اطبع هذه الصفحة


"رسالة تهنئة المسلمين" للبابا فرانسيس ،
تعليقات ورجاء ...

الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


أكتب كمسلمة متحدثة بالفرنسية ، بحكم التعليم والمهنة الجامعية، قد عانت من كل ما يمكن للراهبات أن يُشربوه للطالبات حول يسوع والمسيحية مع إستبعاد وجود الإسلام فى بلدٍ ذى أغلبية مسلمة ، وواحدة من ذلك المليار والنصف من المسلمين المطاردون بعملية تنصير العالم، ردا على رسالة التهنئة التى وجهتها لمسلمى العالم أجمع بمناسبة نهاية شهر رمضان وقدوم عيد الفطر المبارك.

وقد لاحظت إستبعادك البروتوكول طواعية ، لذلك أتجاوز الألقاب البروتوكولية لأقول لك بكل بساطة :
الصديق العزيز ،

فى يوم الجمعة 2 أغسطس 2013 كتبت رسالة تهنئة "للمسلمين فى العالم أجمع" مخاطبا إياهم بعبارة "الأصدقاء الأعزاء". وبين الأصدقاء لا بد من وجود مساحة من الأمانة والصراحة.. لقد بدأت بشرح سبب إختيارك لإسم "فرانسيس" ؛ ودعوت المسلمين إلى التفكير فى "تفعيل الإحترام المتبادل من خلال التعليم" ؛ وحثثت أتباع الديانتين "تجنب النقد غير المبرر أو التشهير بالآخر" ؛ و "التفكير والحديث بصورة محترمة فى الديانات الأخرى و الذين يمارسونها، مع تفادى السخرية أو إزدراء عقائدهم وطقوسهم".

وقد أضافت وسائل الإعلام التى تتلقى التوجيه من الفاتيكان لنشر هذه الرسالة الفقرة التالية : "إن رسالة 2013 يتم نشرها فى جو شديد التوتر ، حيث العديد من المسيحيين فى الشرق الأوسط ، مهد المسيحية ، يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية ، ولا يحق لهم ممارسة دينهم ، ويتم قتلهم أحيانا أو تجبرهم بعض الجماعات الإسلامية على الهجرة... كما أن التحول إلى المسيحية يُعاقب بشدة. وفى بلدان كالسعودية ، حيث يعيش عدة ملايين من المهاجرين المسيحيين ، من المحال بناء كنيسة واحدة" ..

ونظرا لعدد الموضوعات المطروحة أو التى تضيفها وسائل إعلامك ، من المنطقى أن أتناول الرد على كل واحدة على حدة ، بغية مزيد من الوضوح ، وحتى نصل إلى التعاون الذى تدعو إليه المسلمين :


"إختيار إسم فرانسيس" : حقا إن إسم فرانسيس الأسيزى معروف بحبه للفقراء ، لكنه ممعروف أكثر كمبشّر. وفى عام 1219 ، أيام الحملة الصليبية الخامسة ، إخترق خطوط الحرب ليلتقى السلطان الملك الكامل وجاهد لتنصيره دون جدوى ، (راجع كتاب جون تولان : القديس عند السلطان : لقاء فرانسيس الأسيزى بالإسلام). وهو نفس الدور الذى تقوم به من خلال الوظيفة التى تشغلها، خاصة وأن الأخوية التى تنتمى إليها، "أخوية يسوع" التى أقرها البابا بولس الثالث سنة 1540 تم تكوينها من "أجل تنصير العالم أجمع" ؛

*  "تفعيل الإحترام المتبادل من خلال التربية والتعليم" : برجاء إلقاء نظرة على الكتب المدرسية الفرنسية لترى العدوانية وسوء النية والزيف الذى تتحدث به عن المسلمين ، ولا أقول شيئا عن الكتب والمقالات التى تعد بالآلاف وتتراكم حتى إصابة المرء بالغثيان من اكاذيبها ؛

*  "تفادى النقد غير المبرر أو التشهير" : أرجو الإطلاع على مختلف الكتب المطبوعة فى فرنسا ، إبنة الكنيسة الكبرى، أو فى البلدان المتحدثة بالفرنسية التى تمادت حتى إختلقوا عبارة الإسلاموفوبيا لكثرة ما بها من نقد وتشهير غير مبرر ، خاصة منذ عام 1965 حينما قرر المجمع الفاتيكانى الثانى تنصير العالم ، فكان لا بد من شيطنة الإسلام حتى تسهُل عملية إقتلاعه ؛

*  "التفكير والتحدث بصورة محترمة عن الديانات الأخرى وعن من يمارسونها وتفادى السخرية أو إزدراء عقائدهم و طقوسهم" : هل من ضرورة أن أحيطك علما بأن إيمان المسلم أو المسلمة لا يكمل إلا إذا آمن بكل الأنبياء والرسالات التى سبقت الإسلام ؟ واحترام يسوع ، النبى المقتدر ، هى فرض على المسلمين. كما أن القرآن يضفى على السيدة مريم تشريفا لا نظير له فى الأناجيل ، حيث لا تحظى إلا بكليمات ضحلة أو مهينة..

إن السخرية والإزدراء والإتهام بل والتشهير يتم من جانب واحد ، من جانب كل الذين يأخذون توجيهاتهم من الكنسية أو من السياسة التابعة لها ! لقد بدأ الهجوم على الإسلام منذ بداية إنتشاره حتى يومنا هذا ، مرورا بكتابات يوحنا الدمشقى ومحاكم التفتيش والحروب الصليبية وبدعة تنصير العالم ! وبقول آخر ، لقد بدأت المآسى والأهوال بينكم منذ تأليه يسوع فى مجمع نيقية الأول سنة 325. فالإسلام لم يتم تنزيله كثالث وآخر رسالة للتوحيد إلا بعد أن تم تحريف الرسالتين السابقتين ، اليهودية والمسيحية. واكتشاف هذا التحريف فى الأزمنة الحديثة هو الذى أبعد الأتباع عن الكنيسة ؛

*  "الأهمية الكبرى للحوار والتعاون بين المؤمنين وخاصة بين المسيحيين والمسلمين" : عبارة شديدة المنطق شكلا ، لكن بكل أسف أنه فى كافة وثائق مجمع الفاتيكان الثانى فإن كلمة الحوار تعنى كسب الوقت حتى تتم عملية تنصير العالم ! ولذلك قد تم إنشاء لجنتين تابعتين للبابا مباشرة ، قبل إنتهاء ذلك المجمع : إحداهما من أجل "تنصير الشعوب" ، والأخرى من أجل "الحوار بين الأديان". أى إن تنصير العالم هو قرار مجمعى ، لكى لا أقول "مؤامرة" فعلا يتم تنفيذها بأى ثمن !

*  وعند الخاتمة تؤكد على "الأمل فى أن يكون المسيحيين والمسلمين دعاة حقيقيون للإحترام المتبادل والصداقة خاصة من خلال التربية والتعليم" : وعلى الرغم من براءة هذه الجملة شكلا ، إلا أنها تعنى فيما يتعلق بالمسلمين : حذف كل آيات القرآن الكريم من الكتب المدرسية للغة العربية. وهى المعركة التى بدأت بالفعل منذ بضعة سنوات من خلال جلسات لجان الحوار بين الأديان التى يقودها الفاتيكان فى مصر. بل ولم يكن المطلوب إستبعادها فحسب ، وإنما إستبدالها ووضع جُمل من العهد الجديد ، بلا خجل ، فى بلد ذى أغلبية ساحقة مسلمة ! ولقد تم ذلك بالفعل فى العام الماضى ، وهو ما يمثل أحد الأسباب التى أدت إلى الإحتقان الحالى. ولا أقول شيئا عن الأخطاء والمتناقضات والنقل أو التنبؤات الزائفة فى الكتاب المقدس.

*  "عدم معاملة المسيحيين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية وعدم طردهم من أرضهم الأم ، خاصة فى الشرق الأوسط" : إن كان هناك ثمة مسيحيون قد فروا من الحروب التى يقودها الغرب المسيحى المتعصب ويفرضها على البلدان ذات الأغلبية المسلمة ، ومنها على سبيل المثال الحروب التى تم إفتعالها بعد مجمع الفاتيكان الثانى فى كل من أفغانستان ، والعراق ، وآسيا أو حتى فى فلسطين ، وقد حصدت ملايين القتلى من المسلمين ، فليس ذلك خطأ المسلمين وإنما المسيحيون هم الذين يفرون من الموت ومن الخراب. وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلا فى التاريخ ، سواء أيام الحروب الصليبية أو الإستعمار ، فإن الأقليات المسيحية دائما وبلا إستثناء تقوم بدور "الخائن" ضد بلدها لصالح الغزاه المسيحيون. ومع ذلك ، فالمسلمون لم يطردوهم أبدا وإنما المسيحيون هم الذين يفرون ..

أما عن بدعة معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية ، فيكفى أن أقول لك ، فيما يتعلق بمصر ، مع مراعاة أن المسيحيين بكل فرقهم المختلفة ، لا يمثلون سوى 4 % من تعداد المسلمين، فإن عدد المليارديرات المسيحيين يفوق بكثير عدد نظائرهم من المسلمين : فهم يمتلكون أكثر من ثلث الإقتصاد المصرى وكل الوظائف المرتفعة الأجور تقريبا ، خاصة أن الشركات الأجنبية أو فروعها تحابيهم على حساب المسلمين ؛

"الأماكن التى لا يمكن للمسيحيين فى الشرق الأوسط أن يمارسوا شعائر دينهم وأحيانا يُقتلون أو تطردهم الجماعات الإسلامية" : عملية النفى أو الطرد هى بدعة تختلقها الكنيسة لتسمح للغرب العنصرى المتعصب ومُشعل الحروب بالتدخل فى شئون البلاد. وقد سبق للبابا بنديكت 16 أن ناشد هيئة الأمم أن تتدخل بخوذاتها الزرقاء لحماية الأقليات المسيحية فى الشرق الأوسط. إنها أكذوبة مختلقة لتسهيل التدخل الغربى والتعتيم عليه حتى تتم عملية تنصير العالم. أما أكذوبة "لا يمكنهم ممارسة شعائر دينهم" ، فلا داعى لقول أن عدد الكنائس والأديرة فى مصر يفوق عددا ومساحة حاجة هؤلاء القبط للتعبد ، ولا يكف الفاتيكان عن التلويح بهم لأسباب سياسية لم تعد سرية. كما إن معظم هذه الكنائس والأديرة قد إستولت الكنيسة على أراضيها عنوة من أراضى الدولة ، ولا أذكر على سبيل المثال سوى آخر هذه الأحداث : الإستيلاء على المحمية الطبيعية لوادى الريان بالفيوم وإحاطتها بسور لم يتمكن الجيش من إختراقه ؛

* "من يرتد عن الإسلام يعاقب بشدة" : السخرية فى مثل هذه العبارة أنها لا تستحق حتى التعليق ! فكيف تريد أن يتصرف المسلمون حيال عملية التنصير وإقتلاعهم من دينهم ، من الدين الوحيد الذى ظل بلا أى تحريف منذ أن أنزله الله عز وجل حتى يومنا هذا وإلى يوم الدين ؟ أن يشد المسلم على أيديكم أو أن يهنئكم ؟! إن شراء الضمائر تحت أى مسمى ولأى سبب لا يعنى أبدا أنه دلالة على الحق ؛

*  "فى بلدان كالسعودية ، حيث يعيش عدة ملايين من المهاجرين المسيحيين ، من المحال أن تبنى لهم كنيسة واحدة" : ما من إنسان يجهل أن السعودية أرض مقدسة، وأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قد حرّم أن يوجد بها دين آخر سوى الإسلام. ومن تطلق عليهم "ملايين المهاجرين المسيحيين" هم عمّال يوميين، عابرى سبيل، سواء أكانوا يعملون كخدم أو عمّال أو موظفون، إن إقامتهم محددة ومشروطة بالتعاقد الذى وقعوا عليه. ولا يوجد أى تعاقد محدد زمنيا يمنح صاحبه أية حقوق على القوانين الإجتماعية والسياسية أو الدينية للدولة ، ولا حق لهم إلا حدود ذلك التعاقد المحدد المدة وشروطه. لذلك لا يحق لهم المطالبة ببناء أية كنيسة خاصة وأن السيد المسيح قد قال بوضوح : "وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصل إلى أبيك الذى فى الخفاء" (متّى 6 : 6). وبالمناسبة ، لم تكن هناك أية كنائس أيام يسوع، وهى واحدة من العديد من البدع المختلقة..

وفى الختام أيها الصديق العزيز، إن تفعيل الإحترام المتبادل ، كما تقول ، يتضمن الفعل بالمثل من الطرفين. إن المسلم لا يبدأ بالإعتداء أبدا. ربما قد ينظر بازدراء لمن لا يتبع الحق ، لكن عليه أن يرد بنفس قدر الإعتداء حينما يُدفع لذلك... ألم يحن الوقت أو أليس أكثر إنسانية أن تكفوا عن ممارسة ذلك القرار الغاشم المسمى "تنصير العالم" ؟ أليس أكثر إنسانية أن تترك الناس يعيشون إيمانهم فى سلام وأن نتعاون من أجل صالح الأرض قاطبة ، وأن نواجه المجاعات والأوبئة والجهل والكثير من مثل هذه المخازى التى هى بمثابة وصمة عار على جبين ذلك الغرب المسيحى  الناهب والقائم على التزييف ؟

الأخ العزيز ، إن هدم حواجز الريبة والإحتقار يتطلب شجاعة كبيرة من الذى لم يكف عن الإيذاء ، من الذى لم يكف عن فرض التقسيم والفرقة والمذابح وإقتلاع الآخر من إيمانه الإلهى.. ليت الرب يمنحك الشجاعة على وقف بلاء عملية تنصير العالم ، خاصة أن يسوع لم يقل أبدا عبارة : "فإذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس" (متّى 28 : 19). وذلك لأن إنجيل متّى مكتوب كما تقولون فى النصف الثانى من القرن الأول ، وبدعة الثالوث قد تم إختلاقها وفرضها فى القرن الرابع فى مجمع القسطنطينية الأول سنة 381 . بل والأكثر من ذلك، إن النسختين الوحيدتين الكاملتين للإنجيل هما "إنجيل سيناء" (
Sinaïticus) و"إنجيل الفاتيكان" (Vaticanus) وهما أقدم نسختين موجودتين ، من القرن الرابع الميلادى ولا يتضمنان ذلك الجزء من الإصحاح ..

مع تحياتى 

 6 أغسطس 2013

 

 Le "Message de Vœux"  du pape FRANÇOIS, Commentaires et Proposition…

الدكتورة زينب
  • مقالات
  • كتب
  • أبحاث علمية
  • Français
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط