدولة لم يقم ببدعة شاذة فى الوجود أو فى القانون، وأنما ذلك عرف متّبع فى العديد من بلدان العالم ، فالدستور فى اليونان والدانمارك وإسبانيا والسويد على سبيل المثال لا الحصر ينص على أن المسيحية دين تلك الدولة ، وفى إنجلترا التى تعيش بلا دستور تنص المادة الثالثة من هذا القانون على أن الشخص الذى يتولى المُلك يجب أن يكون من رعايا كنيسة اإتجلترا ، بل ولا يسمح لغير المسيحيين ولغير البروتستانت أن يكونوا أعضاء فى مجلس اللوردات !

والإعتراض هنا لا ينصب على كل هذه المخالفات التى تقوم بها وغيرها فحسب ، من قبيل إدعاء ظلم الأقباط فى الدولة وحرمانهم من المناصب بينما ثلاثة أرباع الإقتصاد المصرى فى أيدى أقباط ، وثلاثة أرباع المليارديرات المصريين من الأقباط أيضا ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر بخلاف الرباعى ساويرس ، هناك ثروت باسيلى وريمون لكّح ومنير فخرى عبد النور وفايز صاروفيم وعماد مينا الخ ـ وفقا لمجلة فوربس ، كما تضخمت أموال الكنيسة وصارت بمئات المليارات فى غيبة رقيب أو محاسب من الدولة الغائبة آنذاك، فالكنيسة هى الهيئة الوحيدة فى مصر التى لا تتم مراقبة مصروفاتها ولا مواردها من الجهاز المركزى للمحاسبات وتصرفاتها المالية بإشراف ذاتى ولا يجوز لأحد التدخل فيها .. والكنيسة هى التى تتحكم فى اوقافها ولا دخل أو رقابة من الدولة ؛ ولن أتناول فضيحة أو فرية حرمان الأقباط من بناء كنائس، فى الوقت الذى تم فيه تنصير شكل البلد بحيث لم تعد مصر ذات الألف مأذنة وإنما ذات الألف كنيسة وأكثر ، علما بأن المسيحية لا تنص على ضرورة الصلاة فى كنيسة لأن الكنائس لم تكن موجودة أيام المسيح عليه السلام ، والمكتوب هو أن يصلى الأتباع فى البيت.. والإعتماد على ان المسيح قال لبطرس "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى" (متى 16 : 18) إعتماد خاطئ لأن هذه الجملة تعد من الجمل المضافة ومن متناقضات الأناجيل ولا يجوز الإعتماد عليها لأن المسيح قال له فى الفقرة التالية مباشرة : "وقال لبطرس إذهب عنى يا شيطان أنت معثرة لى لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس" (متى 16: 23) ، وهو ما يؤكده مرقس قائلا : "فانتهر بطرس قائلا إذهب عنى يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس (مرقس 8: 33)، مع العلم بأن متّى كان قد أورد قبل ذلك بإصحاحين ان بطرس هذا قليل الإيمان وفقا للمسيح الذى قال له: "يا قليل الإيمان لماذا شككت" (متى 14 : 31) .. فكيف يمكن بناء كنيسة إعتماداً على شخص قليل الإيمان وينهره المسيح ويبعده عنه لأنه معثرة له ؟؟

إن إعتراضى ينصب أساساً على موقفك المتناقض العجيب ، فأنت تقف على الضلال، وتفرضه على حوالى أربعة ملايين من الأتباع بصرامة ، وكانوا يعيشون بسلام بين إخوانهم الذين يصل عددهم الى حوالى ثمانين مليونا ، وتطالب أنت بحذف مادة من دستور الدولة ، ذات الأغلبية المسلمة الساحقة ، والتى تنص على أن الإسلام دين الدولة و أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ؟ ! ولعلك لم تنس بعد أن هذه المادة تحديدا وهذه الشريعة الإسلامية بالذات هى التى أنقذتك حين تحديت قانون الدولة ورفضت تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الذى يلزمك بالتصريح بالزواج الثانى للأقباط المطلقين بدعوى مخالفة الإنجيل ! ويا للغدر ..

والضلال الذى تقف عليه هو المسيحية الحالية، التى لا يعرف عنها المسيح شيئا ، والثابت علمياً أن بولس الذى جعل نفسه رسولا ، هو أول من ابتدع تحريفها الذى تواصل حتى عهد قريب ، حين وعد بابا روما السابق، يوحنا بولس الثانى ، وعد اليهود بتعديل 75 جملة من جمل الأناجيل حتى يتمشى مع التحريف الذى قام به مجمع الفاتيكان الثانى وتبرأة اليهود من دم المسيح، وذلك رغم أكثر من مائة جملة فى هذه الأناجيل تتهم اليهود بإهانته و تعذيبه وقتله! وهو ما يؤكد أن عملية التلاعب بنصوص الأناجيل مألوفة وممتدة وتتواصل عبر القرون ! وللعلم ، فقد أثبت معهد ويستار بأمريكا أن 82 % من الأقوال المنسوبة ليسوع فى هذه الأناجيل لم يقلها وأن 86 % من اللأعمال المسندة إليه لم يقم بها.

وما أعترض عليه أيضا فى موقفك المتناقض هذا هو إنصياعك للفاتيكان وقبولك المشاركة فى عملية تنصير العالم لإقتلاع الإسلام والمسلمين، وقبلت قرار ان تشترك الكنائس المحلية فى عملية تنصير العالم ، كما قبلت فرض مساهمة كافة الأتباع فى عملية تنصير العالم لإقتلاع الإسلام والمسلمين.. وهنا لا يسعنى إلا أن أقول لك أنك بقبولك هذا التضامن الوضيع مع الفاتيكان تضع الكنيسة فى مصر وكل أتباعها فى موقف الخيانة : الخيانة لبلدهم، والخيانة للأغلبية الساحقة التى يعيشون بينها.

وليست هذه بالخيانة الوحيدة التى قمت بها فى إنصياعك للفاتيكان ، فقد أعلن عن التنازلات التى قدمتها فى العقيدة الأرثوذكسية وان الخلافات بين الكنيستين قد انتهت تقريبا ولا يبقى إلا خمسة أو ستة بالمائة من المشكلات بينكما.. أى أن الخلافات العقائدية التى امتدت مئات السنين وآلاف القتلى الذين اُوريقت دماءهم قد ذهبت "سداح مداح" كما يقول المثل المصرى .. وأوضح دليل على ذلك : الرضوخ لمطلب الفاتيكان بتوحيد تواريخ عيد الميلاد وعيد الفصح بغية توحيد كافة الكنائس وفقا لكاثوليكية روما وسيادة رئيسها ! وهو ما كان مجمع الفاتيكان الثانى (1965) قد قرره وسعى حثيثا لتنفيذه ..

ليت أتباعك ، وخاصة خونة المهجر الذين فروا هربا من مصر أيام التأميم والذين تستعين بهم فى مؤامراتك ، وكل من أنشأتهم ليكونوا ميليشيات تحارب بهم المسلمين ، يدركون ما تقدمه من تنازلات فى حق دينهم ، فى حق دين ظل المؤسسة الكنسية تفرضه عليهم بكل صرامة وبلا نقاش، فمن يسأل عن المتناقضات يُعد ملعونا ويُحرم مصحوبا باللعنات ! ليتهم يدركون كل ما تضعهم فيه من محن ومخاطر باللعب والتلاعب بإصرارك على المساس بالإسلام والسماح بسب الرسول ، عليه الصلاة والسلام .. ليتك تفيق وتتدارك الأمر وتكف عن بث الفرقة بين الشعب المصرى الواحد الأصيل الذى لم يعرف الفرقة إلا حين أتيت لتنفيذ مطالب ذلك المجمع الفاتيكانى اللعين وساهمت فى عملية تنصير العالم ، وليتك تكف عن حقن النفوس والتضليل ، وتقوم بالإعتذار الذى كان يجب عليك تقديمه عند انكشاف خزية الأسلحة القادمة عند طريق أحد أتباعك من إسرائيل، وفضيحة وفاء قسطنطين، وغيرها من الفضائح والمخازى كثير حقا ..

ليتك تكف عن إشعال الفتن فى الوطن الدامى وتعتذر للمسلمين وللدولة المسلمة بل تعتذر للشعب المصرى الأصيل بكل فئاته، فكم أهنت من المسيحيين أيضا، وأن تقدم ذلك الإعتذار الذى كان يجب عليك تقديمه منذ عدة شهور لكنك أبيت ، وتلاعبت تكبرا وإصرارا ..

17 فبراير 2011

 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط