اطبع هذه الصفحة


سينودس تبشيرى أكمه اليأس

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


فى الحادى عشر من شهر اكتوبر 2011 ، أصدر البابا بنديكت 16 خطابه الرسولى المعنون "بوابة الإيمان" ليعلن عن  إقامة عام الإيمان بعد سنة، أى فى 11 أكتوبر 2012 وسوف يمتد حتى 24 نوفمبر 2013 عند الإحتفال بعيد قيامة يسوع. ويبدأ ذلك العام خلال إنعقاد الجمعية العمومية لسينودس الأساقفة ، الذى سيجتمع فيما بين 7 و28 اكتوبر 2012 حول موضوع "التبشير الجديد لتوصيل الإيمان المسيحى" ضمن برنامج تنصير العالم. وقد تم الإعلان يوم 19 يونيو 2012 عن خطة عمل هذا السينودس الذى يواكب فى نفس الوقت إحتفاليات مرور خمسون عاما على بداية أعمال مجمع الفاتيكان الثانى، الذى كان ضمن قراراته تنصير العالم ، وذكرى مرور عشرون عاما على إصدار كتاب التعليم الدينى الجديد للكنيسة الكاثوليكية.

وقد تم إرسال هذه الوثيقة المطروحة للدراسة إلى 13 سينودس لأساقفة الكنائس الشرقية الكاثوليكية غير التابعة لروما، وإلى الأربعة عشر جمعية أسقفية، والستة عشر أسقفية للكنيسة الرومية وإلى إتحاد القيادات العليا. وكل هذه الهيئات سبق وأرسلت مساهماتها للأمانة العامة لهذا الإتحاد مصحوبة بإسهامات العديد من المؤسسات والجماعات والأتباع والخبراء والمجلس البابوى لتفعيل التبشير الجديد، وذلك حتى يتمكن البابا بنديكت 16 من صياغة توجيهاته التنفيذية لنتائج ومقترحات السينودس القادم لتوصيل الإيمان المسيحى للعالم ..

وهذه الوثيقة  أو برنامج عمل السينودس (
Instrumentum laboris) ، يتكون من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، ترد جميعها فى 169 بندا وتقع فى 88 صفحة. وتتكون الفصول من العناوين التالية : "يسوع المسيح إنجيل الله لكافة البشر ؛ توقيت التبشير الجديد ؛ توصيل الإيمان ؛ إحياء العمل الرعوى". وكما نرى بوضوح لم يعد الأمر متعلقا بإعادة تبشير البلدان التى سبق تبشيرها وابتعدت عن الإيمان، مثلما تم تكرار ذلك فى الحقبة السابقة، ولكن توصيل الإيمان المسيحى إلى العالم تحت مسمى مختلف يعنى هو أيضا إنتزاع كافة الديانات والعقائد الأخرى بما فيها الإسلام. 

ونفهم من الوثيقة أن الأسباب التى أدت إلى إنعقاد هذا السينودس ، وهى متناثرة على صفحاتها، و ننقل منها ما له مغزاه : " تباعد المسيحيين عن الممارسة المسيحية" ؛ "عدم الإكتراث الدينى" ؛ "العلمنة" ؛ "الإلحاد" ؛ إنتشار الفِرق" ؛ "الخلط المتزايد الذى يباعد الأتباع وعدم طاعتهم لقساوستهم" ؛ "الخوف ، الخجل ، أو الإحمرار خجلا من الأناجيل، على حد قول بولس الرسول" ؛ "الهجرات" ؛ "العولمة" ؛ "وسائل الإعلام" ؛ "وهن إيمان المسيحيين" ؛ "ضعف حماس الجماعات الكنسية" ؛ ضياع الحماس وضعف الحمية التبشيرية" ؛ "الكفر بالدين صمتا" .. لذلك ترى الكنيسة الأم أهمية "إعادة تنصير المسيحيين الذين عانوا من التبعات الإجتماعية والثقافية ، وتبشير كل البشر" ..

وهناك ملمح كاشف فى هذه الوثيقة هو : مطالبة المسيحيين فى أكثر من موضع "أن يتجرأوا على إقتحام مجالات جديدة" ، "وألا يخشوا شيئا" ، و"ألا يخجلوا" ..

وما يلفت النظر فى مثل هذا النص الذى يتناول قضية دينية فرضا ، والذى ساهم فى الإعداد له مئات الأشخاص كمسيحيين وعلمانيين طوال ستة أشهر ، هو وجود عبارات لها مغزاها من قبيل الخوف والخجل، والا يخشوا ، وألا يخجلوا من التبشير أو من الإجهار بمسيحيتهم دون الإحمرار خجلا !

ودون القيام بدور المحلل النفسانى، فإن كلمات من قبيل الخوف والخجل وخاصة عبارة بولس الرسول القائل "عدم الإحمرار خجلا من الأناجيل" ، يستوجب وقفة لنرى خلالها عن قرب ما الذى يدعو إلى مثل هذه العبارات فى المسيحية ، التى هى دعامة هذا الإجتماع الموسع لكل الأساقفة ، خاصة وأن كافة الأسباب المذكورة لإنعقاده هى فى الواقع ردود أفعال ونتائج لأحداث بعينها وليست أسباباً أو الأسباب الداعية إلى التباعد عن الدين وهجره. لذلك نستعرض فى عجالة تاريخ المسيحية عن قرب ، لتتبع تطورها الذى يسبب هذه الخشية أو ذلك الإحمرار خجلا ..

إن إتساع الموضوع لا يسمح بتناول التفاصيل ، لذلك لن نذكر سوى المعطيات التى أقرّها العلماء والمؤرخون بالإجماع ، وكلها ثابتة ومنشورة ومتاحة للجميع وليست سرية.


العصور الأولى
: من المسلّم به أننا لا نعرف شيئا يذكر عن نشأة المسيحية فالتاريخ القديم لا يحتوى إلا على فتات والكثير من الفجوات، حيث أن المؤسسة الكنسية قد دمّرت الأصول ولم تترك سوى ما تريده أن يُعرف أو يُقرأ .. والنصوص التى تكوّن العهد الجديد موضوع هذا البحث ، هى نتيجة صياغات ممتدة وليست معاصرة للأحداث التى تصفها ، وليست مكتوبة بأيدى الأسماء التى هى معروفة بها. فالثابت أن صياغة هذه النصوص تمتد من سنة 65 إلى 110 ، أو من النصف الثانى للقرن الأول ،ـ أى أكثر من ثلاثين عاما بعد الصَلب المزعوم ، وحتى مطلع القرن الثانى.. وتدوين الحدث من الذاكرة بعد أكثر من ثلاثين عاما أو قرن من وقوعه يمس بمصداقيته ، خاصة فى زمن كانت فيه وسائل التسجيل بدائية. ولم يُطلق على هذه النصوص كلمة "أناجيل" سوى سنة 150 ميلادية ...

ومن الناحية التاريخية فإن المسيح ليس مؤسس المسيحية فهو لم يترك أى أثر مكتوب أو من الآثار بالمعنى المفهوم للكلمة. ولم يؤسس الكنيسة على الأرض ولم يُقم أى كيان يؤسس أية قاعدة كنسية. فلم يرغب إلا فى إصلاح بنى إسرائيل ولم يبشر إلا بقرب وقوع ملكوت الرب فى حياته ، وهو ما لا تزال الكنيسة تنتظر وقوعه ..

ووفقا لأعمال الرسل  فإن إسم "مسيحى" أُطلق على الأتباع لأول مرة فى إنطاقية ، فى نصف القرن
 الأول. الأمر الذى يؤكد أن الكلمة  ذاتها لم تكن موجودة  أيام المسيح ... كما أن نفس كلمة "كنيسة" ، المشتقة من اليونانيةek-klesia  ، كانت تعنى جمعية أو إجتماع ثم أَلصقوا بها المعنى الدينى المعروف.

يسوع
: تحتوى الأناجيل على أربعة تواريخ ميلاد ليسوع ، تتفاوت على أحد عشر عاما ، وبها سلسلتان للنسب مختلفتان فى الأسماء وفى العدد. وبجعل يسوع فى إحداها من نسب داوود وفقا لبولس الرسول فإن ذلك يمس بقضية تأليهه وبلقب "إبن الله" ، فلا يمكن لشخص واحد أن يكون إبنا لكيانين مختلفين ! كما أن عبارة "إبن الإنسان" ، المنطقية ، ترد 28 مرة فى الأناجيل لوصف يسوع ، وبرغمها نرى عبارة "إبن الله" التى صاغتها الكنيسة وتصر على فرضها ..

وفى عام 354 عندما رأى البابا ليبريوس الوثنيين يعبدون الإله ميثرا ويحتفلون به يوم 25 ديسمبر على أنه يمثل "الشمس التى لا تُقهر"، استولى على ذلك العيد بتاريخه وخصّه ليسوع قائلا أنه نور العالم ، وقد أقر البابا يوحنا بولس الثانى هذا التحريف فيما بعد..

إن الميلاد العذرى ليسوع ناتج عن خطأ فى ترجمة نبوءة يوشع وذلك بكتابة عبارة "العذراء" بدلا من "إمرأة شابة" .. والنبوءة  ان إسمه سيكون عمانويل، لكن الطفل يولد ويطلقوا عليه يسوع !

ووفقا للأناجيل فإن ميلاد يسوع يقع بين عام 9 وعام 2 قبل الميلاد ، ومن الداعى للسخرية أن يولد يسوع قبل التقويم المحسوب بميلاده .. إذ ان التقويم المسيحى لم ينتشر فى أوروبا إلا إبتداء من القرن الحادى عشر ، وتم حسابه وفقا لأعمال القس دنيس الصغير فى القرن الرابع المعروف ان حسابه خاطئ.. وقد تم تعديل التقويم التاريخى ولم يتم تعديل أصوله .. وهذا التضارب ليس الوحيد فى تاريخ المسيحية أو فى نصوصها التى تعد فيها الأخطاء بالآلاف ..


قضية يسوع
:
كل المعطيات الواردة بالأناجيل للأحداث المتعلقة بالقضية لا مصداقية لها ولا يمكن الإعتداد بواحدة منها فكلها تخالف الواقع كما ان الموضوع برمته قد تراكمت عليه الأهواء السياسية أو الدينية ولا يمكن الإعتداد بأى جزئية منها.

موت يسوع
:
وفقا للأناجيل فإن يسوع قد مات يوم 7 ابريل سنة 30 ، و يوم 27 ابريل سنة 31 ، ويوم 3 ابريل سنة 33 .. وهناك تواريخ اخرى مقترحة أيضا ولا يمكن الإعتداد بأىٍ منها للتفاوت الكبير بين التراث والتقاليد التى لا يمكن التوافق بينها.

بعث يسوع
:
ان فكرة بعث يسوع قائمة على الإيمان فقط لا غير ، أى انه لا مصداقية تاريخية لها ، غير انها واردة فى عقيدة الإيمان التى صاغتها الكنيسة فى مجمع نيقية الأول سنة 325 . وعلى الرغم من ان جزئية البعث هذه تُعد الدعامة الأساسية للمسيحية فهى غير مذكورة فى الأناجيل ولا يمكن إثباتها بوثائق حقيقية. خاصة وان النسوة اللائى وجدن القبر خالى "فزعن ولم يقلن شيئا لأحد" ..وهذا كلام الإنجيل (مرقس 16 : 8). وعلى العكس من ذلك ، نجد العبارة واردة 190 مرة فى رسائل بولس ، والمعنى شديد الوضوح !

 لا معقولية
:
ان يسوع الذى تعرض لأبشع أنواع العذاب الرومانى ومات مصلوبا كما تقول الأناجيل ، وقد تخلى عنه تلاميذه فأحدهم قد خانه ، والآخر قد أنكره ، والباقون قد فروا ـ وفقا للآناجيل .. ونفس يسوع هذا  جعلته الكنيسة مسيحا ، وإبن الله ، والله نفسه ، وفادى البشر ، الرب والمنقذ الوحيد للعالم !

كما ان الشخص المسالم الذى يدير خده الآخر حينما يُصفع ، من غير المنطقى أن يقول : "أما أعدائى الذين لم يريدوا أن أحكم عليهم ، إحضروهم هنا وإذبحوهم قدامى " (لوقا 19 : 27) !.


عقيدة الإيمان
: توجد عدة صيغ لعقيدة الإيمان المسيحى التى تم إدخالها فى لاهوت الطقوس المسيحية سنة 1014 ، نذكر منها عقيدة الإيمان لمجمع نيقية الأول سنة 325 ، الذى فرض تأليه يسوع ؛ عقيدة إيمان مجمع القسطنطينية سنة 381 الذى ساوى بين الله ويسوع والروح القدس ليختلق الثالوث ؛ وهناك عقيدة إيمان الحواريين ، وغيرها .. وفى 30 يونيو سنة 1968 أعلن البابا بولس السادس وهو ينهى أعمال "عام الإيمان" الذى يقلده أو يواصله بنديكت 16 ، وهى عقيدة من عدة صفحات مكونة من 23 فقرة ، وقد أعلنها ردا على كتاب التعليم الدينى الهولندى الصادر فى 5 اكتوبر 1966 ، والذى ترك جانبا او تخلى عن الثالوث ، والعذرية الدائمة لمريم ، والخطيئة الأولى ، والإفخارستيا ، و تحديد النسل ، وسيادة بابا روما وغيرها ..

الخطيئة الأولى
:
لا يوجد أى ذكر لها فى سفر التكوين الذى يقص حكاية آدم وحواء فى الجنة. وتكوين هذه العقيدة ناجم عن القس أغسطين هيبونا  فى القرن الرابع ومعركته  ضد بلاجيوس. وكان القس إيرينى الليونى المولود سنة 140 قد أرسى بداياتها.

الكتاب المقدس بعهديه
:
رغم كل المتناقضات الواضحة والصريحة التى يحتوى عليها الكتاب المقدس فقد فرضه مجمع ترانت (1546) على أن "الله وحده هو مؤلفه الوحيد" ؛ ثم قام مجمع الفاتيكان الأول (1869) بتعديل هذه العبارة قائلا أن "الله قد لجأ إلى الحواريين عن طريق الروح القدس الذى قام بدوره بإلهام رجالا لصياغتها" .. أما مجمع الفاتيكان الثانى (1965) ، فقد أصدر قرار أن "هذه الكتب حتى وإن كان بها ما هو غير دقيق والبالى إلا أنها تشهد على علم تربوى إلهى" (بموافقة 2344 صوتا وإعتراض ستة أصوات).

وهل لنا أن نذكر أن الموسوعة البريطانية فى الباب الخاص بالكتاب المقدس تشير إلى وجود 150000 تناقض أو خطأ ترجمة ؟ وقام العلماء والمؤرخون بمضاعفة هذا الرقم ، إضافة إلى ما توصلت إليه ندوة عيسى (1985) فى الولايات المتحدة بمعهد ويستار وبرئاسة العالِم روبرت فانك ومشاركة اكثر من مائتين عالم متخصص فى الدراسات الإنجيلية وعلم الأديان ، وأثبتوا أن 82 % من الأقوال المنسوبة إلى يسوع لم يقلها ، و86 % من الأعمال المسندة إليه لم يقم بها !


المجامع والعقائد
:
بدأ فى القرن الرابع توالى المجامع لصياغة العقائد المسيحية التى لا صلة لها بالتنزيل وقد تطورت وتناقضت عبر المجامع من خلال المعارك وفرض اللعنات والحرمان وإشعال الحروب والمؤامرات. ونذكر منها على سبيل المثال معركة تأليه يسوع ، وقضية بنوّته لله ، والمطهر ، والسلطة الزمانية للبابا ، وفرض عزوبية القساوسة ، ومحاكم التفتيش ، والتزوير الورع ، الخ.. وإذا نظرنا إلى بعض هذه المجامع عن قرب لأدركنا كيف تكونت المسيحية :

سنة 50ـ49 :
بعد المناقشات المحتدة بين يعقوب شقيق يسوع وبولس الرسول ، أثناء الإجتماع المنعقد فى القدس ، تم إلغاء الختان الذى اراده الله عهدا أزليا وإحلال التعميد بدلا منه لتسهيل عملية قبول أتباع جدد فى المسيحية من غير اليهود !
325 :
مجمع نيقية الأول يفرض تأليه يسوع !
381 :
مجمع القسطنطينية الأول يساوى بين الله ويسوع والروح القدس ليفرض الثالوث !
431 :
مجمع إفسوس يفرض عقيدة مريم أم الله !
451 :
مجمع خلقيدونية يفرض طبيعة يسوع المزدوجة كونه إله وبشر فى نفس الوقت !
553 :
مجمع القسطنطينية الثانى يفرض عقيدة الطبيعة الواحدة ضد مجمع خلقيدونية الذى أقر الطبيعتين!
680 :
مجمع القسطنطينية الثالث يفرض عقيدة ان يسوع له الطبيعتين لكن بإرادة إلهية واحدة !
787 :
مجمع نيقية الثانى يفرض عبادة الأيقونات ويبيح الصور مناقضا بذلك الوصية الثانية من الوصايا العشر التى استبدلتها الكنيسة بوصية أخرى !
869 :
مجمع القسطنطينية الرابع يفرض التراث الكنسى، الذى رأينا كيفية تكوينه، كقاعدة للإيمان ، أى أنه على الأتباع قبول ما تصيغه الكنيسة فى مجامعها على أنه منزّل من عند الله !
1215 :
مجمع لاتران الرابع يفرض إقتلاع الكاتار لرفضهم تأليه يسوع ؛ ويفرض عقيدة الإفخارستيا وهى التحول الفعلى للخبز والنبيذ إلى لحم ودم المسيح حقيقة وليس إيمانا فحسب ؛ كما فرض مبدأ الإعتراف والمناولة سنويا على كل المدنيين وليس الكنسيين وحدهم !
1545 ـ 1563 :
مجمع ترانت يفرض الإيمان الفعلى بتحول الخبز والنبيذ إلى لحم ودم يسوع ، ويفرض اللعنة والحرمان على كل من لا يؤمن بذلك ؛ ويضفى صفة القداسة على نص الكتاب المقدس الذى صاغه وعدله وبدله القديس جيروم فى القرن الرابع !
1854 :
إختلاق عقيدة الحمل العذرى !
1870 :
مجمع الفاتيكان الأول يفرض معصومية البابا من الخطأ !
1950 :
إختلاق عقيدة صعود مريم إلى السماء بجسدها ، وهى عقيدة لا أصل نصى لها ولو مزيّف !
1965 :
مجمع الفاتيكان الثانى يفرض تبرأة اليهود من دم المسيح ، رغم كل الإتهامات التى لا تزال موجودة بالأناجيل ؛ ويفرض عملية تنصير العالم ؛ ويفرض على جميع الأتباع وعلى الكنائس المحلية المشاركة فى عملية تنصير العالم !
وهل لنا أن نضيف أن صياغة كل العقائد كانت تتبعها إنقسامات ومعارك ، أو أن نضيف  إعتراف بولس الرسول القائل لأهل رومية (3 : 7) "فإنه إن كان صدق الله قد إزداد بكذبى لمجده ، فلماذا أدان أنا بعدُ كخاطئ ؟" ..

من هنا لم يكن بلا سبب أن أعلن القس والأديب الفرنسى إرنست رينان سنة 1849 قائلا : "بالكاد ، إن إعتصرنا من كل الأناجيل ما تحتوى عليه من صدق ، نحصل على صفحة واحدة عن يسوع" ! وقد علّق عليه موريس جوجل أستاذ اللاهوت فى جامعة باريس البروتستانتية مضيفا : "حيث كان رينان يتحدث عن صفحة ، فإن بعض النقاد أصبحوا لا يتحدثون إلا عن جملة واحدة" ! وهنا يوجد بالفعلا ما يدعو للإحمرار خجلا ..

من هنا وجب التأكيد على أنه ليس عدم الإكتراث الدينى أو العلمنة ، والإلحاد ، وإنتشار الفِرق والخلط المتزايد هو الذ أدى بالأتباع إلى الإبتعاد عن المسيحية أو الفرار منها فى صمت ، وإنما إكتشاف كل ه1ا الكمّ من التحايل والتحريف وإكتشاف كل ذلك الكمّ من التزوير والتناقضات التى تم فرضها على مدى تاريخ دامى ولا إنسانى .. إنه تاريخ لم نذكر منه إلا الشذرات ، مجرد شذرات تتعلق بكيفية تكوين هذه المسيحية ، تاركين كل الفضائح والمخازى الأخرى السارية من1 قرون ، ولا نشير على سبيل المثال إلا إلى قضايا الشذوذ الجنسى أو فضائح بنك الفاتيكان ، المعروف بإسم مؤسسة الأعمال الدينية ، المتورط فى التعامل مع المافيا ، وغسيل الأموال ، وتجارة المخدرات ، وتجارة السلاح والمؤامرات السياسية.

وهناك إدانة صريحة أخرى توجد فى زعم الكنيسة وإتخاذها نهاية إنجيل متّى (28 : 19 ـ 20) لتنصير العالم ، وتقول هذه العبارة : "إذهبوا وكرزوا كل الأمم بإسم الآب والإبن والروح القدس .." ، أى أن يبشروا بإسم الثالوث الذى تم إختلاقه وفرضه على الأتباع فى مجمع القسطنطينية سنة 381 ، وأضيف وقتها إلى الصياغة الجديدة لعقيدة الإيمان !

ومن الداعى إلى السخرية أن نرى الإصرار الأكمه الذى تقوم به الكنيسة الفاتيكانية ، وقد أحاط بها الإحباط ، أن تصرّ على التبشير بشتى الوسائل والأساليب : فى الشوارع وطرق السفر ، وفى القطارات والمواصلات العامة ، والمطارات ، وعلى الشواطئ ، وعلى الدرّاجات أو فى السيارات ، ومن الباب للباب ، وبكل وسائل الإعلام وبالإنترنت الخ ..

فإلى كل هذه الآلاف من الأشخاص المتورطين فى عملية التبشير فى العالم ، وإلى تلك المؤسسة الفاتيكانية الغارقة فى عمليات التحريف والتزوير منذ قرون ، والتى تصرّ على فرض فرياتها وهى تعلم خبياها ، لا نرى سوى ذلك المثال العامى القائل : "الكذب مالوش رجلين" .. فإن عاجلا أو آجلا يتم فضحه ، أيا كانت مدة الحفاظ  عليه بصور مفتعلة ، فلا بد له  من أن ينهار ..

حينما يمسك البعض بزمام معطيات دين تم نسجه وترقيع نسيجه عبر المجامع والمذابح حتى اختفى أصله، و آل به الحال وإنقسم إلى ثلاث وثلاثين الف فرقة وجماعة (راجع "الأديان فى العالم" شهرية رقم 198 نوفمبر 2008)، لا يحق لأحد أن يفرضه على العالم ، وخاصة لا يحق لأحد إنتزاع الإسلام ، الديانة التوحيدية الوحيدة المنزّلة التى ظل كتابها المنزّل ، القرآن الكريم، سليما لم يتبدّل منه حرفا حتى يومنا هذا... بل يحق لهم فعلا أن تحمر وجوههم خجلا ...

 14 يوليو 2012

 
 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط