اطبع هذه الصفحة


الذكرى... والصمت
في حرب العراق !

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


مرت الذكرى العاشرة لحرب العراق دون أن تتناولها الأقلام بالتحليل إلا فيما نُدر من الشذرات، وهى ذكرى مثقلة، لا بالآلام التى يصعب تحملها، لكن لما بها من الدروس والعبر ما يمكنه أن يعاون القيادات المسلمة من تغيير الوضع المخجل للمسلمين على الصعيد العالمى. فالعراق ليست مجرد دولة شقيقة أو دولة من دول الجوار، وإنما هى جزء لا يتجزأ من أمة محمد عليه صلوات الله. أمة تهلهلت وكادت تذوب فى غياهب الإقتلاع والضياع بسبب مواقف متعددة متكررة من الغدر والخيانة والتواطؤ والتنازلات المخزية.

فى عام 1991 أعلن جيمس بيكر، وزير خارجية أمريكا آنذاك، قائلا :

سنهدم العراق ونعيده للعصر الحجرى ! وكان لهم ما أرادوه وما أعلنوه بفضل تواطؤ أو صمت بعض قياداتنا المسلمة..

تحول العراق إلى بلد الأشباح واليتامى والأرامل ، تحول العراق الذى دكوه واعتصروه نهبا وظلما وإجراما إلى مفرخة للسرطانات والأوبئة.. أطفال يولدون بلا عيون ، برأسين أو ثلاثة ، أطفال مصابون بأورام خبيثة، بلا أعضاء أساسية أو بأطراف ناقصة أو زائدة، والتشوهات فى تزايد وأسوأ مما كان عليه الوضع فى هيروشيما ونجازاكى.

فبعد عشر سنوات من الحظر والعقوبات الإقتصادية الطاحنة تم استخدام كل قوى الجيش الأمريكى لهلهلة ما تبقى من الإقتصاد العراقى وبنياته التحتية ونسيجه الإجتماعى. لقد دك الجيش الأمريكى المصانع والمدارس والجامعات والمستشفيات والمتاحف ومحطات الطاقة ومحطات المياة، وتواطأت كافة وسائل الإعلام الأمريكية والغربية للترويج لهذه الحرب إعتمادا على أكاذيب هم أول من يعلم تلفيقها، وتبارت فى اختلاق حجج وبراهين على امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل التى لم يكن لها أى وجود. كما تبارت نفس أجهزة الإعلام فى التعتيم على بشاعة هذه الحرب وتوابعها الكاسحة. فهذه الحرب المتفردة فى إجرامها ووحشيتها تمثل منحنى أساسى فى تاريخ الإمبريالية الأمريكية، وخلقت الظروف المواتية لتكثيف الحرب فى أفغانستان وإنتشار عربدة رعاة البقر ومجرميها. فقد صيغت فى إطار استراتيجية أمريكية تسعى منذ فترة طويلة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط لضمان المصالح الصهيوـ أمريكية والسيطرة على منابع الثروات فى المنطقة. وشارك الإتحاد الأوروبى فى هذه الحروب التى اندلعت منذ 1991 وحركها اللوبى الصهيونى المتحكم فى البنتاجون وفى البيت البيض.

فمن 1991 إلى 2003 ، أيام الحظر المفروض، الذى تم فيه المنع الصارم حتى على الأدوية والمعدات الطبية، توفى مليون عراقى، نصفهم من الأطفال، نتيجة للمجاعة الإقتصادية المفروضة. عشر سنوات من الإحتلال الدامى دمرت دولة ذات سيادة، كانت تمثل واحدة من أكثر البلدان تقدما فى الشرق الأوسط.. وفيما بين 2003 و2013، أيام الحرب الكاسحة التى انهال فيها أعنف طوفان من القذائف عرفته البشرية على سماء بغداد، والتى استخدمت فيها أمريكا اليورانيوم المخضب والفوسفور الأبيض المحرم استخدامها دوليا وغيرها من الأسلحة التدميرية الفتاكة، تم إغتيال أكثر من مليون ونصف من العراقيين، وأكثر من مليون مفقود، بخلاف النازحين وسط النيران وقد تعدوا الأربعة ملايين ونصف، أى أكثر من سبعة ملايين من تعداد واحد وثلاثين مليونا! إضافة إلى هجرة شريحة من الدارسين المحترفين وعشرات الآلاف الذين تم سجنهم بلا محاكمة وبلا أى ذنب واُلقى بهم فى غياهب السجون العلنية والسرية على أيدى فصائل الموت التى تم تدريبها على التفنن فى التعذيب والقتل ألماً ومهانة، بزعم حرب دارت تحت مسمى "حق الدفاع الوقائى"!

إن الوضع الإنسانى المتأزم بعد غزو العراق يعد الأسوأ فى العالم. فحوالى نصف التعداد هناك يعيشون فى عشوائيات غير صالحة للإستخدام الآدمى ، وأحد عشر مليونا بحاجة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة، و70% منهم لا يجدون المياة الصالحة للشرب. وأدت عدوى اليورانيوم المخضب والتلوثات الكيماوية الأخرى إلى زيادة التشوهات الخلقية والسرطنات : ففى العراق يموت أربعون الف طفل من دون الخامسة كل عام، وأكثر من نصف مليون طفل يعانون من سوء التغذية، وحوالى مليون شاب وطفل بين الخامسة والرابعة عشر مجبرون على العمل فى محاولة يائسة لإحياء البلاد بعد دكها وإعادتها إلى ما قبل العصر الحجرى..
وبعد الغزو ترك العدو الأمريكى إثنى عشرة الف موقعا أثريا منهوبا مدكوكاً، وسرقة مقتنيات المتحف القومى فى بغداد قبل الغزو بأيام، منها خمسة عشر الف قطعة فريدة تمثل أصالة الحضارة العراقية ولا تقدر قيمتها بأى مال.

وإنسحاب الفرق العسكرية من العراق أو من افغانستان لا يعنى أن موجة الحروب الضارية تنسحب، وإنما هى تلملم شتاتها ومنابعها العسكرية لإستخدامها فى ضربات قادمة ، معلن عنها، أكثر أهمية فى أماكن أخرى. وما يُشجع وقاحة وعجرفة الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك هو ، يقينا ، أن حرب العراق وجرائمها الثابت وقوعها على الملأ، ظلت بلا أية محاسبة للآن.وكلها جرائم ضد الإنسانية. وقد وصلت هذه العربدة إلى ذروتها فى عهد أوباما الذى طالب بحق إغتيال من يشاء دون تقديم أسباب أو إتهمات ! كما قد أعلن المحافظون الجدد فى عهده قائلين : "أن مسلمو الشرق الأوسط أعداؤنا" ..
لقد تم احتلال العراق عسكريا وإقتصاديا بعد دكه تماما، ويحوم حوله وعليه المستثمرون الأجانب وشركات البترول الأمريكية إذ ان عائد البترول فى العراق يُتوقع له أن يرتفع إلى مائة مليار دولار فى السنة او السنتين القادمتين ، وهو ما يكفى لإعادة إعماره ويزيد إن كان فى أيدى أصحابه..

لقد قررت الحفنة الصهيو صليبية المتحكمة فى العالم تفتيت الشرق الأوسط مثلما تم تفتيت بلاد البلقان والعراق وأفغانستان، لتحقيق فرية إسرائيل الكبرى، وصرح أوباما أثناء زيارته فى الأيام الماضية للكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين قائلا : "إن أرض فلسطين تاريخيا هى أرض يهودية"..

فما الذى ينتظره قادتنا المسلمون ليفيقو من غفوتهم المهينة فى حق الإسلام والمسلمين ؟!
28 مارس 2013

هكذا ماتوا ...

 
 

وهكذا يولدون ...

  
 

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط