اطبع هذه الصفحة


تنصير العالم
سينودس التبشير الجديد لنشر الإيمان المسيحي
(7 ـ 28 اكتوبر 2012)

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


بعيدا عن فضائح الفاتيليكس، تلك القضية التى تم إغلاق ملفها فى إسبوع، أو الإنحرافات الجنسية ، وبنك الفاتيكان المتهم فى قضايا غسيل الأموال، والإتجار فى الأسلحة، والمخدرات، والعلاقات مع المافيا والعديد غيرها ، حاول البابا بنديكت 16 أن يعطى نفحة جديدة للكنيسة بإفتتاح سينودس التبشير الجديد لنشر الإيمان المسيحى ، المقام من 7 إلى 28 أكتوبر 2012 ! وهو سينودس منعقد لمحاولة الرد على مسألة أساسية بالنسبة لمستقبل هذه المؤسسة : كيف يمكن إقناع الناس بقيمة العقيدة المسيحية فى المجتمعات المعاصرة الشديدة الإبتعاد عنها ؟!
والحق يقال إن هذا السؤال قديم ، قدم المسيحية أو هو قد تولد ونمى معها، لكنه يتخذ أهمية أخرى فى إطار التعددية الدينية والثقافية التى يرفضها الفاتيكان ويحاربها بضراوة وبسرعة فائقة...

وفى حضور 262 من الأساقفة والأباطرة و400 مراقب "قادمين من جميع أنحاء العالم لمناقشة ومحاولة العثور على وسائل مبتكرة لنشر الإنجيل ، سواء فى البلدان التى كانت ذات أغلبية مسيحية"، التى تباعد أتباعها عن الكنيسة وقضية التبشير السريع "المرتبك والسطحى أحيانا فى بلدان الجنوب"، "حيث يخضع الكاثوليك أحيانا إلى تهديدات وإضطهادات خاصة من الإسلاميين، على حد زعم نصوص الأساقفة، أو تخضع لمنافسة المعمدانيين" ، من المهم أن نرى عن قرب مجرى هذه المداخلات. فلم يحدث أن إجتمع مثل هذا العدد من الأساقفة لمدة ثلاثة أسابيع لمناقشة موضوع يرتبط بكافة النشاطات الإجتماعية، ولم يحدث أن اجتمع مثل هذا الحشد ليفرض إيمانه على العالم ..

وفى الخطاب الإفتتاحى ، وضع بنديكت 16 الزواج والأسرة فى قلب "التبشير الجديد، مؤكدا على "أنه توجد علاقة واضحة بين أزمة الإيمان وأزمة الزواج"، و أن "المطلوب من الزواج ألا يكون مجرد شئ شكلى وإنما أن يصبح صُلب التبشير الجديد". أى أنه فى كلمة واحدة قد أعطى خط السير المطلوب للحكومة الفرنسية قبل أن يتم إدراج الموافقة على الزواج المثلى والسماح بالتبنى للمثليين رسميا فى المجتمع الفرنسى والأوروبى. ثم إنتقد "الفتور، سواء فى الكنيسة أو لدى الأتباع، على أنه أكبر خطر يتهدد المسيحية"، مضيفا: "لقد رأينا فى السنوات الأخيرة خلافات جمة فى كرمة المسيح"، دون أن يتساءل هو أو البارجة الحربية التى جمعها حوله عن السبب الحقيقى لإبتعاد الأتباع عن الدين..

لقد تناولوا عشوائيا موقف المطلقين الممنوعون رسميا من المناولة أثناء القداس ؛ وموقف الكنيسة من منع الحمل ؛ والتلقيح الصناعى والأخلاق العامة المتعلقة بالجنس؛ والبيروقراطية الكنسية؛ والتمييز غير المتبع بين "تقبّل" الشواذ بين أعضائها والإدانة المستمرة حول الشذوذ؛ أو على سجل آخر، الرفض المطلق للكنيسة لفتح النقاش حول عدم زواج القساوسة وهو السبب الرئيسى لهذا البلاء.. وما أكثر تداخل الموضوعات التى لا يتم الإستماع فيها إلى صوت الكنيسة. وهو "ما يبدو واضحا فى موضوع الزواج المثلى الذى لا يلتفت إليه أحد فى تلك المجتمعات لأن صوت الكنسية عادة ما يكيل بمكيالين" ، إضافة إلى عدم معقولية العقائد غير المنطقية التى لا يقتنع بها أحد، وضرورة التكاتف "لصد الإضطهاد الذى يعانى منه المسيحيون فى الشرق الأوسط" ، وهو ما يكشف الدور التصعيدى وغير الأمين الذى يقوم به بعض القساوسة.

بعض الإستشهادات كنماذج من المداخلات :
لقد أشار أمين عام السينودس إلى "تسونامى من جراء تأثير العلمانية التى إنهالت على المستوى الثقافى وقد أطاحت بالقيم الإجتماعية (...). فالعلمنة قد ولّدت جيلين من الكاثوليك الذين لا يعرفون حتى الصلوات الأساسية. وأخطاء البعض قد شجعت الشعور بالريبة تجاه بعض بنيات الكنيسة" ، مشيرا إلى فضائح الشذوذ الجنسى المتفشية فى المجال الكنسى.

بينما قال آخر "أن الإنجيل هو أكبر أمل وأكبر تطلع للإنسانية، ويتطلب من الكنيسة جرأة جديدة فى التبشير"؛ وكذلك "تبشير يستعين بوسائل جديدة وإمكانيات جديدة أيضا" ؛ "وإن التبشير الجديد كالتبشير الأول لا بد وأن ينجم عن الروح القدس أول من بشر بين الأمم" ؛ بينما قد تساءل آخر عن "التزايد المتواصل لعدد المؤسسات التعليمية الدينية والتى يواكبها أزمة إيمان فى نفس الوقت ؟ وما الذى يجعلها ضحلة النتائج فى إيقاظ الإيمان لدى الأتباع فى مجال التبشير؟" ثم أوضح "أن التبشير قد أصابته الإهانة من جراء عجرفة بعض المبشرين" ؛ بينما طالب آخر "رغم ان المسيحيين فى تركيا يمثلون أقل من 1 % من التعداد إلا أنه لا بد من الإستعانة بهم فى الحوار الذى هو الطريق نحو الملكوت والتبشير" !

ولقد أشاروا جميعا "إلى عدم مصداقية المؤسسات الكنسية" ، "والبيروقراطية الشديدة للبنيات الكنسية"، و"القلة العددية للقساوسة وإنعكاسها على إقامة الشعائر"، و"عدم إستطاعة الكنيسة تقديم أجوبة حقيقية ومقنعة للتحديات التى تواجهها" ، و"ذلك النزيف الصامت لتسلل الأتباع بإصرار بعيدا عن الكنيسة". وقد أشار غيرهم إلى "أن المستشفى كمجال مثالى للتبشير" ، و"ان الحوار بين الإيمان والثقافة فى المدارس والجامعات ضرورى" ، و"ضرورة تنصير كل الشعوب حتى يصبحوا أتباعا للمسيح" ، أو كيف "أن أيام الشباب العالمى هى جزء لا يتجزأ من عمليات التبشير فى الأجيال الجديدة" ، ويدعو آخر "إلى ضرورة تجنيد الشباب للمساهمة فى تبشير الشباب" ، و"أن الحوار بين الثقافة والإيمان عنصر أساسى يميز المدارس والجامعات المسيحية" ، و"إن أم الكنيسة، مريم العذراء هى أيضا مساهمة فى عمليات التبشير حيث أنها أول مبشرة علمانية بما أنها "أم الكنيسة"، لذلك لا يمكننا إستبعادها من التبشير الجديد نظرا لدورها الأساسى فى حمل الكلمة والروح، وأنها ناقلة للفرحة".

وهنا لا بد لنا من وقفة لتوضيح كيف تتم فبركة النصوص المقدسة وفقا للمناسبات، ونشير إلى موقف محرج نتيجة لذلك الكلام، لكى لا نقول موقف زنا محارم : فعند إفتتاح مجمع الفاتيكان الثانى قال البابا يوحنا 23 : "أن الكنيسة هى زوجة يسوع". وفى هذا السينودس يقولون أن "مريم أم الكنيسة"، التى سبق وقالوا أنها زوجة المسيح ! فهل يعقل أن يتزوج المسيح من أخته أو أن تكون مريم أمه وحماته فى نفس الوقت ؟! ومن قبل كانت الكنيسة "جسد المسيح" (أفسوس 1 : 23) واللهم لا تعليق.

وقد أشار الأباء المجتمعون "إلى ضرورة تبشير جنود الجيش ورجال البوليس" ، ثم دعى آخر "إلى ضرورة تبشير جنود جيوش ورجال بوليس العالم " ! بينما أطلق آخر"نداء إلى كافة الإخوة لتكوين جبهة للدفاع عن المسيحية فى البلدان التى يتم فيها تهميشها أو يتم إضطهادها، موضحا أن المؤسسة الكنسية أشبه ما تكون بمارد كان نائما وبدأ يصحو" ! بينما طالب آخر بضرورة تكوين الشباب للتنصير لأن الشباب يمثلون ثلاثة مليارات فى العالم" ، ثم أشار "إلى ان المدنيين يمثلون أهم وسيلة فعالة لتنصير العالم".

بينما كانت هناك مداخلات تدفع إلى الإبتسام ، إذ قال أحدهم : "لو كان المسيح حيا اليوم بيننا لكان مؤيدا لتطبيق المعرفة العلمية لصالح البشرية وبيئتها الطبيعية، مشيرا إلى التوافق التام بين العلم والإيمان فى الكتاب المقدس وخاصة فى سفر التكوين حول نشأة الكون" ، متناسيا كم المتناقضات الموجودة فى هذه النصوص تحديدا أو تلك الحرب الشعواء التى شنتها الكنيسة ضد العلم والعلماء !!

أبحاث خارج الموضوع ؟ :
من اللافت للنظر أن ما من واحد من الأساقفة المجتمعين قد تناول حقيقة إبتعاد الأتباع أو السبب الحقيقى لهجرتهم للكنيسة، أو تناول ما أطلق عليه البابا تلك الصحراء وذلك التصحر المتزايد !

إن ما تمت الإشارة إليه هى عبارة عن إسهاب للمطالب أو النقاط التى أشار إليها البابا فى برنامج العمل الذى طرحه عليهم وتناول فيه إبتعاد الأتباع عن الممارسة الدينية ؛ عدم الإكتراث الدينى ؛ العلمنة ؛ الإلحاد ؛ إنتشار الفرق والإنقسامات الدينية ؛ الخلط المتزايد الذى يدفع الأتباع إلى عدم الإنصات للقساوسة ؛ "الخوف والخجل او الإحمرار خجلا من الإنجيل" على حد قول بولس الرسول ؛ الهجرات والعولمة ووسائل الإعلام ووهن الإيمان المسيحى ؛ إنخفاض الحمية بين القساوسة المبشرين ؛ والإرتداد الصامت. لذلك ترى الكنيسة ضرورة تنصير المجتمعات المسيحية وباقى سكان العالم.

أى إن كل ما تناولوه هو عبارة عن عرض أو نقد ردود الأفعال نفسها، ولم تتم مناقشة أى سبب من الأسباب الحقيقية التى أدت إلى هذه الحالة. لم يقال شيئا مطلقا حول تحريف النصوص وتزييفها أو كيف نُسجت المسيحية عبر المجامع على مر العصور ؛ أو تلك العقائد غير المنطقية والإستخفاف حتى بالقدسية المزعومة لهذه النصوص بدليل تبرأة اليهود من قتل ربهم يسوع رغم كل الإدانات الصريحة التى لا تزال موجودة فى الأناجيل، وغيرها كثير..

إدانة الإسلام والمسلمين :

إن مسألة الإسلام من الموضوعات التى كثر تناولها فى المداخلات التى احتلت أول اسبوعين. وبينما أثار بعضها العديد من المناقشات ، تناول بعض الأباء موضوعا عادة ما لا يتم تناوله علنا فى الخطاب الكنسى ، الا وهو تنصير المسلمين. وبعض الجمل توضح الإصرار الذى يعتمد على التحايل والتلاعب:

* "إن الجيل الجديد يتعرف على المسيحية عبر الإنترنت. وبما أنه ليس لدينا إمكانية إستخدام الإعلام الرسمى كالإذاعة والتليفزيون ، التى يستخدمها البروتستانت الإنجيليين أكثر من الكاثوليك ، فذلك يتطلب ضرورة أن يكون لنا مبشرين مستعدون لجمع الحصاد الذى ينتظرنا ، لذلك لا يمكننا الإكتفاء بالنوايا الحسنة والإرتجال" ؛

* "إن التبشير فى البلدان العربية يتم بصورة غير مباشرة فى المدارس الكاثوليكية والجامعات والمستشفيات والمؤسسات الإجتماعية التى تمتلكها الإبراشيات والجمعيات الدينية المفتوحة للمسلمين كما للمسيحيين. إن التبشير غير المباشر يتم أساسا عن طريق وسائل الإتصال الإجتماعية، خاصة الكاثوليكية منها، التى تنقل على الهواء الطقوس الدينية ومختلف البرامج الدينية" ؛

* "إن المسلمين لا يمكنهم التمييز بين المسيحيين والغربيين ، بما أنه بالنسبة لهم لا يوجد فرق بين ما هو دينى وما هو سياسى وإجتماعى ، وقد يحدث فى بعض الأحيان أن يؤدى تصرف الغربيين خاصة فى المستوى الثقافى والسياسى ، بصفة عامة، إلى المساس بالحساسية الدينية أوالوطنية، ويمس بالقيم الأخلاقية والثقافة الإسلامية (...) ، لذلك نسأل : كيف وما الذى يجب أن نعمله لتفادى عدم خلط المسلمين بين المسيحية والغرب ، بين المسيحيين والغربيين ، دون أن يشعروا بالإهانة ؟". والسؤال الموجه للسينودس صراحة : كيفية الإهتمام بهذ المسألة ومحاولة تفاديها، بقدر الإمكان ، لتفادى التوترات وسوء الفهم بحيث يصبح المسلمون أكثر تقبلا للكنيسة وللإنجيل ؟" !

الرسالة الختامية ومقترحات السينودس :

لقد إنتهى السينودس بإصدار رسالة تؤكد على ضرورة وأهمية التبشير الجديد ، وعدة مقترحات مكونة من 58 بندا تم إعتمادها فى 27 أكتوبر. وهى نصوص تفسح "مكانة أساسية للروح القدس" ليعاونهم على إرتداد المتلقى لتفعيل التبشير الجديد. "وهذه المقترحات سوف تساعد على قيام البابا بصياغة وثيقة ناجمة عن الحياة وعليها ان تولد الحياة"! تلك كانت العبارة التى وصفها بها البابا بنديكت 16. ومن الكاشف أن نطالع بعض هذه المقترحات خاصة المتعلق منها بالإسلام :

* "التبشير الجديد هو دفع رجال ونساء زماننا نحو يسوع للقاؤه. وتلك ضرورة ملحّة وعاجلة ، وتمس جميع أنحاء العالم ، المناطق التى سبق وعرفت المسيحية أو تلك التى لم تعرفها بعد (...) فالتبشير الجديد هو جديد فى جرأته وفى أساليبه وفى تعبيراته" (بند 2) ؛

* "ضرورة العثور على مساحات جديدة للقاء المسيح، وعلى وسائل وفعاليات تبشيرية حقة ، تنغرس فى الأبعاد الأساسية للحياة الإنسانية : كالأسرة ، والعمل ، والصداقة ، والفقر، ومحن الحياة ، الخ" (بند 4) ؛

* "نحن لا نشعر بالخجل من ظروف الزمن الذى نعيشه. أنه عالم ملئ بالمتناقضات والتحديات (...) لا يوجد مكان للتشاؤم فى نفوس وقلوب من يعرفون أن الرب قد هزم الموت وأن روحه تعمل معنا بقوة فى التاريخ" (بند 6) ؛

* "لا يمكن التفكير فى التبشير الجديد دون أن نشعر بمسئولية خاصة لتبليغ الإنجيل للعائلات ومساندتها فى واجبها نحو تعليمه (...) ولدينا واجب خاص للعناية بالأسرة من أجل رسالتها فى المجتمع وفى الكنيسة بتنمية أساليب معينة ومرافقتها خاصة قبل وبعد الزواج" (بند 7) ؛

* "نعترف بالدور الفعّال للشباب فى عملية التبشير وخاصة بين الشباب ذاته" (بند 9) ؛

* "التبشير الجديد يهتم بعناية فائقة بالحوار بين الثقافات ، إقتناعا بأنه سيجد فى كل منها بذور كلمة الرب"؛ "التبشير الجديد يتطلب أن نهتم بصفة خاصة بمجال الإتصالات الإجتماعية" ؛ "لقد حصل حوار الكنيسة أخيرا على من يستمع إليه فى الديانات الأخرى" ؛ "الحوار بين الأديان يريد أن يكون مساهمة فى عملية السلام ويرفض كل الأصوليات، ويتهم ويرفض كل أنواع العنف التى تمس بشدة بحقوق الإنسان. وكنائس العالم تطلب من الذين بيدهم أمر الشعوب أن تحافظ على حقوق حرية إختيار وممارسة الدين والإعلان عنه بلا خوف" (بند 10) ؛

* "إن مهمة التبشير هذه المرة لا تتعلق بإمتداد جغرافى فحسب وإنما تبحث للوصول إلى أدق حنايا قلوب معاصرينا وأبعدها منالا ، لنأتى بها للقاء يسوع (...) إنها ضرورة ملحّة وحيوية تمس جميع بقاع العالم" ؛
* "نحن ننوى الإعلان بكل حيوية عن وصية يسوع لحوارييه : "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم {...} وها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر" (متى 28 : 19ـ 20) (بند 14).

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنها أول مرة يتم فيها حذف جزء من عبارة يسوع هذه والتى تتخذها الكنيسة حجة للتبشير ، وهى أن يكرزوا "{باسم الآب والإبن والروح القدس}" ، وذلك لأنها تثبت التحريف الموجود فى هذه النصوص التى يقولون عنها مقدسة : لأن الثالوث تم إختراعه وفرضه على الأتباع فى مجمع القسطنطينية سنة 381 ، ولم يكن ليسوع أية فكرة عنه !

بعض الملاحظات العشوائية :
فى الإقتراحات الثمانية والخمسين التى تقدم بها الأباء تم التركيز على التعليم الدينى ؛ وعلى الإستعانة بكافة المسيحيين فى عملية التبشير ؛ وضرورة الإستعانة بالشباب فى عمليات التبشير ؛ والتأكيد على ضرورة تنفيذ حرية تغيير الدين ؛ وعلى مساهمة الكاثوليك فى العلوم والثقافة والفن ، وبإختصار : كل المسيحيين وكافة الكنائس المحلية ملزَمة بالمشاركة فى عملية تبشير العالم بكل الوسائل. كما يقترح الأساقفة المجتمعون إنشاء مرصد أو أن تتولى لجنة من الكنيسة مهمة القيام بالتصدى لعمليات الحد من الهجوم على حرية العقيدة وتغيير الدين ، وأن تحصل على المعلومات الدقيقة لهذه الإنتهاكات ؛ والقيام بنشر وثائق مجمع الفاتيكان الثانى بصورة أوسع : أى ما معناه تنصير العالم مهما كان الثمن !

على الرغم من الملحوظة المضغمة التى وجهها البابا لرئيس الجمهورية الفرنسية والمتعلقة بوضعه الإجتماعى، المخالف لتعاليم الكنيسة حول الزواج الشرعى ، أدت إلى قيام رئيس الجمهورية أخيرا بتقبل لقب "رئيس كنيسة لاتران" رسميا بإسم التراث !!؟ والتزم البابا الصمت ! لم يتفوه بكلمة علما بأن الأمر يتعلق بواحدة من أكبر أربعة بازيليكات فى روما والتى يعتبرونها "أم" كل كنائس روما والعالم. وليس من المنطقى أن يترأس مثل هذه الكنيسة شخص يحمل تلك المخالفة الصارخة لتعاليم الكنيسة بوضعه الإجتماعى غير الكريم ، لكن من الواضح أن الكيل بمكيالين هو السائد فى هذه المؤسسة ..

فى كل النصوص المتداولة فى هذا السينودس يتحدثون عن الإنجيل بصيغة المفرد ، علما بأنها أربعة أناجيل معتمدة. وحتى إن قال أحدهم أن عبارة الإنجيل مقصود بها النبأ السعيد ، الذى يعنى بعث يسوع ، فالرد العلمى يقول أنها عقيدة مختلقة لأن النسوة اللائى شاهدن المقبرة خالية :"خرجن سريعا وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن ولم يقلن لأحد شيئا لأنهن كن خائفات" (مرقس 16 : 8) ! أى إن القيامة المزعومة لم يشاهدها أحد.

وإذا اختصرنا النصوص فى بضعة كلمات لوجدنا أن هذا السينودس يكشف عن الرغبة الصارمة من جانب الفاتيكان فى دفع العالم إلى "الإيمان المسيحى" ليسوع ، علما بأنه كان يهوديا ، ولم يُقِم أية كنيسة ، ولم يختلق أى ثالوث ، ولا أى كتاب مقدس ليفرضها على العالم. إن هذا النبى العظيم لم يأت ، كما قال ، إلا من أجل خراف بين إسرائيل الضالة، ولم يات لتنصير العالم.

فى خطاب ختام السينودس إستشهد بنديكت 16 بصيحة بارتيماوس قائلا : "يا يسوع ابن داوود إرحمنى" (مرقس 10 : 47) !. ترى هل قداسة البابا لم يلحظ أن هذه الجملة تحديدا تمس وتناقض عملية تأليه يسوع ؟ فلا يمكن لشخص أن يكون إبن داوود وإبن الله فى نفس الوقت !

وطوال ذلك الخطاب لم يكف البابا عن الإستشهاد ببارتيماوس الذى فقد البصر ثم أعاده له نور الإيمان ، ليضرب المثل لكل الذين غادروا كنيسته ، آملا فى إستعادتهم إلى الحظيرة على ضوء عملية التبشير الجديد: أليس من المنطقى أن يفهم أن هؤلاء الأتباع لم يفقدوا البصر ، بل على العكس من ذلك لقد إستعادوه بفضل العقل ، بعد قرون طويلة من الخداع ، فلاحظوا وادركوا الواقع المرير لتلك المؤسسة التى فقدت مصداقيتها بسبب الاعيبها وخداعها ؟!

إن جعل التبشير "ضرورة حيوية" لتنصير العالم يعنى إقتلاع الإسلام ، إقتلاع الرسالة التوحيدية الوحيدة التى ظلت كما أنزلها المولى عز وجل، ولم يتبدل منها حرفا ، الديانة الوحيدة التى تقوم على تصعيد مطلق لله. أليس أكثر أمانة أن تكفوا عن إشعال الفتن وعن إختلاق كل تلك المؤامرات لشيطنة الإسلام والمسلمين ، تلك الكراهية التى نسجتها الكنيسة عبر القرون ثم أصدرتها قرارا من ضمن قرارات مجمع الفاتيكان الثانى ؟

ليس بإبادة الاخر أن يمكنكم التلفع بالصدق أو بالأمانة ، وإنما بالإعتراف بكل الأخطاء التى اقترفتموها طوال الفا عام ، والتوبة عنها وإتّباع السراط المستقيم . فليس الكيل بمكيالين هو الذى سيعيد لكم خرافكم إلى الحظيرة ، وإنما بإتباع الحق والعدل بلا مراوغة. فيسوع لم يكن متشحا بالحرير والدنتيلا ، ولا بالذهب والحلى الفاخرة ، لم يكن يرتدى أحذية من كبريات بيوت الأزياء وإنما كان يسير حافيا ، لم يكن يسكن القصور الشاهقة وإنما لم يكن لدين مكانا يضع عليه رأسه ، لم يكن يهتم ببذخ الديكور التهريجى وإنما كان يبشر بحب القريب !

وكلمة أخيرة لقداسته: بدلا من "إشعال نار الحطب التى خبت" كما طلبت من أساقفة السينودس لتنصير العالم، إنزع تلك الكراهية التى تنهش مؤسستك منذ اربعة عشر قرنا بمعاداة الإسلام والمسلمين .. 30/10/2012
 



 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط